الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2327 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنسانا ، ثم خرج يسأل ، فأتى راهبا ، فسأله ، فقال : أله توبة ؟ قال : لا ; فقتله ، وجعل يسأل ، فقال له رجل : ائت قرية كذا وكذا ، فأدركه الموت فناء بصدره نحوها ، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فأوحى الله إلى هذه أن تقربي ، وإلى هذه أن تباعدي ، فقال : قيسوا ما بينهما فوجد إلى هذه أقرب بشبر فغفر له " متفق عليه .

التالي السابق


2327 - ( وعن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( كان في بني إسرائيل رجل ) أي : منهم أو من غيرهم ( قتل تسعة وتسعين إنسانا ) أي : ظلما ( ثم خرج ) أي : من بينهم بعد يأسه منهم مترددا ( يسأل ) أي : يستفتي الناس عن قبول توبته ( فأتى راهبا ) أي : عابدا زاهدا معتزلا عن الخلق مقبلا على الحق غالبا عليه الخوف . قال : ومن لازمه عندهم أن يكون عالما ( فسأله ، فقال ) أي : القاتل ( أله ) أي : لهذا الفعل أو لهذا الفاعل ، وقال ابن حجر فقال له : أي : بعد أن قص القصة غير مسندها لنفسه بأن قال : ما تقول في رجل قتل إلخ . أله أي القاتل المذكور ( توبة ؟ ) أي : صحيحة . قيل : ليس في البخاري الهمزة . وذكر الشيخ أن قوله : له توبة حذف منه أداة الاستفهام ، وفيه تجريد لأن حق القياس أن يقول : ألي توبة ؟ وروى هل لي توبة ؟ وفي نسخة كما في نسخة المصابيح : ألي توبة ؟ ( قال ) أي : الراهب في جوابه ( لا ) أي : لا توبة له ، أو لك ; إما جهلا منه بعلم التوبة ، وإما لغلبة الخشية عليه ، وإما لتصور عدم إمكان إرضاء خصومه عنه . ( فقتله ) : لعله لكونه أوهمه أنه لا يقبل التوبة منها وإن رضي مستحقوها . قال الطيبي : فيه إشكال لأنا إن قلنا : لا ، فقد خالفنا نصوصا ، أو نعم خالفنا أيضا أصل الشرع ، فإن حقوق بني آدم لا تسقط بالتوبة ، بل توبتها أداؤها إلى مستحقيها أو الاستحلال منها . فالجواب : إن الله تعالى إذا رضي عنه وقبل توبته يرضي خصمه . ( وجعل ) أي : شرع ( يسأل فقال له رجل : ائت قرية كذا ) : باسمها ( وكذا ) : بوصفها أي : القرية الفلانية التي أهلها صلحاء وتب إلى الله ، فإن الله يقبل التوبة عن عباده فقصد تلك القرية . ( فأدركه الموت ) أي : أماراته وسكراته ، فالفاء عطف على محذوف أي : فقصدها وسار نحوها وقرب من وسط طريقها ( فناء ) أي : نهض ومال ( بصدره ) : لأن المدار عليه في الاستقبال فجعله ( نحوها ) أي : نحو القرية الفلانية ( فاختصمت ) أي : تخاصمت ( فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ) : يعني : قالت ملائكة الرحمة : نحن نذهب به إلى الرحمة لأنه تائب لتوجهه إلى هذه القرية للتوبة ، وقالت ملائكة العذاب : نحن نذهب به إلى العذاب لأنه قتل مائة نفس ولم يتب بعد . ( فأوحى الله ) أي : ألهم ( إلى هذه ) أي القرية التي توجه إليها للتوبة وأمرها ( أن تقربي ) : بفتح التاء ، ويحتمل أن تكون مفسرة لما في الوحي من معنى القول أي : تقربي إلى الميت ( وإلى هذه ) أي : القرية التي هاجر منها . قاله الطيبي : أو القرية التي قتل فيها [ ص: 1615 ] الراهب وهو الظاهر ، ( أن تباعدي ) : بفتح التاء أي : عن الميت ، فهذا فضل في صورة عدل ، وفيه إيماء إلى أن نية المؤمن خير من عمله ، ومن قال هي إشارة إلى الملائكة فقد خالف الرواية والدراية . ( فقال ) أي : الله كما في نسخة ( قيسوا ) : الخطاب للملائكة المتخاصمين أي قدروا ( ما بينهما ) أي : بين القريتين ، فإلى أي قرية أقرب فإلحاقه بأهلها أوجب . ( فوجد ) أي : الميت المتنازع فيه ( إلى هذه ) أي : القرية التي توجه إليها ، وهي قرية الصالحين ( أقرب بشبر فغفر له ) : دل على سعة رحمة الله تعالى لطالب التوبة ، فضلا عن التائب ، رزقنا الله تعالى توبة نصوحا . قال الطيبي : إذا رضي الله عن عبده أرضى عنه خصومه ، ورد مظالمه ، ففي الحديث ترغيب في التوبة ، ومنع الناس عن اليأس . ( متفق عليه ) .

قال البغوي : وفيه رواية لمسلم : فدل على رجل عالم فقال : إنه قتل مائة نفس هل له من توبة ؟ قال : نعم ، ومن يحول بينه وبين التوبة ؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا ، فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء ، فانطلق حتى نصف الطريق أتاه الموت ، فاختصمت ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم ، فقال : قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما أدنى فهو له . فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد ; فقبضته ملائكة الرحمة . اهـ . وفيه تفضيل العالم على العابد .




الخدمات العلمية