الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 564 ) فصل : الفصل الثاني ، أنه يشرع الأذان للفجر قبل وقتها . وهو قول مالك ، والأوزاعي ، والشافعي ، وإسحاق . ومنعه الثوري ، وأبو حنيفة ، ومحمد بن الحسن ; لما روى ابن عمر ، { أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع فينادي : ألا إن العبد نام ، ألا إن العبد نام } وعن بلال { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا ومد يديه عرضا } . رواهما أبو داود . وقال طائفة من أهل الحديث : إذا كان له مؤذنان ، يؤذن أحدهما قبل طلوع الفجر ، والآخر بعده ، فلا بأس ; لأن الأذان قبل الفجر يفوت المقصود من الإعلام بالوقت ، فلم يجز ، كبقية الصلوات ، إلا أن يكون له مؤذنان يحصل إعلام الوقت بأحدهما ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                            ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم : { إن بلالا يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم } متفق عليه . وهذا يدل على دوام ذلك منه ، والنبي صلى الله عليه وسلم أقره عليه ، ولم ينهه عنه ، فثبت جوازه وروى زياد بن الحارث الصدائي ، قال { لما كان أول أذان الصبح أمرني النبي صلى الله عليه وسلم فأذنت ، فجعلت أقول : أقيم يا رسول الله ؟ فجعل ينظر إلى ناحية المشرق ، ويقول : لا . حتى إذا طلع الفجر نزل ، فبرز ، ثم انصرف إلي وقد تلاحق أصحابه ، فتوضأ ، فأراد بلال أن يقيم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن أخا صداء قد أذن ، ومن أذن فهو يقيم قال : فأقمت } . رواه أبو داود والترمذي : وهذا قد أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالأذان قبل طلوع الفجر ، وهو حجة على من قال : إنما يجوز إذا كان له مؤذنان ، فإن زيادا أذن وحده . وحديث ابن عمر الذي احتجوا به ، قال أبو داود : لم يروه إلا حماد بن سلمة ، ورواه حماد بن زيد ، والدراوردي ، فخالفاه ، وقالا : مؤذن لعمر . وهذا أصح . وقال علي بن المديني : أخطأ فيه ، يعني حمادا ، وقال الترمذي : هو غير محفوظ . وحديثهم الآخر ، قال ابن عبد البر : لا يقوم به ولا بمثله حجة ; لضعفه وانقطاعه .

                                                                                                                                            وإنما اختص الفجر بذلك ; لأنه وقت النوم ، لينتبه الناس ، ويتأهبوا للخروج إلى الصلاة ، وليس ذلك في غيرها ، وقد روينا في حديث ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن بلالا يؤذن بليل ; لينتبه نائمكم ، ويرجع قائمكم } . رواه أبو داود .

                                                                                                                                            ولا ينبغي أن يتقدم ذلك على الوقت كثيرا ، إذا كان المعنى فيه ما ذكرناه ، فيفوت المقصود منه . وقد روي { أن بلالا كان بين أذانه وأذان ابن أم مكتوم أن ينزل هذا ويصعد هذا } . ويستحب أيضا أن لا يؤذن قبل الفجر ، إلا أن يكون معه مؤذن آخر يؤذن إذا أصبح . كفعل بلال وابن أم مكتوم ; اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه إذا لم يكن كذلك لم يحصل الإعلام بالوقت المقصود بالأذان ، فإذا كانا مؤذنين حصل الإعلام بالوقت بالثاني ، وبقربه بالمؤذن الأول .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية