الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        فما يكذبك بعد بالدين [7] تكلم النحويون في هذه الكلمة، وفي بيانها واختلاف حركتها وتنوينها وغير تنوينها ببضعة عشر جوابا. فمن ذلك أن النحويين مجمعون على أن قبل وبعد إذا كانا غايتين فأصلهما ألا يعربا، وأجابوا في علة ذلك بأجوبة، فمن [ ص: 258 ] أصحها أن سبيل تعريف الأسماء أن تكون الألف واللام أو بالإضافة إلى معرفة، فلما كانتا قد عرفتا بغير تعريف الأسماء وجب بناؤهما.

                                                                                                                                                                                                                                        وقال علي بن سليمان : لما كانتا متعلقتين بما بعدهما، وقيل: لما لم يتصرفا بوجوه الإعراب ولم يتمكنا وجب لهما البناء، فهذه ثلاثة أجوبة.

                                                                                                                                                                                                                                        فإن قيل: لم وجبت لهما الحركة؟ فالجواب أن سيبويه قال: وأما المتمكن الذي جعل في موضع بمنزلة غير المتمكن فقولهم: أبدأ بهذا أول ويا حكم أقبل، وشرح هذا أن أول وقبل وبعد لما وجب ألا يعربن في موضع وقد كن يعربن في غيره كره أن يخلين من حركة فضممن.

                                                                                                                                                                                                                                        فإن قيل: فلم لا فتحن أو كسرن؟ في هذا السؤال خمسة أجوبة: منها: أن الظروف يدخلها النصب والخفض إذا لم تعتل فلا يدخلها الرفع، فلما اعتلت ضمت؛ لأن الضمة من جنس الرفع الذي لا يدخلها في حال سلامتها. وقيل: لما أشبهت المنادى المفرد أعطيت حركته. وقيل: لما كانت غاية أعطيت غاية الحركات. فهذه ثلاثة أجوبة في الضم للبصريين، لا نعلم لهم غيرها.

                                                                                                                                                                                                                                        والجوابان الآخران للكوفيين، قال الفراء : لما تضمنت قبل وبعد معنيين ضمتا. قال أبو جعفر : وشرح هذا أنهما تضمنتا معناهما في أنفسهما ومعنى ما بعدهما فأعطيتا أثقل الحركات. وقال هشام : لم يجز أن يفتحا فيكونا كأنهما مضافتان إلى ما بعدهما، ولا يكسران فيكونا كالمضاف إلى [ ص: 259 ] المخاطب فلم يبق إلا الضم.

                                                                                                                                                                                                                                        قال أبو جعفر : فهذه تسعة أجوبة، وأجاز الفراء : آتيك بعد يا هذا بالضم والتنوين، وأنشد:


                                                                                                                                                                                                                                        576 - ونحن قتلنا الأزد أزد شنوءة فما شربوا بعد على لذة خمرا



                                                                                                                                                                                                                                        قال أبو جعفر : وهذا خارج عما جاء به القرآن وكلام العرب والمعقول، لا حجة له في البيت إن كان يعرف قائله؛ لأنه بغير تنوين جائز عند أهل العلم بالعروض كما أنشدوا:


                                                                                                                                                                                                                                        577 - شاقتك أحداج سليمى بعاقل     فعيناك للبين تجودان بالدمع



                                                                                                                                                                                                                                        وأجاز أيضا: رأيتك بعدا يا هذا، قال أبو جعفر : فهذا نظير ذلك أن يكون أراد النكرة. وأجاز هشام : رأيتك بعد يا هذا، جعله منصوبا وأضمر المضاف إليه، فكأنه زعم أن قد نطق به لما كان في النية.

                                                                                                                                                                                                                                        وزعم الفراء والأخفش أن المعنى: فمن يكذبك بعد بالدين. قال أبو جعفر : وهذا لا يعرج عليه، ولا تقع ( ما ) بمعنى ( من ) إلا في شذوذ، والمعنى ههنا صحيح، أي: فما يحملك يا أيها المكذب؟ فأي شيء يحملك على [ ص: 260 ] التكذيب بعد ظهور البراهين والدلائل بالدين الذي جاء بخبره من أظهر البراهين؟

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية