الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2687 2842 - حدثنا محمد بن سنان ، حدثنا فليح ، حدثنا هلال ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام على المنبر فقال : " إنما أخشى عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من بركات الأرض " . ثم ذكر زهرة الدنيا ، فبدأ بإحداهما وثنى بالأخرى ، فقام رجل فقال : يا رسول الله ، أويأتي الخير بالشر ؟ فسكت عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - قلنا يوحى إليه . وسكت الناس كأن على رءوسهم الطير ، ثم إنه مسح عن وجهه الرحضاء ، فقال : " أين السائل آنفا أوخير هو ؟ -ثلاثا - إن الخير لا يأتي إلا بالخير ، وإنه كل ما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم كلما أكلت ، حتى إذا امتلأت خاصرتاها استقبلت الشمس ، فثلطت وبالت ثم رتعت ، وإن هذا المال خضرة حلوة ، ونعم صاحب المسلم لمن أخذه بحقه ، فجعله في سبيل الله واليتامى والمساكين ، ومن لم يأخذه بحقه فهو كالآكل الذي لا يشبع ، ويكون عليه شهيدا يوم القيامة " . [انظر : 921 - مسلم: 1052 - فتح: 6 \ 48]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث أبي هريرة قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من أنفق زوجين في سبيل الله دعاه خزنة الجنة ، كل خزنة باب : أي فل ، هلم " . قال أبو بكر : يا رسول الله ، ذاك الذي لا توى عليه . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إني لأرجو أن تكون منهم " .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام على المنبر فقال : "إنما أخشى عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من بركات الأرض " . ثم ذكر

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 477 ] زهرة الدنيا . . الحديث إلى قوله : "وإن هذا المال خضرة حلوة ، ونعم صاحب المسلم لمن أخذه بحقه ، فجعله في سبيل الله والمساكين وابن السبيل " .

                                                                                                                                                                                                                              الشرح :

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الأول سلف في الصوم ، والثاني سلف في الزكاة .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("من أنفق زوجين " ) أراد أن يشفع المنفق ما ينفقه من دينار أو درهم أو سلاح أو غير ذلك ، قال الداودي : يقع الزوج على الواحد والاثنين ، وهو هنا على الواحد ، واحتج بقوله تعالى : خلق الزوجين [النجم : 45] واعترضه ابن التين فقال : ليس قوله ببين ، وقد ذكره ابن قتيبة أيضا فقال : (إن ) الزوج يقع على الواحد والاثنين .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("أي فل هلم " ) أي : يا فلان ، فرخم كقولك : يا حار إذا رخمت حارثا ، وكقول الشاعر في محمد : أمسك فلانا عن فل ، والعرب تقول في النداء : يا فلان ، وأي فلان وأفلان .

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى : (لا توى ) لا ضياع ، وقيل : لا هلاك ، من قولك : توى المال يتوى تواء ، قال ابن فارس : والتوى يمد ويقصر وأكثرهم على أنه مقصور .

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى الكلام أن هذا الرجل لا بأس عليه أن يترك بابا ويدخل آخر .

                                                                                                                                                                                                                              و (الرحضاء ) -في حديث أبي سعيد - : العرق الذي أدره عند نزول الوحي عليه ، يقال : رحض الرجل إذا أصابه ذلك ، فهو مرحوض ورحيض .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 478 ] وقوله : (كأن على رءوسهم الطير ) . قال الداودي : يعني : أن كل واحد صار كمن على رأسه طائر يريد صيده فلا يتحرك لئلا يطير به .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("يقتل حبطا أو يلم " ) كذا هو في الأصول ، وذكره ابن التين بحذف "حبطا " ثم قال : هذا محذوف منه . وروي تاما فذكره ، والحبط : انتفاخ البطن من داء يصيب الآكل من أكله .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : كما قال المهلب : فضل الجهاد على سائر الأعمال ، وأن للمجاهد أجر المصلي والصائم والمتصدق ، وإن لم يفعل ذلك ، ألا ترى أن باب الريان هو للصائمين خاصة ، وقد قال في هذا الحديث : "يدعى من كل باب " فاستحق ذلك بإنفاق قليل من مال الله في سبيله ، ففيه أن الغني إذا أنفق في سبيل الله أفضل الأعمال ، قال : إلا أن طلب العلم ينبغي أن يكون أفضل من الجهاد وغيره ; لأن الجهاد لا يكون إلا بعلم حدوده وما أحل الله منه وحرم ، ألا ترى أن المجاهد متصرف بين أمر العالم ونهيه ، ففضل عمله كله في ميزان العالم الآمر له بالمعروف ، والناهي له عن المنكر ، والهادي له إلى السبيل ، فكما أن أجر المسلمين كلهم مدخور لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أجل تعلمه لهم وهدايته إياهم سبيل العلم ، فكذلك يجب أن يكون أجر العالم فيه أجر من عمل بعلمه .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : دليل على أن من دعي من أبواب الجنة كلها لم يكن ممن استحق عقوبة في نار -والله أعلم - لقول أبي بكر : (ذلك الذي لا توى عليه ) أي : لا هلاك ، فلم ينكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : القول بالدليل في أحكام الدنيا والآخرة لاستدلال أبي بكر وبالدعاء له من كل باب أنه لا هلاك عليه ، ولتصديق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 479 ] ذلك الاستدلال وتبشيره لأبي بكر أنه منهم من أجل أنه أنفق في سبيل الله كلها أزواجا كثيرة من كل شيء ، وروى ابن المنذر من حديث أبي عبيدة بن الجراح مرفوعا : "من أنفق في سبيل الله فسبعمائة ضعف " .

                                                                                                                                                                                                                              ومن حديث خريم بن فاتك مرفوعا مثله ، وقد جاء أن الذكر وأعمال البر في سبيل الله أفضل من النفقة ; فيه من حديث معاذ بن أنس الجهني أنه قال : "يضعف الذكر والعمل في سبيل الله على تضعيف الصدقة سبعمائة ضعف " ، وعن ابن المسيب مثله .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية