[ ص: 101 ] nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=140nindex.php?page=treesubj&link=28974_30539_19576وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=141وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين .
عطف على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=140وتلك الأيام نداولها بين الناس ، فمضمون هذه علة ثانية لجواب الشرط المحذوف المدلول عليه بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=140فقد مس القوم قرح مثله وعلم الله بأنهم مؤمنون متحقق من قبل أن يمسسهم القرح .
فإن كان المراد من الذين آمنوا هنا معنى الذين آمنوا إيمانا راسخا كاملا فقد صار المعنى : أن علم الله برسوخ إيمانهم يحصل بعد مس القرح إياهم ، وهو معنى غير مستقيم ، فلذلك اختلف المفسرون في المراد من هذا التعليل على اختلاف مذاهبهم في صفة العلم ، وقد تقرر في أصول الدين أن الفلاسفة قالوا : إن الله عالم بالكليات بأسرها ، أي حقائق الأشياء على ما هي عليه ، علما كالعلم المبحوث عنه في الفلسفة لأن ذلك العلم صفة كمال ، وأنه يعلم الجزئيات من الجواهر والأعراض علما بوجه كلي . ومعنى ذلك أنه يعلمها من حيث إنها غير متعلقة بزمان ، مثاله : أن يعلم أن القمر جسم يوجد في وقت تكوينه ، وأن صفته تكون كذا وكذا ، وأن عوارضه النورانية المكتسبة من الشمس والخسوف والسير في أمد كذا . أما حصوله في زمانه عندما يقع تكوينه ، وكذلك حصول عوارضه ، فغير معلوم لله تعالى ، قالوا : لأن الله لو علم الجزئيات عند حصولها في أزمنتها للزم تغير علمه فيقتضي ذلك تغير القديم ، أو لزم جهل العالم ، مثاله : أنه إذا علم أن القمر سيخسف ساعة كذا علما أزليا ، فإذا خسف بالفعل فلا يخلو إما أن يزول ذلك العلم فيلزم تغير العلم السابق فيلزم من ذلك تغير الذات الموصوفة به من صفة إلى صفة ، وهذا يستلزم الحدوث إذ حدوث الصفة يستلزم حدوث الموصوف ، وإما أن لا يزول العلم الأول فينقلب العلم جهلا ، لأن الله إنما علم أن القمر سيخسف في المستقبل والقمر الآن قد خسف بالفعل . ولأجل هذا قالوا : إن
nindex.php?page=treesubj&link=28781_28721علم الله تعالى غير زماني . وقال المسلمون كلهم : إن الله يعلم الكليات والجزئيات قبل حصولها ، وعند حصولها . وأجابوا عن شبهة الفلاسفة بأن العلم صفة من
[ ص: 102 ] قبيل الإضافة أي نسبة بين العالم والمعلوم ، والإضافات اعتباريات ، والاعتباريات عدميات ، أو هو من قبيل الصفة ذات الإضافة : أي صفة وجودية لها تعلق ، أي نسبة بينها وبين معلومها . فإن كان العلم إضافة فتغيرها لا يستلزم تغير موصوفها وهو العالم ، ونظروا ذلك بالقديم يوصف بأنه قبل الحادث ومعه وبعده ، من غير تغير في ذات القديم ، وإن كان العلم صفة ذات إضافة أي ذات تعلق ، فالتغير يعتري تعلقها ولا تتغير الصفة فضلا عن تغير الموصوف ، فعلم الله بأن القمر سيخسف ، وعلمه بأنه خاسف الآن ، وعلمه بأنه كان خاسفا بالأمس ، علم واحد لا يتغير موصوفه ، وإن تغيرت الصفة ، أو تغير متعلقها على الوجهين ، إلا أن سلف أهل السنة
والمعتزلة أبوا التصريح بتغير التعلق ولذلك لم يقع في كلامهم ذكر تعلقين للعلم الإلهي أحدهما قديم والآخر حادث ، كما ذكروا ذلك في الإرادة والقدرة ، نظرا لكون صفة العلم لا تتجاوز غير ذات العالم تجاوزا محسوسا . فلذلك قال سلفهم : إن الله يعلم في الأزل أن القمر سيخسف في سنتنا هذه في بلد كذا ساعة كذا ، فعند خسوف القمر كذلك علم الله أنه خسف بذلك العلم الأول لأن ذلك العلم مجموع من كون الفعل لم يحصل في الأزل ، ومن كونه يحصل في وقته فيما لا يزال ، قالوا : ولا يقاس ذلك على علمنا حين نعلم أن القمر سيخسف بمقتضى الحساب ثم عند خسوفه نعلم أنه تحقق خسوفه بعلم جديد ، لأن احتياجنا لعلم متجدد إنما هو لطريان الغفلة عن الأول . وقال بعض
المعتزلة مثل
nindex.php?page=showalam&ids=15658جهم بن صفوان nindex.php?page=showalam&ids=17238وهشام بن الحكم : إن الله عالم في الأزل بالكليات والحقائق ، وأما علمه بالجزئيات والأشخاص والأحوال فحاصل بعد حدوثها لأن هذا العلم من التصديقات ، ويلزمه عدم سبق العلم .
وقال
أبو الحسين البصري من
المعتزلة ، رادا على السلف : لا يجوز أن يكون علم الله بأن القمر سيخسف عين علمه بعد ذلك بأنه خسف لأمور ثلاثة : الأول التغاير بينهما في الحقيقة لأن حقيقة كونه سيقع غير حقيقة كونه وقع ، فالعلم بأحدهما يغاير العلم بالآخر ، لأن اختلاف المتعلقين يستدعي اختلاف
[ ص: 103 ] العالم بهما . الثاني التغاير بينهما في الشرط فإن شرط العلم بكون الشيء سيقع هو عدم الوقوع ، وشرط العلم بكونه وقع الوقوع ، فلو كان العلمان شيئا واحدا لم يختلف شرطاهما . الثالث أنه يمكن العلم بأنه وقع الجهل بأنه سيقع وبالعكس وغير المعلوم غير المعلوم ( هكذا عبر
أبو الحسين أي الأمر الغير المعلوم مغاير للمعلوم ) ولذلك قال
أبو الحسين بالتزام وقوع التغير في علم الله تعالى بالمتغيرات ، وأن ذاته تقتضي اتصافه بكونه عالما بالمعلومات التي ستقع ، بشرط وقوعها ، فيحدث العلم بأنها وجدت عند وجودها ، ويزول عند زوالها ، ويحصل علم آخر ، وهذا عين مذهب
جهم وهشام . ورد عليه بأنه يلزم أن لا يكون الله تعالى في الأزل عالما بأحوال الحوادث ، وهذا تجهيل . وأجاب عنه
عبد الحكيم في حاشية المواقف بأن
أبا الحسين ذهب إلى أنه تعالى يعلم في الأزل أن الحادث سيقع على الوصف الفلاني ، فلا جهل فيه ، وأن عدم شهوده للحوادث قبل حدوثها ليس بجهل ، إذ هي معدومة في الواقع ، بل لو علمها تعالى شهوديا حين عدمها لكان ذلك العلم هو الجهل ، لأن شهود المعدوم مخالف للواقع ، فالعلم المتغير الحادث هو العلم الشهودي .
فالحاصل أن ثمة علمين : أحدهما قديم وهو العلم المشروط بالشروط ، والآخر حادث وهو العلوم الحاصلة عند حصول الشروط وليست من علمائنا وعلماء
المعتزلة ، إطلاق إثبات تعلق حادث لعلم الله تعالى بالحوادث . وقد ذكر ذلك
الشيخ عبد الحكيم في الرسالة الخاقانية التي جعلها لتحقيق علم الله تعالى غير منسوب لقائل ، بل عبر عنه بقيل ، وقد رأيت
التفتزاني جرى على ذلك في حاشية الكشاف في هذه الآية فلعل الشيخ الحكيم نسي أن ينسبه .
وتأويل الآية على اختلاف المذاهب : فأما الذين أبوا إطلاق الحدوث على تعلق العلم فقالوا في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=140وليعلم الله الذين آمنوا أطلق العلم على لازمه وهو ثبوت المعلوم أي تميزه على طريقة الكناية لأنها كإثبات الشيء بالبرهان ،
[ ص: 104 ] وهذا كقول
إياس بن قبيصة الطائي :
وأقبلت والخطي يخطر بيننا لأعلم من جبانها من شجاعها
أي ليظهر الجبان والشجاع فأطلق العلم وأريد ملزومه .
ومنهم من جعل قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=140وليعلم الله تمثيلا أي فعل ذلك فعل من يريد أن يعلم وإليه مال في الكشاف ، ومنهم من قال : العلة هي تعلق علم الله بالحادث وهو تعلق حادث ، أي ليعلم الله الذين آمنوا موجودين . قاله
البيضاوي والتفتزاني في حاشية الكشاف . وإن كان المراد من قوله الذين آمنوا ظاهره أي ليعلم من اتصف بالإيمان ، تعين التأويل في هذه الآية لا لأجل لزوم حدوث علم الله تعالى ، بل لأن علم الله بالمؤمنين من أهل أحد حاصل من قبل أن يمسهم القرح ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : أراد العلم الذي يترتب عليه الجزاء وهو ثباتهم على الإيمان ، وعدم تزلزلهم في حالة الشدة ، وأشار
التفتزاني إلى أن تأويل صاحب الكشاف ذلك بأنه وارد مورد التمثيل ، ناظرا إلى كون العلم بالمؤمنين حاصلا من قبل ، لا لأجل التحرز عن لزوم حدوث العلم .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=140ويتخذ منكم شهداء عطف على العلة السابقة ، وجعل القتل في ذلك اليوم الذي هو سبب اتخاذ القتلى شهداء علة من علل الهزيمة ، لأن كثرة القتلى هي التي أوقعت الهزيمة .
والشهداء هم الذين قتلوا يوم
أحد ، وعبر عن تقدير الشهادة بالاتخاذ لأن الشهادة فضيلة من الله ، واقتراب من رضوانه ، ولذلك قوبل بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=140والله لا يحب الظالمين أي الكافرين فهو في جانب الكفار ، أي فقتلاكم في الجنة ، وقتلاهم في النار ، فهو كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=52قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين .
والتمحيص : التنقية والتخلص من العيوب . والمحق : الإهلاك . وقد جعل الله تعالى مس القرح المؤمنين والكفار فاعلا فعلا واحدا : هو فضيلة في جانب المؤمنين ، ورزية في جانب الكافرين ، فجعله للمؤمنين تمحيصا وزيادة في
[ ص: 105 ] تزكية أنفسهم ، واعتبارا بمواعظ الله تعالى ، وجعله للكافرين هلاكا ، لأن ما أصابهم في بدر تناسوه ، وما انتصروه في أحد يزيدهم ثقة بأنفسهم فيتواكلون; يظنون المسلمين قد ذهب بأسهم ، على أن المؤمنين في ازدياد ، فلا ينقصهم من قتل منهم ، والكفار في تناقص فمن ذهب منهم نفد . وكذلك شأن المواعظ والنذر والعبر قد تكسب بعض النفوس كمالا وبعضها نقصا قال
أبو الطيب :
فحب الجبان العيش أورده التقى وحب الشجاع العيش أورده الحربا
ويختلف القصدان والفعل واحد إلى أن نرى إحسان هذا لنا ذنبا
وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=124وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=125وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=82وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا وهذا من بديع تقدير الله تعالى .
[ ص: 101 ] nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=140nindex.php?page=treesubj&link=28974_30539_19576وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=141وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ .
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=140وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ، فَمَضْمُونُ هَذِهِ عِلَّةٌ ثَانِيَةٌ لِجَوَابِ الشَّرْطِ الْمَحْذُوفِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=140فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَعِلْمُ اللَّهِ بِأَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ مُتَحَقِّقٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَمْسَسْهُمُ الْقَرْحُ .
فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا هُنَا مَعْنَى الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا رَاسِخًا كَامِلًا فَقَدْ صَارَ الْمَعْنَى : أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ بِرُسُوخِ إِيمَانِهِمْ يَحْصُلُ بَعْدَ مَسِّ الْقَرْحِ إِيَّاهُمْ ، وَهُوَ مَعْنًى غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ ، فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُرَادِ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ عَلَى اخْتِلَافِ مَذَاهِبِهِمْ فِي صِفَةِ الْعِلْمِ ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الدِّينِ أَنَّ الْفَلَاسِفَةَ قَالُوا : إِنَّ اللَّهَ عَالِمٌ بِالْكُلِّيَّاتِ بِأَسْرِهَا ، أَيْ حَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ ، عِلْمًا كَالْعِلْمِ الْمَبْحُوثِ عَنْهُ فِي الْفَلْسَفَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْعِلْمَ صِفَةُ كَمَالٍ ، وَأَنَّهُ يَعْلَمُ الْجُزْئِيَّاتِ مِنَ الْجَوَاهِرِ وَالْأَعْرَاضِ عِلْمًا بِوَجْهٍ كُلِّيٍّ . وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَعْلَمُهَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِزَمَانٍ ، مِثَالُهُ : أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْقَمَرَ جِسْمٌ يُوجَدُ فِي وَقْتِ تَكْوِينِهِ ، وَأَنَّ صِفَتَهُ تَكُونُ كَذَا وَكَذَا ، وَأَنَّ عَوَارِضَهُ النُّورَانِيَّةَ الْمُكْتَسَبَةَ مِنَ الشَّمْسِ وَالْخُسُوفِ وَالسَّيْرِ فِي أَمَدِ كَذَا . أَمَّا حُصُولُهُ فِي زَمَانِهِ عِنْدَمَا يَقَعُ تَكْوِينُهُ ، وَكَذَلِكَ حُصُولُ عَوَارِضِهِ ، فَغَيْرُ مَعْلُومٍ لِلَّهِ تَعَالَى ، قَالُوا : لِأَنَّ اللَّهَ لَوْ عَلِمَ الْجُزْئِيَّاتِ عِنْدَ حُصُولِهَا فِي أَزْمِنَتِهَا لَلَزِمَ تَغَيُّرُ عِلْمِهِ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ تَغَيُّرَ الْقَدِيمِ ، أَوْ لَزِمَ جَهْلُ الْعَالِمِ ، مِثَالُهُ : أَنَّهُ إِذَا عَلِمَ أَنَّ الْقَمَرَ سَيَخْسِفُ سَاعَةَ كَذَا عِلْمًا أَزَلِيًّا ، فَإِذَا خَسَفَ بِالْفِعْلِ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَزُولَ ذَلِكَ الْعِلْمُ فَيَلْزَمُ تَغَيُّرُ الْعِلْمِ السَّابِقِ فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَغَيُّرُ الذَّاتِ الْمَوْصُوفَةِ بِهِ مِنْ صِفَةٍ إِلَى صِفَةٍ ، وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ الْحُدُوثَ إِذْ حُدُوثُ الصِّفَةِ يَسْتَلْزِمُ حُدُوثَ الْمَوْصُوفِ ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَزُولَ الْعِلْمُ الْأَوَّلُ فَيَنْقَلِبُ الْعِلْمُ جَهْلًا ، لِأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا عَلِمَ أَنَّ الْقَمَرَ سَيَخْسِفُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالْقَمَرُ الْآنَ قَدْ خَسَفَ بِالْفِعْلِ . وَلِأَجْلِ هَذَا قَالُوا : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28781_28721عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ زَمَانِيٍّ . وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ : إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ الْكُلِّيَّاتِ وَالْجُزْئِيَّاتِ قَبْلَ حُصُولِهَا ، وَعِنْدَ حُصُولِهَا . وَأَجَابُوا عَنْ شُبْهَةِ الْفَلَاسِفَةِ بِأَنَّ الْعِلْمَ صِفَةٌ مِنْ
[ ص: 102 ] قَبِيلِ الْإِضَافَةِ أَيْ نِسْبَةٍ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْمَعْلُومِ ، وَالْإِضَافَاتُ اعْتِبَارِيَّاتُ ، وَالِاعْتِبَارِيَّاتُ عَدَمِيَّاتٌ ، أَوْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الصِّفَةِ ذَاتِ الْإِضَافَةِ : أَيْ صِفَةٍ وُجُودِيَّةٍ لَهَا تَعَلُّقٌ ، أَيْ نِسْبَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَعْلُومِهَا . فَإِنْ كَانَ الْعِلْمُ إِضَافَةً فَتَغَيُّرُهَا لَا يَسْتَلْزِمُ تَغَيُّرَ مَوْصُوفِهَا وَهُوَ الْعَالِمُ ، وَنَظَّرُوا ذَلِكَ بِالْقَدِيمِ يُوصَفُ بِأَنَّهُ قَبْلَ الْحَادِثِ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ ، مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ فِي ذَاتِ الْقَدِيمِ ، وَإِنْ كَانَ الْعِلْمُ صِفَةً ذَاتَ إِضَافَةٍ أَيْ ذَاتَ تَعَلُّقٍ ، فَالتَّغَيُّرُ يَعْتَرِي تَعَلُّقَهَا وَلَا تَتَغَيَّرُ الصِّفَةُ فَضْلًا عَنْ تَغَيُّرِ الْمَوْصُوفِ ، فَعِلْمُ اللَّهِ بِأَنَّ الْقَمَرَ سَيَخْسَفُ ، وَعِلْمُهُ بِأَنَّهُ خَاسِفٌ الْآنَ ، وَعِلْمُهُ بِأَنَّهُ كَانَ خَاسِفًا بِالْأَمْسِ ، عِلْمٌ وَاحِدٌ لَا يَتَغَيَّرُ مَوْصُوفُهُ ، وَإِنْ تَغَيَّرَتِ الصِّفَةُ ، أَوْ تَغَيَّرَ مُتَعَلِّقُهَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ ، إِلَّا أَنَّ سَلَفَ أَهْلِ السُّنَّةِ
وَالْمُعْتَزِلَةَ أَبَوُا التَّصْرِيحَ بَتَغَيُّرِ التَّعَلُّقِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَقَعْ فِي كَلَامِهِمْ ذِكْرُ تَعَلُّقَيْنِ لِلْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ أَحَدُهُمَا قَدِيمٌ وَالْآخَرُ حَادِثٌ ، كَمَا ذَكَرُوا ذَلِكَ فِي الْإِرَادَةِ وَالْقُدْرَةِ ، نَظَرًا لِكَوْنِ صِفَةِ الْعِلْمِ لَا تَتَجَاوَزُ غَيْرَ ذَاتِ الْعَالِمِ تَجَاوُزًا مَحْسُوسًا . فَلِذَلِكَ قَالَ سَلَفُهُمْ : إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ فِي الْأَزَلِ أَنَّ الْقَمَرَ سَيَخْسَفُ فِي سَنَتِنَا هَذِهِ فِي بَلَدِ كَذَا سَاعَةَ كَذَا ، فَعِنْدَ خُسُوفِ الْقَمَرِ كَذَلِكَ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ خَسَفَ بِذَلِكَ الْعِلْمِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْعِلْمَ مَجْمُوعٌ مِنْ كَوْنِ الْفِعْلِ لَمْ يَحْصُلْ فِي الْأَزَلِ ، وَمَنْ كَوْنِهِ يَحْصُلُ فِي وَقْتِهِ فِيمَا لَا يَزَالُ ، قَالُوا : وَلَا يُقَاسُ ذَلِكَ عَلَى عِلْمِنَا حِينَ نَعْلَمُ أَنَّ الْقَمَرَ سَيَخْسِفُ بِمُقْتَضَى الْحِسَابِ ثُمَّ عِنْدَ خُسُوفِهِ نَعْلَمُ أَنَّهُ تَحَقَّقَ خُسُوفُهُ بِعِلْمٍ جَدِيدٍ ، لِأَنَّ احْتِيَاجَنَا لِعِلْمٍ مُتَجَدِّدٍ إِنَّمَا هُوَ لَطَرَيَانِ الْغَفْلَةِ عَنِ الْأَوَّلِ . وَقَالَ بَعْضُ
الْمُعْتَزِلَةِ مِثْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=15658جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ nindex.php?page=showalam&ids=17238وَهُشَامِ بْنِ الْحَكَمِ : إِنَّ اللَّهَ عَالِمٌ فِي الْأَزَلِ بِالْكُلِّيَّاتِ وَالْحَقَائِقِ ، وَأَمَّا عِلْمُهُ بِالْجُزْئِيَّاتِ وَالْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ فَحَاصِلٌ بَعْدَ حُدُوثِهَا لِأَنَّ هَذَا الْعِلْمَ مِنَ التَّصْدِيقَاتِ ، وَيَلْزَمُهُ عَدَمُ سَبْقِ الْعِلْمِ .
وَقَالَ
أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ مِنَ
الْمُعْتَزِلَةِ ، رَادًّا عَلَى السَّلَفِ : لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِلْمُ اللَّهِ بِأَنَّ الْقَمَرَ سَيَخْسَفُ عَيْنُ عِلْمِهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ خَسَفَ لِأُمُورٍ ثَلَاثَةٍ : الْأَوَّلُ التَّغَايُرُ بَيْنَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ كَوْنِهِ سَيَقَعُ غَيْرُ حَقِيقَةِ كَوْنِهِ وَقَعَ ، فَالْعِلْمُ بِأَحَدِهِمَا يُغَايِرُ الْعِلْمَ بِالْآخَرِ ، لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْمُتَعَلِّقَيْنِ يَسْتَدْعِي اخْتِلَافَ
[ ص: 103 ] الْعَالِمِ بِهِمَا . الثَّانِي التَّغَايُرُ بَيْنَهُمَا فِي الشَّرْطِ فَإِنَّ شَرْطَ الْعِلْمِ بِكَوْنِ الشَّيْءِ سَيَقَعُ هُوَ عَدَمُ الْوُقُوعِ ، وَشَرْطُ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ وَقَعَ الْوُقُوعُ ، فَلَوْ كَانَ الْعِلْمَانِ شَيْئًا وَاحِدًا لَمْ يَخْتَلِفْ شَرْطَاهُمَا . الثَّالِثُ أَنَّهُ يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِأَنَّهُ وَقَعَ الْجَهْلُ بِأَنَّهُ سَيَقَعُ وَبِالْعَكْسِ وَغَيْرُ الْمَعْلُومِ غَيْرُ الْمَعْلُومِ ( هَكَذَا عَبَّرَ
أَبُو الْحُسَيْنِ أَيِ الْأَمْرُ الْغَيْرُ الْمَعْلُومِ مُغَايِرٌ لِلْمَعْلُومِ ) وَلِذَلِكَ قَالَ
أَبُو الْحُسَيْنِ بِالْتِزَامِ وُقُوعِ التَّغَيُّرِ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمُتَغَيِّرَاتِ ، وَأَنَّ ذَاتَهُ تَقْتَضِي اتِّصَافَهُ بِكَوْنِهِ عَالِمًا بِالْمَعْلُومَاتِ الَّتِي سَتَقَعُ ، بِشَرْطِ وُقُوعِهَا ، فَيَحْدُثُ الْعِلْمُ بِأَنَّهَا وُجِدَتْ عِنْدَ وُجُودِهَا ، وَيَزُولُ عِنْدَ زَوَالِهَا ، وَيَحْصُلُ عِلْمٌ آخَرُ ، وَهَذَا عَيْنُ مَذْهَبِ
جَهْمٍ وَهِشَامٍ . وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ عَالِمًا بِأَحْوَالِ الْحَوَادِثِ ، وَهَذَا تَجْهِيلٌ . وَأَجَابَ عَنْهُ
عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَاشِيَةِ الْمَوَاقِفِ بِأَنَّ
أَبَا الْحُسَيْنِ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ فِي الْأَزَلِ أَنَّ الْحَادِثَ سَيَقَعُ عَلَى الْوَصْفِ الْفُلَانِيِّ ، فَلَا جَهْلَ فِيهِ ، وَأَنَّ عَدَمَ شُهُودِهِ لِلْحَوَادِثِ قَبْلَ حُدُوثِهَا لَيْسَ بِجَهْلٍ ، إِذْ هِيَ مَعْدُومَةٌ فِي الْوَاقِعِ ، بَلْ لَوْ عَلِمَهَا تَعَالَى شُهُودِيًّا حِينَ عَدِمَهَا لَكَانَ ذَلِكَ الْعِلْمُ هُوَ الْجَهْلُ ، لِأَنَّ شُهُودَ الْمَعْدُومِ مُخَالِفٌ لِلْوَاقِعِ ، فَالْعِلْمُ الْمُتَغَيِّرُ الْحَادِثِ هُوَ الْعِلْمُ الشُّهُودِيُّ .
فَالْحَاصِلُ أَنَّ ثَمَّةَ عِلْمَيْنِ : أَحَدُهُمَا قَدِيمٌ وَهُوَ الْعِلْمُ الْمَشْرُوطُ بِالشُّرُوطِ ، وَالْآخَرُ حَادِثٌ وَهُوَ الْعُلُومُ الْحَاصِلَةُ عِنْدَ حُصُولِ الشُّرُوطِ وَلَيْسَتْ مِنْ عُلَمَائِنَا وَعُلَمَاءِ
الْمُعْتَزِلَةِ ، إِطْلَاقُ إِثْبَاتِ تَعَلُّقِ حَادِثٍ لِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْحَوَادِثِ . وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ
الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي الرِّسَالَةِ الْخَاقَانِيَّةِ الَّتِي جَعَلَهَا لِتَحْقِيقِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَ مَنْسُوبٍ لِقَائِلٍ ، بَلْ عَبَّرَ عَنْهُ بِقِيلَ ، وَقَدْ رَأَيْتُ
التَّفْتَزَانِيَّ جَرَى عَلَى ذَلِكَ فِي حَاشِيَةِ الْكَشَّافِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَلَعَلَّ الشَّيْخَ الْحَكِيمَ نَسِيَ أَنْ يَنْسُبَهُ .
وَتَأْوِيلُ الْآيَةِ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ : فَأَمَّا الَّذِينَ أَبَوْا إِطْلَاقَ الْحُدُوثِ عَلَى تَعَلُّقِ الْعِلْمِ فَقَالُوا فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=140وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا أَطْلَقَ الْعِلْمَ عَلَى لَازِمِهِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْمَعْلُومِ أَيْ تَمَيُّزُهُ عَلَى طَرِيقَةِ الْكِنَايَةِ لِأَنَّهَا كَإِثْبَاتِ الشَّيْءِ بِالْبُرْهَانِ ،
[ ص: 104 ] وَهَذَا كَقَوْلِ
إِيَاسِ بْنِ قَبِيصَةَ الطَّائِيِّ :
وَأَقْبَلْتُ وَالْخَطِّيُّ يَخْطِرُ بَيْنَنَا لِأَعْلَمَ مَنْ جَبَانُهَا مِنْ شُجَاعِهَا
أَيْ لِيَظْهَرَ الْجَبَانُ وَالشُّجَاعُ فَأُطْلِقَ الْعَلَمُ وَأُرِيدَ مَلْزُومُهُ .
وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=140وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ تَمْثِيلًا أَيْ فِعْلُ ذَلِكَ فِعْلُ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَعْلَمَ وَإِلَيْهِ مَالَ فِي الْكَشَّافِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : الْعِلَّةُ هِيَ تَعَلُّقُ عِلْمِ اللَّهِ بِالْحَادِثِ وَهُوَ تَعَلُّقٌ حَادِثٌ ، أَيْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مَوْجُودِينَ . قَالَهُ
الْبَيْضَاوِيُّ وَالتَّفْتَزَانِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْكَشَّافِ . وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ الَّذِينَ آمَنُوا ظَاهِرُهُ أَيْ لِيَعْلَمَ مَنِ اتَّصَفَ بِالْإِيمَانِ ، تَعَيَّنَ التَّأْوِيلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَا لِأَجْلِ لُزُومِ حُدُوثِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى ، بَلْ لِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ أُحُدٍ حَاصِلٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَمَسَّهُمُ الْقَرْحِ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ : أَرَادَ الْعِلْمَ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَهُوَ ثَبَاتُهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ ، وَعَدَمُ تَزَلْزُلِهِمْ فِي حَالَةِ الشِّدَّةِ ، وَأَشَارَ
التَّفْتَزَانِيُّ إِلَى أَنَّ تَأْوِيلَ صَاحِبِ الْكَشَّافِ ذَلِكَ بِأَنَّهُ وَارِدٌ مَوْرِدَ التَّمْثِيلِ ، نَاظِرًا إِلَى كَوْنِ الْعِلْمِ بِالْمُؤْمِنِينَ حَاصِلًا مِنْ قَبْلُ ، لَا لِأَجْلِ التَّحَرُّزِ عَنْ لُزُومِ حُدُوثِ الْعِلْمِ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=140وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ عَطْفٌ عَلَى الْعِلَّةِ السَّابِقَةِ ، وَجَعَلَ الْقَتْلَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ اتِّخَاذِ الْقَتْلَى شُهَدَاءَ عِلَّةً مِنْ عِلَلِ الْهَزِيمَةِ ، لِأَنَّ كَثْرَةَ الْقَتْلَى هِيَ الَّتِي أَوْقَعَتِ الْهَزِيمَةَ .
وَالشُّهَدَاءُ هُمُ الَّذِينَ قُتِلُوا يَوْمَ
أُحُدٍ ، وَعَبَّرَ عَنْ تَقْدِيرِ الشَّهَادَةِ بِالِاتِّخَاذِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ فَضِيلَةٌ مِنَ اللَّهِ ، وَاقْتِرَابٌ مِنْ رِضْوَانِهِ ، وَلِذَلِكَ قُوبِلَ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=140وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ أَيِ الْكَافِرِينَ فَهُوَ فِي جَانِبِ الْكُفَّارِ ، أَيْ فَقَتْلَاكُمْ فِي الْجَنَّةِ ، وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=52قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ .
وَالتَّمْحِيصُ : التَّنْقِيَةُ وَالتَّخَلُّصُ مِنَ الْعُيُوبِ . وَالْمَحْقُ : الْإِهْلَاكُ . وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى مَسَّ الْقَرْحِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّارَ فَاعِلًا فِعْلًا وَاحِدًا : هُوَ فَضِيلَةٌ فِي جَانِبِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَرَزِيَّةٌ فِي جَانِبِ الْكَافِرِينَ ، فَجَعَلَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ تَمْحِيصًا وَزِيَادَةً فِي
[ ص: 105 ] تَزْكِيَةِ أَنْفُسِهِمْ ، وَاعْتِبَارًا بِمَوَاعِظِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَجَعَلَهُ لِلْكَافِرِينَ هَلَاكًا ، لِأَنَّ مَا أَصَابَهُمْ فِي بَدْرٍ تَنَاسَوْهُ ، وَمَا انْتَصَرُوهُ فِي أُحُدٍ يَزِيدُهُمْ ثِقَةً بِأَنْفُسِهِمْ فَيَتَوَاكَلُونَ; يَظُنُّونَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ ذَهَبَ بَأْسُهُمْ ، عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ فِي ازْدِيَادٍ ، فَلَا يُنْقِصُهُمْ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ ، وَالْكُفَّارُ فِي تَنَاقُصٍ فَمَنْ ذَهَبَ مِنْهُمْ نَفِدَ . وَكَذَلِكَ شَأْنُ الْمَوَاعِظِ وَالنُّذُرِ وَالْعِبَرِ قَدْ تُكْسِبُ بَعْضَ النُّفُوسِ كَمَالًا وَبَعْضَهَا نَقْصًا قَالَ
أَبُو الطَّيِّبِ :
فَحُبُّ الْجَبَانِ الْعَيْشَ أَوْرَدَهُ التُّقَى وَحُبُّ الشُّجَاعِ الْعَيْشَ أَوْرَدَهُ الْحَرْبَا
وَيَخْتَلِفُ الْقَصْدَانِ وَالْفِعْلُ وَاحِدٌ إِلَى أَنْ نَرَى إِحْسَانَ هَذَا لَنَا ذَنْبًا
وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=124وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=125وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=82وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا وَهَذَا مِنْ بَدِيعِ تَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى .