الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        * واختلف إذا اشترى العرض بعين، ثم زكى عن قيمة العرض قبل بيعه.

                                                                                                                                                                                        فقال ابن القاسم: لا تجزئه الزكاة، وعليه إذا باعه أن يزكي عن الثمن الذي باع به.

                                                                                                                                                                                        وحكى ابن شعبان عن أشهب: أن الزكاة تجزئه، ولا إعادة عليه. وهو أحسن.

                                                                                                                                                                                        وقد روي عن عمر، وابن عمر، وعائشة: أن الزكاة تجب في العروض قبل البيع. وهو قول غير واحد من الفقهاء: الشافعي، وأبي حنيفة، والثوري، والأوزاعي. وقد قال مالك غير مرة في مثل هذا: اختلف الناس فيه إنه يجزئ إذا نزل، ويمضي ولا يرد للخلاف.

                                                                                                                                                                                        ومن المدونة قال ابن القاسم فيمن كانت عنده دابة للتجارة، [ ص: 887 ] فاستهلكها رجل، فأخذ رب الدابة عن قيمتها سلعة: فإن نوى بها التجارة، زكى ثمنها ساعة يبيعها - إذا حال الحول على أصل ذلك المال، وهو ثمن الدابة المستهلكة، وباع بنصاب. فإن أخذ في قيمة الدابة عينا، زكاه إذا كان نصابا، وحال الحول من يوم زكى الأصل. فإن كان دون نصاب، أو لم يحل الحول فلا زكاة عليه حتى يتم الحول والنصاب. وإن أخذ عن القيمة سلعة نوى بها القنية; لم تجب في ذلك زكاة حتى يبيعها، ويحول الحول على ثمنها من يوم يقبضه، وليس بمنزلة من قبض القيمة ثم اشترى بها. وإن كانت الدابة المستهلكة للقنية، فأخذ القيمة لم تجب فيها زكاة حتى يحول الحول من يوم يقبضها.

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في مدونته: إذا كانت الدابة المستهلكة للقنية، فأخذ عن القيمة سلعة، ونوى بها التجارة ثم باعها- زكى الثمن إذا حال الحول من يوم أخذ تلك السلعة عن القيمة.

                                                                                                                                                                                        وهذا صحيح على أصله; لأنه يرى أن الدين كالعين، ولا تجب الزكاة على أصل ابن القاسم; لأنه يرى أن الدين كالعرض، فأشبه من باع عرضا للقنية بعرض نوى به التجارة. [ ص: 888 ]

                                                                                                                                                                                        ومن باع عرضا كان عنده للقنية، فإنه لا يخلو أن يبيعه بعين نقدا، أو بعين إلى أجل، أو بعرض، فإن باعه بعين نقدا; كان الحول من يوم يقبض الثمن.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا باعه بعين إلى أجل. فقال مالك، وابن القاسم: لا زكاة عليه حتى يحول الحول من يوم يقبض الثمن. وقال عبد الملك وابن الماجشون، والمغيرة: الحول من يوم باع، فإن باعه بثمن إلى سنة زكى الثمن ساعة يقبضه وإن كان إلى ستة أشهر، فإذا مرت له ستة أشهر أخرى زكاه. قال عبد الملك: لأنه إذا باعه بالدين فقد سلك به مسلك التجارة، ومطلب الربح والزيادة.

                                                                                                                                                                                        واختلف فيمن باع عرضا كان عنده للقنية بعرض نوى به التجارة، هل يكون حكم الثاني حكم الأول؟ ولا زكاة عليه حتى يحول الحول على الثمن الثاني من يوم يبيعه، أو تصح فيه نية التجارة، ويكون حوله من يوم اشتراه; قياسا على من اشترى بعين على ذمته، وهو فقير; لأن الذمة لا زكاة فيها، وقد تقدم الخلاف في ذلك.

                                                                                                                                                                                        ومن كان له عرض للقنية، لم تصح فيه نية التجارة. فإن باعه استأنف بالثمن حولا.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان للتجارة، فنوى به القنية ثم باعه. فقال مالك في [ ص: 889 ] المدونة: لا زكاة عليه فيه. وقال في مختصر ما ليس في المختصر: يزكي الثمن; لأن أصله كان للبيع.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية