الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2717 2872 - حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا زهير ، عن حميد ، عن أنس - رضي الله عنه - قال : كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - ناقة تسمى العضباء لا تسبق -قال حميد : أو لا تكاد تسبق - فجاء أعرابي على قعود فسبقها ، فشق ذلك على المسلمين ، حتى عرفه ، فقال : " حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه " . طوله موسى عن حماد عن ثابت ، عن أنس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . [انظر : 2871 - فتح: 6 \ 73] .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق حديث أنس : كانت ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - يقال لها : العضباء .

                                                                                                                                                                                                                              وعنه قال : كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - ناقة تسمى العضباء لا تسبق -قال حميد : أو لا تكاد تسبق - فجاء أعرابي على قعود فسبقها ، فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه ، فقال : "حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه " . طوله موسى ، عن حماد ، عن ثابت ، عن أنس .

                                                                                                                                                                                                                              الشرح :

                                                                                                                                                                                                                              التعليق الأول أخرجه ابن منده أبو زكريا يحيى من طريق عاصم بن عبد الله ، عن سالم ، عن أبيه ، فذكره من غير ذكر القصواء . والثاني سلف ، وحديث أنس من أفراده ، وأخرجه أبو داود في الأدب .

                                                                                                                                                                                                                              و ("القصواء " ) بفتح القاف وبالمد ، قال ابن التين : ضبطت بالضم

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 557 ] والقصر ، وهي عند أهل اللغة بالفتح والمد . قال الداودي : سميت بذلك ; لأنها كانت غاية في الجري ، قال : وآخر كل شيء أقصاه . والذي عند أهل اللغة أنها المقطوعة الأذن . قال صاحب "المطالع " : هي المقطوعة ربع الأذن ، والقصر خطأ ، وهي التي هاجر عليها - عليه السلام - ويقال لها : العضباء ، ابتاعها الصديق من نعم بني الحريش .

                                                                                                                                                                                                                              والجدعاء : وكانت شهباء ، وكان لا يحمله إذا نزل عليه الوحي غيرها ، وتسمى أيضا الحناء والسمراء والعريس والسعدية والبغوم واليسيرة والرياء وبردة والمروة والجعدة ومهرة والشقراء . قال أبو العباس في كتاب "المعجمين " عن أنس : خطبنا النبي - صلى الله عليه وسلم - على ناقته العضباء وليست بالجدعاء ، وذكر حديثا .

                                                                                                                                                                                                                              وفي "المحكم " العضباء : حذف في طرف أذن الناقة والشاة ، وهو أن يقطع منه شيء قليل ، وقد قصاها قصوا وقصاها ، وناقة قصواء ومقصوة وجمل مقصو وأقصى . وأنكر بعضهم أقصى ، وقال اللحياني : بعير أقصى ومقصى ومقصوة ، وناقة قصواء ومقصاة ومقصوة : مقطوعة طرف الأذن ، والقصية من الإبل : الكريمة التي لا تجهد في حلب ولا حمل . وقيل : القصية من الإبل رذالتها . عن ثعلب .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الجوهري : كانت ناقة لم تكن مقطوعة الأذن .

                                                                                                                                                                                                                              وجزم ابن بطال بأن القصواء من النوق التي في أذنها حذف ، يقال منه : ناقة قصواء وبعير مقصى ، ولا يقال : بعير أقصى . قال : وذكر الأصمعي في الناقة أنه يقال منها قصوة .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 558 ] والقعود من الإبل : ما يقتعده الإنسان للركوب والحمل . وعبارة ابن بطال أنه الجمل المسن ، قال الأزهري : ولا يكون إلا المذكر ، ولا يقال للأنثى قعودة . قال : وأخبرني المنذري أنه قرأ بخط أبي الهيثم ذكر الكسائي ، (أنه ) سمع من يقول : قعودة للقلوص ، والذكر قعود . قال : وهما عند الكسائي من نوادر الكلام الذي سمعه من بعضهم ، وكلام أكثر العرب على غيره .

                                                                                                                                                                                                                              وجمع القعود : قعدان ، والقعادين جمع الجمع . وقال صاحب "الموعب " عن صاحب "العين " في غير هذا الموضع أن القعود لا يكون إلا ذكرا ، ولا يقال للأنثى قعودة .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن سيده في "المحكم " : القعدة والقعودة والقعود من الإبل : ما اتخذه الراعي للركوب ، والجمع (قعدة ) وقعد وقعديد . وقال الجوهري : هو بالفارسية : رخت لش ، (وبتصغيره جاء ) المثل : اتخذوه قعيد الحاجات . إذا امتهنوا الرحل في حوائجهم ، وهو حين يركب ، وأدنى ذلك أن يأتي عليه سنتان إلى أن يثني ، أي : دخل في الثالثة ، فإذا أثنى سمي جملا .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("ما خلأت " ) أي : ما حزنت .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 559 ] و (العضباء ) قال الداودي : أحسب أنها إنما قيل لها ذلك لقطع كان في بعض أطرافها ، إما طرف الذنب أو شيء من الأذن . وقال ابن فارس : إنما كان ذلك لقبا لها . وقاله أبو عبيد ، قال : والعضباء : المشقوقة الأذن .

                                                                                                                                                                                                                              وظاهر الحديث -كما قال ابن فارس - أنه لقب لها ; لقوله : (تسمى العضباء ) لو كانت عضباء لما قال ذلك . والعضباء من الشاة : المكسورة القرن الداخل ، وهو المشاش .

                                                                                                                                                                                                                              وقال صاحب "العين " : ناقة عضباء : مشقوقة الأذن ، وشاة عضباء : مكسورة القرن ، وقد عضب عضبا . والعضب : القطع ، ومنه قيل للسيف القاطع : عضب ، وقد عضب يعضب : إذا قطع .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : اتخاذ الأمراء والأئمة الإبل للركوب ، وجواز الارتداف للعلماء والصالحين .

                                                                                                                                                                                                                              والتزهيد في الدنيا ، والتقليل لأمورها ; لإخباره أن كل شيء يرتفع من الدنيا فحق على الله أن يضعه ، وبه نطق القرآن ، قال تعالى : قل متاع الدنيا قليل [النساء : 77] وما وصفه الله تعالى بأنه قليل فقد وضعه وصغر قدره ، وقال تعالى تسلية عن متاع الدنيا : والآخرة خير لمن اتقى [النساء : 77] وقال : وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا [الإسراء : 21] إرشادا لعباده وتنبيها لهم على طلب الأفضل .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية