الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2689 2844 - حدثنا موسى ، حدثنا همام ، عن إسحاق بن عبد الله ، عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يدخل بيتا بالمدينة غير بيت أم سليم ، إلا على أزواجه ، فقيل له ، فقال : " إني أرحمها ، قتل أخوها معي " . [مسلم : 2455 - فتح: 6 \ 50]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث بسر بن سعيد -هو بالسين المهملة وبضم أوله - عن زيد بن خالد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا ، ومن خلف غازيا في سبيل الله بخير فقد غزا " .

                                                                                                                                                                                                                              ومن حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يدخل بيتا بالمدينة غير بيت أم سليم ، إلا على أزواجه ، فقيل له ، فقال : "إني أرحمها ، قتل أخوها معي " .

                                                                                                                                                                                                                              الشرح :

                                                                                                                                                                                                                              حديث بسر بن سعيد أخرجه مسلم والأربعة .

                                                                                                                                                                                                                              وفي أفراد مسلم من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا : "أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له نصف أجر الخارج " ، ومن حديث بريدة بن الحصيب مرفوعا : "حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم ، وما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 481 ] المجاهدين في أهله فيخونه (فيهم ) إلا وقف له يوم القيامة ، فيأخذ من عمله ما شاء ، فما ظنكم ؟ "
                                                                                                                                                                                                                              وفي لفظ له : "خذ من حسناته ما شئت " فالتفت إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : "فما ظنكم " .

                                                                                                                                                                                                                              ولابن أبي عاصم في كتاب "الجهاد " من حديث عمر بن الخطاب مرفوعا : "من أظل رأس غاز أظله الله يوم القيامة ، ومن جهز غازيا حتى يستقل كان له مثل أجره حتى يموت أو يرجع " .

                                                                                                                                                                                                                              ومن حديث سهل بن حنيف مرفوعا : "من أعان مجاهدا في غزوة أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله " .

                                                                                                                                                                                                                              ومن حديث أبي هريرة مرفوعا : "من لم (يغزو ) أو يجهز غازيا أو يخلف غازيا في أهله بخير أصابه الله -عز وجل - بقارعة يوم القيامة " .

                                                                                                                                                                                                                              ومن حديث أبي أمامة مثله سواء ، وللحاكم -وقال : صحيح الإسناد - من حديث أبي سعيد : "من خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف (أجر ) الخارج " .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 482 ] وحديث أنس ذكره هنا لقوله : "قتل أخوها معي " أي : في (سبيلي ; لأنه ) قتل ببئر معونة ، ولم يشهدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "فأنا أرحمها " وإنه نوع من خلافة الغازي بالخير ، ولأنها كانت أختها أم حرام خالته من الرضاعة ، وكانت أم حرام أختها تسكن قباء ، كما قاله ابن أبي صفرة .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن التين : يريد أنه كان يكثر ذلك وإلا فقد دخل على أختها أم حرام ، ولعلها كانت شقيقة للمقتول أو وجدت عليه أكثر من أم حرام .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث أنس هذا أخرجه مسلم في الفضائل .

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى ("غزا " ) حصل له أجر الغازي ، وهو من باب المجاز والاتساع وإن لم يفعله .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه من الفقه : أن كل من أعان مؤمنا على عمل بر فللمعين عليه مثل أجر العامل كما فيمن فطر صائما أو قواه على صومه ، فكل من أعان حاجا أو معتمرا على حجته أو عمرته حتى يأتي به على تمامه فله مثل أجره .

                                                                                                                                                                                                                              وكذا من أعان قائما بحق من الحقوق بنفسه أو بماله حتى يعليه على الباطل بمعونته فله مثل أجر القائم به ثم كذلك سائر أعمال البر ، وإذا كان ذلك حكم المعونة على أعمال البر فمثله المعونة على المعاصي ومكروه الرب تعالى للمعين عليها من الوزر والإثم مثل ما لعاملها ، ولذلك نهى - صلى الله عليه وسلم - عن بيع السيوف في الفتنة ، ولعن عاصر الخمر ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه ، وكذلك سائر أعمال الفجور .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 483 ] وذهب بعض الأئمة -فيما حكاه القرطبي - إلى أن المثل المذكور في هذا الحديث وشبهه إنما هو بغير تضعيف ; لأنه يجتمع في تلك الأشياء أفعال أخر وأعمال من البر كثيرة لا يفعلها الدال الذي ليس عنده إلا مجرد النية الحسنة ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : "أيكم يخلف الخارج في أهله وماله بخير فله مثل نصف أجر الخارج " وقال : "لينبعث من كل رجلين أحدهما والأجر بينهما " ولا حجة فيه لأن المطلوب أن الناوي للخير المعوق عنه هل له مثل أجر الفاعل من غير تضعيف ، والحديث إنما اقتضى المشاركة والمشاطرة في المضاعف فانفصلا ، وأيضا أن القائم على مال الغازي وأهله نائب عن الغازي في عمل لا يتأتى للغازي غزوة إلا بأن يكفى ذلك العمل ، فصار كأنه مباشر معه الغزو ، فكذلك كان له مثل أجر الغازي كاملا مضاعفا بحيث إذا أضيف ونسب إلى أجر الغازي كأنه نصف له .

                                                                                                                                                                                                                              وبهذا يجتمع معنى قوله : "من خلف غازيا في أهله بخير فقد غزا "

                                                                                                                                                                                                                              ويبين معنى قوله في اللفظ الأول : "فله مثل نصف أجر الغازي " ، ويبقى للغازي النصف ، فإن الغازي لم يطرأ عليه ما يوجب تنقيصا لثوابه وإنما هذا كما قال : "من فطر صائما فله مثل أجره لا ينقصه من أجره شيئا " ، وعلى هذا فقد صارت كلمة : "نصف " مقحمة هنا بين "مثل " و"أجر " ، وكأنها زيادة ممن تسامح في إيراد اللفظ بدليل قوله : "والأجر بينهما " ويشهد له ما ذكرنا ، وأما من تحقق عجزه وصدق نيته فلا ينبغي أن يختلف أن أجره مضاعف كأجر العامل المباشر لما تقدم ، ولما سبق فيمن نام عن حزبه .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية