nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29071_28904_33062والعاديات ضبحا nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=2فالموريات قدحا nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=3فالمغيرات صبحا nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=4فأثرن به نقعا nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=5فوسطن به جمعا nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=6إن الإنسان لربه لكنود nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=7وإنه على ذلك لشهيد nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=8وإنه لحب الخير لشديد .
أقسم الله بـ ( العاديات ) جمع العادية ، وهو اسم فاعل من العدو ، وهو السير السريع يطلق على سير الخيل والإبل خاصة .
وقد يوصف به سير الإنسان وأحسب أنه على التشبيه بالخيل ومنه عداءو العرب وهم أربعة :
السليك بن السلكة ، والشنفرى ،
وتأبط شرا nindex.php?page=showalam&ids=243وعمرو بن أمية الضمري . يضرب بهم المثل في العدو .
وتأنيث هذا الوصف هنا لأنه من صفات ما لا يعقل .
والضبح : اضطراب النفس المتردد في الحنجرة دون أن يخرج من الفم ، وهو من أصوات الخيل والسباع . وعن
عطاء : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس يصف الضبح أح أح .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ليس شيء من الدواب يضبح غير الفرس والكلب والثعلب ، وهذا قول أهل اللغة واقتصر عليه في القاموس . روى
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير بسنده إلى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : بينما أنا جالس في الحجر جاءني رجل فسألني عن
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=1العاديات ضبحا فقلت له : الخيل حين تغير في سبيل الله ، ثم تأوي إلى الليل فيصنعون طعامهم ويورون نارهم ، فانفتل عني فذهب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب وهو تحت
[ ص: 499 ] سقاية
زمزم فسأله عنها ، فقال : سألت عنها أحدا قبلي ؟ قال : نعم ، سألت
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فقال : الخيل تغزو في سبيل الله ، قال : اذهب فادعه لي ، فلما وقفت عند رأسه ، قال : تفتي الناس بما لا علم لك به ، والله لكانت أول غزوة في الإسلام
لبدر ، وما كان معنا إلا فرسان : فرس
للزبير ، وفرس
للمقداد ، فكيف تكون العاديات ضبحا ، إنما العاديات ضبحا الإبل من
عرفة إلى
المزدلفة ، ومن
المزدلفة إلى
منى . يعني : بذلك أن السورة مكية قبل ابتداء الغزو الذي أوله غزوة
بدر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : فنزعت عن قولي ورجعت إلى الذي قال
علي .
وليس في قول
علي - رضي الله عنه - تصريح بأنها مكية ولا مدنية وبمثل ما قال
علي قال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود وإبراهيم ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16531وعبيد بن عمير .
والضبح لا يطلق على صوت الإبل في قول أهل اللغة . فإذا حمل ( العاديات ) على أنها الإبل ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد وبعض أهل اللغة : من جعلها للإبل جعل ( ضبحا ) بمعنى ضبعا ، يقال : ضبحت الناقة في سيرها وضبعت ، إذا مدت ضبعيها في السير . وقال
أبو عبيدة : ضبحت الخيل وضبعت ، إذا عدت ، وهو أن يمد الفرس ضبعيه إذا عدا ، أي : فالضبح لغة في الضبع ، وهو من قلب العين حاء . قال في الكشاف " وليس بثبت " . ولكن صاحب القاموس اعتمده وعلى تفسير ( العاديات ) بأنها الإبل يكون الضبح استعير لصوت الإبل ، أي : من شدة العدو قويت الأصوات المترددة في حناجرها حتى أشبهت ضبح الخيل ، أو أريد بالضبح الضبع على لغة الإبدال .
وانتصب ( ضبحا ) فيجوز أن يجعل حالا من ( العاديات ) إذا أريد به الصوت الذي يتردد في جوفها حين العدو ، أو يجعل مبينا لنوع العدو إذا كان أصله : ضبحا .
وعلى وجه أن المقسم به رواحل الحج ، فالقسم بها لتعظيمها بما تعين به على مناسك الحج ، واختير القسم بها ; لأن السامعين يوقنون أن ما يقسم عليه بها محقق ، فهي معظمة عند الجميع من المشركين والمسلمين .
والموريات : التي توري ، أي : توقد .
[ ص: 500 ] والقدح : حك جسم على آخر ليقدح نارا ، يقال : قدح فأورى . وانتصب ( قدحا ) على أنه مفعول مطلق مؤكد لعامله . وكل من سنابك الخيل ومناسم الإبل تقدح إذا صكت الحجر الصوان نارا تسمى نار الحباحب ، قال
الشنفرى يشبه نفسه في العدو ببعير :
إذا الأمعز الصوان لاقى مناسمي تطاير منه قادح ومفلل
وذلك كناية عن الإمعان في العدو وشدة السرعة في السير .
ويجوز أن يراد قدح النيران بالليل حين نزولهم لحاجتهم وطعامهم ، وجوز أن يكون
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=2الموريات قدحا مستعارا لإثارة الحرب ; لأن الحرب تشبه بالنار . قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ، فيكون ( قدحا ) ترشيحا لاستعارة ( الموريات ) ومنصوبا على المفعول المطلق لـ ( الموريات ) وجوز أن يكون ( قدحا ) بمعنى استخراج المرق من القدر في القداح لإطعام الجيش أو الركب ، وهو مشتق من اسم القدح ، وهو الصحفة فيكون ( قدحا ) مصدرا منصوبا على المفعول لأجله .
والمغيرات : اسم فاعل من : أغار ، والإغارة تطلق على غزو الجيش دارا ، وهو أشهر إطلاقها فإسناد الإغارة إلى ضمير ( العاديات ) مجاز عقلي ، فإن المغيرين راكبوها ، ولكن الخيل أو إبل الغزو أسباب للإغارة ووسائل .
وتطلق الإغارة على الاندفاع في السير .
و ( صبحا ) ظرف زمان ، فإذا فسر ( المغيرات ) بخيل الغزاة فتقييد ذلك بوقت الصبح ; لأنهم كانوا إذا غزوا لا يغيرون على القوم إلا بعد الفجر ، ولذلك كان منذر الحي إذا أنذر قومه بمجيء العدو نادى : يا صباحاه ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=177فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين .
وإذا فسر ( المغيرات ) بالإبل المسرعات في السير ، فالمراد : دفعها من
مزدلفة إلى
منى صباح يوم النحر وكانوا يدفعون بكرة عندما تشرق الشمس على ثبير ، ومن أقوالهم في ذلك ( أشرق ثبير كيما نغير ) .
[ ص: 501 ] و
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=4أثرن به نقعا : أصعدن الغبار من الأرض من شدة عدوهن ، والإثارة : الإهاجة ، والنقع : الغبار .
والباء في ( به ) يجوز أن تكون سببية ، والضمير المجرور عائد إلى العدو المأخوذ من ( العاديات ) . ويجوز كون الباء ظرفية والضمير عائدا إلى ( صبحا ) ، أي : أثرن في ذلك الوقت وهو وقت إغارتها .
ومعنى ( وسطن ) : كن وسط الجمع ، يقال : وسط القوم ، إذا كان بينهم .
و ( جمعا ) مفعول ( وسطن ) وهو اسم لجماعة الناس ، أي : صرن في وسط القوم المغزوين . فأما بالنسبة إلى الإبل فيتعين أن يكون قوله : ( جمعا ) وهو المزدلفة فيكون إشارة إلى حلول الإبل في مزدلفة قبل أن تغير صبحا منها إلى عرفة ، إذ ليس ثمة جماعة مستقرة في مكان تصل إليه هذه الرواحل .
nindex.php?page=treesubj&link=20764_28741ومن بديع النظم وإعجازه إيثار كلمات ( العاديات وضبحا والموريات وقدحا ، والمغيرات وصبحا ، ووسطن وجمعا ) دون غيرها ; لأنها برشاقتها تتحمل أن يكون المقسم به خيل الغزو ورواحل الحج .
وعطف هذه الأوصاف الثلاثة الأولى بالفاء ; لأن أسلوب العرب في عطف الصفات وعطف الأمكنة أن يكون بالفاء وهي للتعقيب ، والأكثر أن تكون لتعقيب الحصول كما في هذه الآية ، وكما في قول
ابن زيابة :
يا لهف زيابة للحارث الص ابح فالغانم فالآيب
وقد يكون لمجرد تعقيب الذكر كما في سورة الصافات .
والفاء العاطفة لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=4فأثرن به نقعا عاطفة على وصف ( المغيرات ) . والمعطوف بها من آثار وصف المغيرات . وليست عاطفة على صفة مستقلة مثل
[ ص: 502 ] الصفات الثلاث التي قبلها ; لأن إثارة النقع وتوسط الجمع من آثار الإغارة صبحا ، وليسا مقسما بهما أصالة ، وإنما القسم بالأوصاف الثلاثة الأولى .
فلذلك غير الأسلوب في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=4فأثرن به نقعا فوسطن به جمعا ، فجيء بهما فعلين ماضيين ولم يأتيا على نسق الأوصاف قبلهما بصيغة اسم الفاعل ; للإشارة إلى أن الكلام انتقل من القسم إلى الحكاية عن حصول ما ترتب على تلك الأوصاف الثلاثة ما قصد منها بالظفر المطلوب الذي لأجله كان العدو والإيراء والإغارة عقبه ، وهي الحلول بدار القوم الذين غزوهم إذا كان المراد بـ ( العاديات ) الخيل ، أو بلوغ تمام الحج بالدفع عن
عرفة إذا كان المراد بـ ( العاديات ) رواحل الحجيج ، فإن إثارة النقع يشعرون بها عند الوصول حين تقف الخيل والإبل دفعة ، فتثير أرجلها نقعا شديدا فيما بينهما ، وحينئذ تتوسطن الجمع من الناس . وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون المراد بقوله : ( جمعا ) اسم
المزدلفة ؛ حيث المشعر الحرام .
ومناسبة القسم بهذه الموصوفات دون غيرها إن أريد رواحل الحجيج ، وهو الوجه الذي فسر به
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ، وهو أن يصدق المشركون بوقوع المقسم عليه ; لأن القسم بشعائر الحج لا يكون إلا بارا حيث هم لا يصدقون بأن القرآن كلام الله ويزعمونه قول النبيء - صلى الله عليه وسلم .
وإن أريد بـ ( العاديات ) وما عطف عليها خيل الغزاة ، فالقسم بها لأجل التهويل والترويع لإشعار المشركين بأن غارة تترقبهم ، وهي غزوة
بدر ، مع تسكين نفس النبيء - صلى الله عليه وسلم - من التردد في مصير السرية التي بعث بها مع
المنذر بن عمرو إذا صح خبرها فيكون القسم بخصوص هذه الخيل إدماجا للاطمئنان .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=6إن الإنسان لربه لكنود جواب القسم .
والكنود : وصف من أمثلة المبالغة من كند ، ولغات العرب مختلفة في معناه ، فهو في لغة
مضر وربيعة : الكفور بالنعمة ، وبلغة كنانة : البخيل ، وفي لغة
كندة وحضرموت : العاصي ، والمعنى : الشديد الكفران لله .
والتعريف في الإنسان تعريف الجنس وهو يفيد الاستغراق غالبا ، أي أن
[ ص: 503 ] في طبع الإنسان الكنود لربه ، أي : كفران نعمته ، وهذا عارض يعرض لكل إنسان على تفاوت فيه ولا يسلم منه إلا الأنبياء ، وكمل أهل الصلاح ؛ لأنه عارض ينشأ عن إيثار المرء نفسه ، وهو أمر في الجبلة لا تدفعه إلا المراقبة النفسية وتذكر حق غيره . وبذلك قد يذهل أو ينسى حق الله ، والإنسان يحس بذلك من نفسه في خطراته ، ويتوانى أو يغفل عن مقاومته ؛ لأنه يشتغل بإرضاء داعية نفسه ، والأنفس متفاوتة في تمكن هذا الخلق منها ، والعزائم متفاوتة في استطاعة مغالبته .
وهذا ما أشار إليه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=7وإنه على ذلك لشهيد nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=8وإنه لحب الخير لشديد فلذلك كان الاستغراق عرفيا أو عاما مخصوصا ، فالإنسان لا يخلو من أحوال مآلها إلى كفران النعمة ، بالقول والقصد ، أو بالفعل والغفلة ، فالإشراك كنود ، والعصيان كنود ، وقلة ملاحظة صرف النعمة فيما أعطيت لأجله كنود ، وهو متفاوت ، فهذا خلق متأصل في الإنسان ، فلذلك أيقظ الله له الناس ليريضوا أنفسهم على أمانة هذا الخلق من نفوسهم كما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=19إن الإنسان خلق هلوعا الآية . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=37خلق الإنسان من عجل وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=6إن الإنسان ليطغى nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=7أن رآه استغنى وقد تقدمت قريبا .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس تخصيص الإنسان هنا بالكافر فهو من العموم العرفي .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة الباهلي بسند ضعيف ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002899الكنود هو الذي يأكل وحده ، ويمنع رفده ، ويضرب عبده وهو تفسير لأدنى معاني الكنود فإن أكله وحده ، أي : عدم إطعامه أحدا معه ، أو عدم إطعامه المحاويج إغضاء عن بعض مراتب شكر النعمة ، وكذلك منعه الرفد ، ومثله : ضربه عبده ، فإن فيه نسيانا لشكر الله الذي جعل العبد ملكا له ولم يجعله ملكا للعبد ، فيدل على أن ما هو أشد من ذلك أولى بوصف الكنود .
وقيل : التعريف في ( الإنسان ) للعهد ، وأن المراد به
الوليد بن المغيرة ، وقيل :
قرطة بن عبد عمرو بن نوفل القرشي .
واللام في ( لربه ) لام التقوية ; لأن كنود وصف ليس أصيلا في العمل ، وإنما يتعلق بالمعمولات لمشابهته الفعل في الاشتقاق ، فيكثر أن يقترن مفعوله بلام التقوية ، ومع تأخيره عن معموله .
[ ص: 504 ] وتقديم ( لربه ) لإفادة الاهتمام بمتعلق هذا الكنود لتشنيع هذا الكنود بأنه للرب الذي هو أحق الموجودات بالشكر ، وأعظم ذلك شرك المشركين ، ولذلك أكد الكلام بلام الابتداء الداخلة على خبر ( إن ) للتعجيب من هذا الخبر .
وتقديم ( لربه ) على عامله المقترن بلام الابتداء ، وهي من ذوات الصدر ; لأنهم يتوسعون في المجرورات والظروف ،
وابن هشام يرى أن لام الابتداء الواقعة في خبر ( إن ) ليست بذات صدارة .
وضمير
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=7وإنه على ذلك لشهيد عائد إلى الإنسان على حسب الظاهر الذي يقتضيه انتساق الضمائر واتحاد المتحدث عنه وهو قول الجمهور .
والشهيد : يطلق على الشاهد ، وهو الخبر بما يصدق دعوى مدع ، ويطلق على الحاضر ، ومنه جاء إطلاقه على العالم الذي لا يفوته المعلوم ، ويطلق على المقر لأنه شهد على نفسه .
والشهيد هنا : إما بمعنى المقر كما في ( أشهد أن لا إله إلا الله ) .
والمعنى : أن الإنسان مقر بكنوده لربه من حيث لا يقصد الإقرار ، وذلك في فلتات الأقوال ، مثل قول المشركين في أصنامهم
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى . وهذا قول يلزمه اعترافهم بأنهم عبدوا ما لا يستحق أن يعبد ، وأشركوا في العبادة مع المستحق للانفراد بها ، أليس هذا كنودا لربهم ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=130وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين وفي فلتات الأفعال كما يعرض للمسلم في المعاصي .
والمقصود في هذه الجملة تفظيع
nindex.php?page=treesubj&link=32406كنود الإنسان بأنه معلوم لصاحبه بأدنى تأمل في أقواله وأفعاله . وعلى هذا فحرف ( على ) متعلق بـ ( شهيد ) واسم الإشارة مشار به إلى الكنود المأخوذ من صفة ( كنود ) .
ويجوز أن يكون ( شهيد ) بمعنى ( عليم ) ، كقول
الحارث بن حلزة في
عمرو بن هند :
وهو الرب والشهيد على يو م الخيارين والبلاء بلاء
[ ص: 505 ] ومتعلق ( شهيد ) محذوف دل عليه المقام ، أي : عليم بأن الله ربه ، أي : بدلائل الربوبية ، ويكون قوله : على ذلك بمعنى : مع ذلك ، أي : مع ذلك الكنود هو عليم بأنه ربه مستحق للشكر والطاعة لا للكنود ، فحرف ( على ) بمعنى ( مع ) كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177وآتى المال على حبه nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=8ويطعمون الطعام على حبه وقول
الحارث بن حلزة :
فبقينا على الشناءة تنمي نا حصون وعزة قعساء
والجار والمجرور في موضع الحال وذلك زيادة في التعجب من كنود الإنسان .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس والحسن وسفيان : ضمير ( وإنه ) عائد إلى ربه ، أي : وإن الله على ذلك لشهيد ، والمقصود أن الله يعلم ذلك في نفس الإنسان ، وهذا تعريض بالتحذير من الحساب عليه . وهذا يسوغه أن الضمير عائد إلى أقرب مذكور ، ونقل عن
مجاهد وقتادة كلا الوجهين ، فلعلهما رأيا جواز المحملين وهو أولى .
وتقديم على ذلك على ( شهيد ) للاهتمام والتعجب ومراعاة الفاصلة .
والشديد : البخيل . قال
أبو ذؤيب راثيا :
حذرناه بأثواب في قعر هوة شديد على ما ضم في اللحد جولها
والجول - بالفتح والضم : التراب ، كما يقال للبخيل المتشدد أيضا ، قال
طرفة :
عقيلة مال الفاحش المتشدد
واللام في
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=8لحب الخير لام التعليل ، والخير : المال ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180إن ترك خيرا .
والمعنى :
nindex.php?page=treesubj&link=32407إن في خلق الإنسان الشح لأجل حبه المال ، أي : الازدياد منه ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=9ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون .
وتقديم
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=8لحب الخير على متعلقه للاهتمام بغرابة هذا المتعلق ولمراعاة الفاصلة ، وتقديمه على عامله المقترن بلام الابتداء وهي من ذوات الصدر لأنه مجرور كما علمت في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=6لربه لكنود .
وحب المال يبعث على منع المعروف ، وكان العرب يعيرون بالبخل وهم مع
[ ص: 506 ] ذلك يبخلون في الجاهلية بمواساة الفقراء والضعفاء ، ويأكلون أموال اليتامى ، ولكنهم يسرفون في الإنفاق في مظان السمعة ومجالس الشرب وفي الميسر . قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=18ولا تحضون على طعام المسكين nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=19وتأكلون التراث أكلا لما nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=20وتحبون المال حبا جما ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29071_28904_33062وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=2فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=3فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=4فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=5فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=6إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=7وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=8وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ .
أَقْسَمَ اللَّهُ بِـ ( الْعَادِيَاتِ ) جَمْعِ الْعَادِيَةِ ، وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الْعَدْوِ ، وَهُوَ السَّيْرُ السَّرِيعُ يُطْلَقُ عَلَى سَيْرِ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ خَاصَّةً .
وَقَدْ يُوصَفُ بِهِ سَيْرُ الْإِنْسَانِ وَأَحْسَبُ أَنَّهُ عَلَى التَّشْبِيهِ بِالْخَيْلِ وَمِنْهُ عَدَّاءُو الْعَرَبِ وَهُمْ أَرْبَعَةٌ :
السُّلَيْكُ بْنُ السُّلَكَةِ ، وَالشَّنْفَرَى ،
وَتَأَبَّطَ شَرًّا nindex.php?page=showalam&ids=243وَعَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ . يُضْرَبُ بِهِمُ الْمَثَلُ فِي الْعَدْوِ .
وَتَأْنِيثُ هَذَا الْوَصْفِ هُنَا لِأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ مَا لَا يَعْقِلُ .
وَالضَّبْحُ : اضْطِرَابُ النَّفَسِ الْمُتَرَدِّدِ فِي الْحَنْجَرَةِ دُونَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْفَمِ ، وَهُوَ مِنْ أَصْوَاتِ الْخَيْلِ وَالسِّبَاعِ . وَعَنْ
عَطَاءٍ : سَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ يَصِفُ الضَّبْحَ أَحْ أَحْ .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الدَّوَابِّ يَضْبَحُ غَيْرَ الْفَرَسِ وَالْكَلْبِ وَالثَّعْلَبِ ، وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَاقْتُصِرَ عَلَيْهِ فِي الْقَامُوسِ . رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ بِسَنَدِهِ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : بَيْنَمَا أَنَا جَالَسٌ فِي الْحِجْرِ جَاءَنِي رَجُلٌ فَسَأَلَنِي عَنِ
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=1الْعَادِيَاتِ ضَبْحًا فَقُلْتُ لَهُ : الْخَيْلُ حِينَ تُغِيرُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى اللَّيْلِ فَيَصْنَعُونَ طَعَامَهُمْ وَيُورُونَ نَارَهُمْ ، فَانْفَتَلَ عَنِّي فَذَهَبَ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ تَحْتَ
[ ص: 499 ] سِقَايَةِ
زَمْزَمَ فَسَأَلَهُ عَنْهَا ، فَقَالَ : سَأَلْتَ عَنْهَا أَحَدًا قَبْلِي ؟ قَالَ : نَعَمْ ، سَأَلْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ : الْخَيْلُ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، قَالَ : اذْهَبْ فَادْعُهُ لِي ، فَلَمَّا وَقَفْتُ عِنْدَ رَأْسِهِ ، قَالَ : تُفْتِي النَّاسَ بِمَا لَا عِلْمَ لَكَ بِهِ ، وَاللَّهِ لَكَانَتْ أَوَّلَ غَزْوَةٍ فِي الْإِسْلَامِ
لَبَدْرٌ ، وَمَا كَانَ مَعَنَا إِلَّا فَرَسَانِ : فَرَسٌ
لِلزُّبَيْرِ ، وَفَرَسٌ
لِلْمِقْدَادِ ، فَكَيْفَ تَكُونُ الْعَادِيَاتِ ضَبْحًا ، إِنَّمَا الْعَادِيَاتُ ضَبْحًا الْإِبِلُ مِنْ
عَرَفَةَ إِلَى
الْمُزْدَلِفَةِ ، وَمِنَ
الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى
مِنًى . يَعْنِي : بِذَلِكَ أَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ قَبْلَ ابْتِدَاءِ الْغَزْوِ الَّذِي أَوَّلُهُ غَزْوَةُ
بَدْرٍ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : فَنَزَعْتُ عَنْ قَوْلِي وَرَجَعْتُ إِلَى الَّذِي قَالَ
عَلِيٌّ .
وَلَيْسَ فِي قَوْلِ
عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَصْرِيحٌ بِأَنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَلَا مَدَنِيَّةٌ وَبِمِثْلِ مَا قَالَ
عَلِيٌّ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ وَإِبْرَاهِيمُ وَمُجَاهِدٌ nindex.php?page=showalam&ids=16531وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ .
وَالضَّبْحُ لَا يُطْلَقُ عَلَى صَوْتِ الْإِبِلِ فِي قَوْلِ أَهْلِ اللُّغَةِ . فَإِذَا حَمَلَ ( الْعَادِيَاتِ ) عَلَى أَنَّهَا الْإِبِلُ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15153الْمُبَرِّدُ وَبَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ : مَنْ جَعَلَهَا لِلْإِبِلِ جَعَلَ ( ضَبْحًا ) بِمَعْنَى ضَبْعًا ، يُقَالُ : ضَبَحَتِ النَّاقَةُ فِي سَيْرِهَا وَضَبَعَتْ ، إِذَا مَدَّتْ ضَبْعَيْهَا فِي السَّيْرِ . وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : ضَبَحَتِ الْخَيْلُ وَضَبَعَتْ ، إِذَا عَدَتْ ، وَهُوَ أَنْ يَمُدَّ الْفَرَسُ ضَبْعَيْهِ إِذَا عَدَا ، أَيْ : فَالضَّبْحُ لُغَةٌ فِي الضَّبْعِ ، وَهُوَ مِنْ قَلْبِ الْعَيْنِ حَاءً . قَالَ فِي الْكَشَّافِ " وَلَيْسَ بِثَبْتٍ " . وَلَكِنْ صَاحِبُ الْقَامُوسِ اعْتَمَدَهُ وَعَلَى تَفْسِيرِ ( الْعَادِيَاتِ ) بِأَنَّهَا الْإِبِلُ يَكُونُ الضَّبْحُ اسْتُعِيرَ لِصَوْتِ الْإِبِلِ ، أَيْ : مِنْ شِدَّةِ الْعَدْوِ قَوِيَتِ الْأَصْوَاتُ الْمُتَرَدِّدَةُ فِي حَنَاجِرِهَا حَتَّى أَشْبَهَتْ ضَبْحَ الْخَيْلِ ، أَوْ أُرِيدَ بِالضَّبْحِ الضَّبْعُ عَلَى لُغَةِ الْإِبْدَالِ .
وَانْتَصَبَ ( ضَبْحًا ) فَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ حَالًا مِنَ ( الْعَادِيَاتِ ) إِذَا أُرِيدَ بِهِ الصَّوْتُ الَّذِي يَتَرَدَّدُ فِي جَوْفِهَا حِينَ الْعَدْوِ ، أَوْ يُجْعَلُ مُبَيِّنًا لِنَوْعِ الْعَدْوِ إِذَا كَانَ أَصْلُهُ : ضَبْحًا .
وَعَلَى وَجْهِ أَنَّ الْمُقْسَمَ بِهِ رَوَاحِلُ الْحَجِّ ، فَالْقَسَمُ بِهَا لِتَعْظِيمِهَا بِمَا تُعِينُ بِهِ عَلَى مَنَاسِكِ الْحَجِّ ، وَاخْتِيرَ الْقَسَمُ بِهَا ; لِأَنَّ السَّامِعِينَ يُوقِنُونَ أَنَّ مَا يُقْسَمُ عَلَيْهِ بِهَا مُحَقَّقٌ ، فَهِيَ مُعَظَّمَةٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُسْلِمِينَ .
وَالْمُورِيَاتُ : الَّتِي تُورِي ، أَيْ : تُوقِدُ .
[ ص: 500 ] وَالْقَدْحُ : حَكُّ جِسْمٍ عَلَى آخَرَ لِيَقْدَحَ نَارًا ، يُقَالُ : قَدَحَ فَأَوْرَى . وَانْتَصَبَ ( قَدْحًا ) عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مُؤَكِّدٌ لِعَامِلِهِ . وَكُلٌّ مِنْ سَنَابِكِ الْخَيْلِ وَمَنَاسِمِ الْإِبِلِ تَقْدَحُ إِذَا صَكَّتِ الْحَجَرَ الصَّوَّانَ نَارًا تُسَمَّى نَارَ الْحُبَاحِبِ ، قَالَ
الشَّنْفَرَى يُشَبِّهُ نَفْسَهُ فِي الْعَدْوِ بِبَعِيرٍ :
إِذَا الْأَمْعَزُ الصَّوَّانُ لَاقَى مَنَاسِمِي تَطَايَرَ مِنْهُ قَادِحٌ وَمُفَلَّلُ
وَذَلِكَ كِنَايَةً عَنِ الْإِمْعَانِ فِي الْعَدْوِ وَشِدَّةِ السُّرْعَةِ فِي السَّيْرِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ قَدْحُ النِّيرَانِ بِاللَّيْلِ حِينَ نُزُولِهِمْ لِحَاجَتِهِمْ وَطَعَامِهِمْ ، وَجُوِّزَ أَنْ يَكُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=2الْمُورِيَاتِ قَدْحًا مُسْتَعَارًا لِإِثَارَةِ الْحَرْبِ ; لِأَنَّ الْحَرْبَ تُشَبَّهُ بِالنَّارِ . قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ، فَيَكُونَ ( قَدْحًا ) تَرْشِيحًا لِاسْتِعَارَةِ ( الْمُورِيَاتِ ) وَمَنْصُوبًا عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ لـِ ( الْمُورِيَاتِ ) وَجُوِّزَ أَنْ يَكُونَ ( قَدْحًا ) بِمَعْنَى اسْتِخْرَاجِ الْمَرَقِ مِنَ الْقِدْرِ فِي الْقِدَاحِ لِإِطْعَامِ الْجَيْشِ أَوِ الرَّكْبِ ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنِ اسْمِ الْقَدَحِ ، وَهُوَ الصَّحْفَةُ فَيَكُونَ ( قَدْحًا ) مَصْدَرًا مَنْصُوبًا عَلَى الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ .
وَالْمُغِيرَاتِ : اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ : أَغَارَ ، وَالْإِغَارَةُ تُطْلَقُ عَلَى غَزْوِ الْجَيْشِ دَارًا ، وَهُوَ أَشْهَرُ إِطْلَاقِهَا فَإِسْنَادُ الْإِغَارَةِ إِلَى ضَمِيرِ ( الْعَادِيَاتِ ) مَجَازٌ عَقْلِيٌّ ، فَإِنَّ الْمُغِيرِينَ رَاكِبُوهَا ، وَلَكِنَّ الْخَيْلَ أَوْ إِبِلَ الْغَزْوِ أَسْبَابٌ لِلْإِغَارَةِ وَوَسَائِلُ .
وَتُطْلَقُ الْإِغَارَةُ عَلَى الِانْدِفَاعِ فِي السَّيْرِ .
وَ ( صُبْحًا ) ظَرْفُ زَمَانٍ ، فَإِذَا فُسِّرَ ( الْمُغِيرَاتِ ) بِخَيْلِ الْغُزَاةِ فَتَقْيِيدُ ذَلِكَ بِوَقْتِ الصُّبْحِ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا غَزَوْا لَا يُغِيرُونَ عَلَى الْقَوْمِ إِلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ ، وَلِذَلِكَ كَانَ مُنْذِرُ الْحَيِّ إِذَا أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِمَجِيءِ الْعَدُوِّ نَادَى : يَا صَبَاحَاهُ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=177فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ .
وَإِذَا فُسِّرَ ( الْمُغِيرَاتِ ) بِالْإِبِلِ الْمُسْرِعَاتِ فِي السَّيْرِ ، فَالْمُرَادُ : دَفْعُهَا مِنْ
مُزْدَلِفَةَ إِلَى
مِنًى صَبَاحَ يَوْمِ النَّحْرِ وَكَانُوا يَدْفَعُونَ بُكْرَةً عِنْدَمَا تُشْرِقُ الشَّمْسُ عَلَى ثَبِيرٍ ، وَمِنْ أَقْوَالِهِمْ فِي ذَلِكَ ( أَشْرِقْ ثَبِيرُ كَيْمَا نُغِيرُ ) .
[ ص: 501 ] وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=4أَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا : أَصْعَدْنَ الْغُبَارَ مِنَ الْأَرْضِ مِنْ شِدَّةِ عَدْوِهِنَّ ، وَالْإِثَارَةُ : الْإِهَاجَةُ ، وَالنَّقْعُ : الْغُبَارُ .
وَالْبَاءُ فِي ( بِهِ ) يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ سَبَبِيَّةً ، وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ عَائِدٌ إِلَى الْعَدْوِ الْمَأْخُوذِ مِنَ ( الْعَادِيَاتِ ) . وَيَجُوزُ كَوْنُ الْبَاءِ ظَرْفِيَّةً وَالضَّمِيرُ عَائِدًا إِلَى ( صُبْحًا ) ، أَيْ : أَثَرْنَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهُوَ وَقْتُ إِغَارَتِهَا .
وَمَعْنَى ( وَسَطْنَ ) : كُنَّ وَسْطَ الْجَمْعِ ، يُقَالُ : وَسَطَ الْقَوْمَ ، إِذَا كَانَ بَيْنَهُمْ .
وَ ( جَمْعًا ) مَفْعُولُ ( وَسَطْنَ ) وَهُوَ اسْمٌ لِجَمَاعَةِ النَّاسِ ، أَيْ : صِرْنَ فِي وَسْطِ الْقَوْمِ الْمَغْزُوِّينَ . فَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِبِلِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : ( جَمْعًا ) وَهُوَ الْمُزْدَلِفَةُ فَيَكُونَ إِشَارَةً إِلَى حُلُولِ الْإِبِلِ فِي مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ أَنْ تُغِيرَ صُبْحًا مِنْهَا إِلَى عَرَفَةَ ، إِذْ لَيْسَ ثَمَّةَ جَمَاعَةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فِي مَكَانٍ تَصِلُ إِلَيْهِ هَذِهِ الرَّوَاحِلُ .
nindex.php?page=treesubj&link=20764_28741وَمِنْ بَدِيعِ النَّظْمِ وَإِعْجَازِهِ إِيثَارُ كَلِمَاتِ ( الْعَادِيَاتِ وَضَبْحًا وَالْمُورِيَاتِ وَقَدْحًا ، وَالْمُغِيرَاتِ وَصُبْحًا ، وَوَسَطْنَ وَجَمْعًا ) دُونَ غَيْرِهَا ; لِأَنَّهَا بِرَشَاقَتِهَا تَتَحَمَّلُ أَنْ يَكُونَ الْمُقْسَمُ بِهِ خَيْلَ الْغَزْوِ وَرَوَاحِلَ الْحَجِّ .
وَعَطَفَ هَذِهِ الْأَوْصَافَ الثَّلَاثَةَ الْأُولَى بِالْفَاءِ ; لِأَنَّ أُسْلُوبَ الْعَرَبِ فِي عَطْفِ الصِّفَاتِ وَعَطْفِ الْأَمْكِنَةِ أَنْ يَكُونَ بِالْفَاءِ وَهِيَ لِلتَّعْقِيبِ ، وَالْأَكْثَرُ أَنْ تَكُونَ لِتَعْقِيبِ الْحُصُولِ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، وَكَمَا فِي قَوْلِ
ابْنِ زَيَّابَةَ :
يَا لَهْفَ زَيَّابَةَ لِلْحَارِثِ الصَّ ابَحِ فَالْغَانِمِ فَالْآيِبِ
وَقَدْ يَكُونُ لِمُجَرَّدِ تَعْقِيبِ الذِّكْرِ كَمَا فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ .
وَالْفَاءُ الْعَاطِفَةُ لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=4فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا عَاطِفَةٌ عَلَى وَصْفِ ( الْمُغِيرَاتِ ) . وَالْمَعْطُوفُ بِهَا مِنْ آثَارِ وَصْفِ الْمُغِيرَاتِ . وَلَيْسَتْ عَاطِفَةً عَلَى صِفَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ مِثْلَ
[ ص: 502 ] الصِّفَاتِ الثَّلَاثِ الَّتِي قَبْلَهَا ; لِأَنَّ إِثَارَةَ النَّقْعِ وَتَوَسُّطَ الْجَمْعِ مِنْ آثَارِ الْإِغَارَةِ صُبْحًا ، وَلَيْسَا مُقْسَمًا بِهِمَا أَصَالَةً ، وَإِنَّمَا الْقَسَمُ بِالْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى .
فَلِذَلِكَ غُيِّرَ الْأُسْلُوبُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=4فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا ، فَجِيءَ بِهِمَا فِعْلَيْنِ مَاضِيَيْنِ وَلَمْ يَأْتِيَا عَلَى نَسَقِ الْأَوْصَافِ قَبْلَهُمَا بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ ; لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الْكَلَامَ انْتَقَلَ مِنَ الْقَسَمِ إِلَى الْحِكَايَةِ عَنْ حُصُولِ مَا تَرَتَّبَ عَلَى تِلْكَ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ مَا قُصِدَ مِنْهَا بِالظَّفَرِ الْمَطْلُوبِ الَّذِي لِأَجْلِهِ كَانَ الْعَدْوُ وَالْإِيرَاءُ وَالْإِغَارَةُ عَقِبَهُ ، وَهِيَ الْحُلُولُ بِدَارِ الْقَوْمِ الَّذِينَ غَزَوْهُمْ إِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِـ ( الْعَادِيَاتِ ) الْخَيْلَ ، أَوْ بُلُوغُ تَمَامِ الْحَجِّ بِالدَّفْعِ عَنْ
عَرَفَةَ إِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِـ ( الْعَادِيَاتِ ) رَوَاحِلَ الْحَجِيجِ ، فَإِنَّ إِثَارَةَ النَّقْعِ يَشْعُرُونَ بِهَا عِنْدَ الْوُصُولِ حِينَ تَقِفُ الْخَيْلُ وَالْإِبِلُ دُفْعَةً ، فَتُثِيرُ أَرْجُلُهَا نَقْعًا شَدِيدًا فِيمَا بَيْنَهُمَا ، وَحِينَئِذٍ تَتَوَسَّطْنَ الْجَمْعَ مِنَ النَّاسِ . وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : ( جَمْعًا ) اسْمَ
الْمُزْدَلِفَةِ ؛ حَيْثُ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ .
وَمُنَاسَبَةُ الْقَسَمِ بِهَذِهِ الْمَوْصُوفَاتِ دُونَ غَيْرِهَا إِنْ أُرِيدَ رَوَاحِلُ الْحَجِيجِ ، وَهُوَ الْوَجْهُ الَّذِي فَسَّرَ بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَهُوَ أَنْ يُصَدَّقَ الْمُشْرِكُونَ بِوُقُوعِ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْقَسَمَ بِشَعَائِرِ الْحَجِّ لَا يَكُونُ إِلَّا بَارًّا حَيْثُ هُمْ لَا يُصَدِّقُونَ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ وَيَزْعُمُونَهُ قَوْلَ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَإِنْ أُرِيدَ بِـ ( الْعَادِيَاتِ ) وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا خَيْلُ الْغُزَاةِ ، فَالْقَسَمُ بِهَا لِأَجْلِ التَّهْوِيلِ وَالتَّرْوِيعِ لِإِشْعَارِ الْمُشْرِكِينَ بِأَنَّ غَارَةً تَتَرَقَّبُهُمْ ، وَهِيَ غَزْوَةُ
بَدْرٍ ، مَعَ تَسْكِينِ نَفْسِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ التَّرَدُّدِ فِي مَصِيرِ السَّرِيَّةِ الَّتِي بَعَثَ بِهَا مَعَ
الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرٍو إِذَا صَحَّ خَبَرُهَا فَيَكُونُ الْقَسَمُ بِخُصُوصِ هَذِهِ الْخَيْلِ إِدْمَاجًا لِلِاطْمِئْنَانِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=6إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ جَوَابُ الْقَسَمِ .
وَالْكَنُودُ : وَصْفٌ مِنْ أَمْثِلَةِ الْمُبَالَغَةِ مِنْ كَنَدَ ، وَلُغَاتُ الْعَرَبِ مُخْتَلِفَةٌ فِي مَعْنَاهُ ، فَهُوَ فِي لُغَةِ
مُضَرَ وَرَبِيعَةَ : الْكَفُورُ بِالنِّعْمَةِ ، وَبِلُغَةِ كِنَانَةَ : الْبَخِيلُ ، وَفِي لُغَةِ
كِنْدَةَ وَحَضْرَمَوْتَ : الْعَاصِي ، وَالْمَعْنَى : الشَّدِيدُ الْكُفْرَانِ لِلَّهِ .
وَالتَّعْرِيفُ فِي الْإِنْسَانِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ وَهُوَ يُفِيدُ الِاسْتِغْرَاقَ غَالِبًا ، أَيْ أَنَّ
[ ص: 503 ] فِي طَبْعِ الْإِنْسَانِ الْكُنُودَ لِرَبِّهِ ، أَيْ : كُفْرَانَ نِعْمَتِهِ ، وَهَذَا عَارِضٌ يَعْرِضُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ عَلَى تَفَاوُتٍ فِيهِ وَلَا يَسْلَمُ مِنْهُ إِلَّا الْأَنْبِيَاءُ ، وَكُمَّلُ أَهْلِ الصَّلَاحِ ؛ لِأَنَّهُ عَارِضٌ يَنْشَأُ عَنْ إِيثَارِ الْمَرْءِ نَفْسَهُ ، وَهُوَ أَمْرٌ فِي الْجِبِلَّةِ لَا تَدْفَعُهُ إِلَّا الْمُرَاقَبَةُ النَّفْسِيَّةُ وَتَذَكُّرُ حَقِّ غَيْرِهِ . وَبِذَلِكَ قَدْ يَذْهَلُ أَوْ يَنْسَى حَقَّ اللَّهِ ، وَالْإِنْسَانُ يُحِسُّ بِذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ فِي خَطَرَاتِهِ ، وَيَتَوَانَى أَوْ يَغْفُلُ عَنْ مُقَاوَمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَغِلُ بِإِرْضَاءِ دَاعِيَةِ نَفْسِهِ ، وَالْأَنْفُسُ مُتَفَاوِتَةٌ فِي تَمَكُّنِ هَذَا الْخُلُقِ مِنْهَا ، وَالْعَزَائِمُ مُتَفَاوِتَةٌ فِي اسْتِطَاعَةِ مُغَالَبَتِهِ .
وَهَذَا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=7وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=8وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ فَلِذَلِكَ كَانَ الِاسْتِغْرَاقُ عُرْفِيًّا أَوْ عَامًّا مَخْصُوصًا ، فَالْإِنْسَانُ لَا يَخْلُو مِنْ أَحْوَالٍ مَآلُهَا إِلَى كُفْرَانِ النِّعْمَةِ ، بِالْقَوْلِ وَالْقَصْدِ ، أَوْ بِالْفِعْلِ وَالْغَفْلَةِ ، فَالْإِشْرَاكُ كُنُودٌ ، وَالْعِصْيَانُ كُنُودٌ ، وَقِلَّةُ مُلَاحَظَةِ صَرْفِ النِّعْمَةِ فِيمَا أُعْطِيَتْ لِأَجْلِهِ كُنُودٌ ، وَهُوَ مُتَفَاوِتٌ ، فَهَذَا خُلُقٌ مُتَأَصِّلٌ فِي الْإِنْسَانِ ، فَلِذَلِكَ أَيْقَظَ اللَّهُ لَهُ النَّاسَ لِيَرِيضُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى أَمَانَةِ هَذَا الْخُلُقِ مِنْ نُفُوسِهِمْ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=19إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا الْآيَةَ . وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=37خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=6إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=7أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى وَقَدْ تَقَدَّمَتْ قَرِيبًا .
وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ تَخْصِيصُ الْإِنْسَانِ هُنَا بِالْكَافِرِ فَهُوَ مِنَ الْعُمُومِ الْعُرْفِيِّ .
وَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=481أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002899الْكَنُودُ هُوَ الَّذِي يَأْكُلُ وَحْدَهُ ، وَيَمْنَعُ رِفْدَهُ ، وَيَضْرِبُ عَبْدَهُ وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِأَدْنَى مَعَانِي الْكُنُودِ فَإِنَّ أَكْلَهُ وَحْدَهُ ، أَيْ : عَدَمَ إِطْعَامِهِ أَحَدًا مَعَهُ ، أَوْ عَدَمَ إِطْعَامِهِ الْمَحَاوِيجَ إِغْضَاءً عَنْ بَعْضِ مَرَاتِبِ شُكْرِ النِّعْمَةِ ، وَكَذَلِكَ مَنْعُهُ الرِّفْدَ ، وَمِثْلُهُ : ضَرْبُهُ عَبْدَهُ ، فَإِنَّ فِيهِ نِسْيَانًا لِشُكْرِ اللَّهِ الَّذِي جَعَلَ الْعَبْدَ مِلْكًا لَهُ وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِلْكًا لِلْعَبْدِ ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ أَوْلَى بِوَصْفِ الْكُنُودِ .
وَقِيلَ : التَّعْرِيفُ فِي ( الْإِنْسَانِ ) لِلْعَهْدِ ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ
الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، وَقِيلَ :
قِرَطَةُ بْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ نَوْفَلٍ الْقُرَشِيُّ .
وَاللَّامُ فِي ( لِرَبِّهِ ) لَامُ التَّقْوِيَةِ ; لِأَنَّ كَنُودَ وَصْفٌ لَيْسَ أَصِيلًا فِي الْعَمَلِ ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْمُولَاتِ لِمُشَابَهَتِهِ الْفِعْلَ فِي الِاشْتِقَاقِ ، فَيَكْثُرُ أَنْ يَقْتَرِنَ مَفْعُولُهُ بِلَامِ التَّقْوِيَةِ ، وَمَعَ تَأْخِيرِهِ عَنْ مَعْمُولِهِ .
[ ص: 504 ] وَتَقْدِيمُ ( لِرَبِّهِ ) لِإِفَادَةِ الِاهْتِمَامِ بِمُتَعَلِّقِ هَذَا الْكُنُودِ لِتَشْنِيعِ هَذَا الْكُنُودِ بِأَنَّهُ لِلرَّبِّ الَّذِي هُوَ أَحَقُّ الْمَوْجُودَاتِ بِالشُّكْرِ ، وَأَعْظَمُ ذَلِكَ شِرْكُ الْمُشْرِكِينَ ، وَلِذَلِكَ أَكَّدَ الْكَلَامَ بِلَامِ الِابْتِدَاءِ الدَّاخِلَةِ عَلَى خَبَرِ ( إِنَّ ) لِلتَّعْجِيبِ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ .
وَتَقْدِيمُ ( لِرَبِّهِ ) عَلَى عَامِلِهِ الْمُقْتَرِنِ بِلَامِ الِابْتِدَاءِ ، وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الصَّدْرِ ; لِأَنَّهُمْ يَتَوَسَّعُونَ فِي الْمَجْرُورَاتِ وَالظُّرُوفِ ،
وَابْنُ هِشَامٍ يَرَى أَنَّ لَامَ الِابْتِدَاءِ الْوَاقِعَةَ فِي خَبَرِ ( إِنَّ ) لَيْسَتْ بِذَاتِ صَدَارَةٍ .
وَضَمِيرُ
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=7وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ عَائِدٌ إِلَى الْإِنْسَانِ عَلَى حَسَبِ الظَّاهِرِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ انْتِسَاقُ الضَّمَائِرِ وَاتِّحَادُ الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ .
وَالشَّهِيدُ : يُطْلَقُ عَلَى الشَّاهِدِ ، وَهُوَ الْخَبَرُ بِمَا يُصَدِّقُ دَعْوَى مُدَّعٍ ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْحَاضِرِ ، وَمِنْهُ جَاءَ إِطْلَاقُهُ عَلَى الْعَالِمِ الَّذِي لَا يَفُوتُهُ الْمَعْلُومُ ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمُقِرِّ لِأَنَّهُ شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ .
وَالشَّهِيدُ هُنَا : إِمَّا بِمَعْنَى الْمُقِرِّ كَمَا فِي ( أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) .
وَالْمَعْنَى : أَنَّ الْإِنْسَانَ مُقِرٌّ بِكُنُودِهِ لِرَبِّهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَقْصِدُ الْإِقْرَارَ ، وَذَلِكَ فِي فَلَتَاتِ الْأَقْوَالِ ، مِثْلَ قَوْلِ الْمُشْرِكِينَ فِي أَصْنَامِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى . وَهَذَا قَوْلٌ يَلْزَمُهُ اعْتِرَافُهُمْ بِأَنَّهُمْ عَبَدُوا مَا لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ ، وَأَشْرَكُوا فِي الْعِبَادَةِ مَعَ الْمُسْتَحِقِّ لِلِانْفِرَادِ بِهَا ، أَلَيْسَ هَذَا كُنُودًا لِرَبِّهِمْ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=130وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ وَفِي فَلَتَاتِ الْأَفْعَالِ كَمَا يَعْرِضُ لِلْمُسْلِمِ فِي الْمَعَاصِي .
وَالْمَقْصُودُ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ تَفْظِيعُ
nindex.php?page=treesubj&link=32406كُنُودِ الْإِنْسَانِ بِأَنَّهُ مَعْلُومٌ لِصَاحِبِهِ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ . وَعَلَى هَذَا فَحَرْفُ ( عَلَى ) مُتَعَلِّقٌ بِـ ( شَهِيدٌ ) وَاسْمُ الْإِشَارَةِ مُشَارٌ بِهِ إِلَى الْكُنُودِ الْمَأْخُوذِ مِنْ صِفَةِ ( كَنُودٌ ) .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ( شَهِيدٌ ) بِمَعْنَى ( عَلِيمٍ ) ، كَقَوْلِ
الْحَارِثِ بْنِ حِلِّزَةَ فِي
عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ :
وَهُوَ الرَّبُّ وَالشَّهِيدُ عَلَى يَوْ مِ الْخِيَارَيْنِ وَالْبَلَاءُ بَلَاءُ
[ ص: 505 ] وَمُتَعَلِّقُ ( شَهِيدٌ ) مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَقَامُ ، أَيْ : عَلِيمٌ بِأَنَّ اللَّهَ رَبُّهُ ، أَيْ : بِدَلَائِلِ الرُّبُوبِيَّةِ ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ : عَلَى ذَلِكَ بِمَعْنَى : مَعَ ذَلِكَ ، أَيْ : مَعَ ذَلِكَ الْكُنُودِ هُوَ عَلِيمٌ بِأَنَّهُ رَبُّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلشُّكْرِ وَالطَّاعَةِ لَا لِلْكُنُودِ ، فَحَرْفُ ( عَلَى ) بِمَعْنَى ( مَعَ ) كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=8وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ وَقَوْلِ
الْحَارِثِ بْنِ حِلِّزَةَ :
فَبَقِينَا عَلَى الشَّنَاءَةِ تَنْمِي نَا حُصُونٌ وَعِزَّةٌ قَعْسَاءُ
وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ وَذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي التَّعَجُّبِ مِنْ كُنُودِ الْإِنْسَانِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَسُفْيَانُ : ضَمِيرُ ( وَإِنَّهُ ) عَائِدٌ إِلَى رَبِّهِ ، أَيْ : وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْإِنْسَانِ ، وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِالتَّحْذِيرِ مِنَ الْحِسَابِ عَلَيْهِ . وَهَذَا يُسَوِّغُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ ، وَنُقِلَ عَنْ
مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ كِلَا الْوَجْهَيْنِ ، فَلَعَلَّهُمَا رَأَيَا جَوَازَ الْمَحْمَلَيْنِ وَهُوَ أَوْلَى .
وَتَقْدِيمُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى ( شَهِيدٌ ) لِلِاهْتِمَامِ وَالتَّعَجُّبِ وَمُرَاعَاةِ الْفَاصِلَةِ .
وَالشَّدِيدُ : الْبَخِيلُ . قَالَ
أَبُو ذُؤَيْبٍ رَاثِيًا :
حَذَرْنَاهُ بِأَثْوَابٍ فِي قَعْرِ هُوَّةٍ شَدِيدٍ عَلَى مَا ضَمَّ فِي اللَّحْدِ جُولُهَا
وَالْجَوْلُ - بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ : التُّرَابُ ، كَمَا يُقَالُ لِلْبَخِيلِ الْمُتَشَدِّدِ أَيْضًا ، قَالَ
طَرَفَةُ :
عَقِيلَةُ مَالِ الْفَاحِشِ الْمُتَشَدِّدِ
وَاللَّامُ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=8لِحُبِّ الْخَيْرِ لَامُ التَّعْلِيلِ ، وَالْخَيْرُ : الْمَالُ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180إِنْ تَرَكَ خَيْرًا .
وَالْمَعْنَى :
nindex.php?page=treesubj&link=32407إِنَّ فِي خُلُقِ الْإِنْسَانِ الشُّحَّ لِأَجْلِ حُبِّهِ الْمَالَ ، أَيِ : الِازْدِيَادِ مِنْهُ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=9وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .
وَتَقْدِيمُ
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=8لِحُبِّ الْخَيْرِ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ لِلِاهْتِمَامِ بِغَرَابَةِ هَذَا الْمُتَعَلِّقِ وَلِمُرَاعَاةِ الْفَاصِلَةِ ، وَتَقْدِيمُهُ عَلَى عَامِلِهِ الْمُقْتَرِنِ بِلَامِ الِابْتِدَاءِ وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الصَّدْرِ لِأَنَّهُ مَجْرُورٌ كَمَا عَلِمْتَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=6لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ .
وَحُبُّ الْمَالِ يَبْعَثُ عَلَى مَنْعِ الْمَعْرُوفِ ، وَكَانَ الْعَرَبُ يُعَيِّرُونَ بِالْبُخْلِ وَهُمْ مَعَ
[ ص: 506 ] ذَلِكَ يَبْخَلُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِمُوَاسَاةِ الْفُقَرَاءِ وَالضُّعَفَاءِ ، وَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ، وَلَكِنَّهُمْ يُسْرِفُونَ فِي الْإِنْفَاقِ فِي مَظَانِّ السُّمْعَةِ وَمَجَالِسِ الشُّرْبِ وَفِي الْمَيْسِرِ . قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=18وَلَا تَحُضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=19وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=20وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ) .