nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152nindex.php?page=treesubj&link=28974ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152ولقد صدقكم عطف على قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=151سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب وهذا عود إلى التسلية على ما أصابهم ، وإظهار لاستمرار عناية الله تعالى بالمؤمنين ، ورمز إلى الثقة بوعدهم بإلقاء الرعب في قلوب المشركين ، وتبيين لسبب هزيمة المسلمين : تطمينا لهم بذكر نظيره ومماثله السابق ، فإن لذلك موقعا عظيما في الكلام على حد قولهم ( التاريخ يعيد نفسه ) وليتوسل
[ ص: 127 ] بذلك إلى إلقاء تبعة الهزيمة عليهم ، وأن الله لم يخلفهم وعده ، ولكن سوء صنيعهم أوقعهم في المصيبة كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79وما أصابك من سيئة فمن نفسك .
وصدق الوعد : تحقيقه والوفاء به ، لأن معنى الصدق مطابقة الخبر للواقع ، وقد عدي صدق هنا إلى مفعولين ، وحقه أن لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في قوله تعالى في سورة الأحزاب
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=23من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه يقال : صدقني أخوك وكذبني إذا قال لك الصدق والكذب ، وأما المثل ( صدقني سن بكره ) فمعناه صدقني في سن بكره بطرح الجار وإيصال الفعل . فنصب وعده هنا على الحذف والإيصال ، وأصل الكلام صدقكم في وعده ، أو على تضمين صدق معنى أعطى .
والوعد هنا
nindex.php?page=treesubj&link=29677وعد النصر الواقع بمثل قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=7يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم أو بخبر خاص في يوم
أحد .
وإذن الله بمعنى التقدير وتيسير الأسباب .
وإذ في قوله : ( إذ تحسونهم ) نصب على الظرفية لقوله صدقكم أي : صدقكم الله الوعد حين كنتم تحسونهم بإذنه فإن ذلك الحس تحقيق لوعد الله إياهم بالنصر ، وإذ فيه للمضي ، وأتي بعدها بالمضارع لإفادة التجدد أي لحكاية تجدد الحس في الماضي .
والحس - بفتح الحاء - القتل أطلقه أكثر اللغويين ، وقيده في الكشاف بالقتل الذريع ، وهو أصوب .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152حتى إذا فشلتم حتى حرف انتهاء وغاية ، يفيد أن مضمون الجملة التي بعدها غاية لمضمون الجملة التي قبلها ، فالمعنى : إذ تقتلونهم بتيسير الله ، واستمر قتلكم إياهم إلى حصول الفشل لكم والتنازع بينكم .
وحتى هنا جارة وإذا مجرور بها .
[ ص: 128 ] وإذا اسم زمان ، وهو في الغالب للزمان المستقبل وقد يخرج عنه إلى الزمان مطلقا كما هنا ، ولعل نكتة ذلك أنه أريد استحضار الحالة العجيبة تبعا لقوله تحسونهم .
وإذا هنا مجردة عن معنى الشرط لأنها إذا صارت للمضي انسلخت عن الصلاحية للشرطية ، إذ الشرط لا يكون ماضيا إلا بتأويل لذلك فهي غير محتاجة لجواب فلا فائدة في تكلف تقديره : انقسمتم ، ولا إلى جعل الكلام بعدها دليلا عليه وهو قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152منكم من يريد الدنيا إلى آخرها .
والفشل : الوهن والإعياء ، والتنازع : التخالف ، والمراد بالعصيان هنا عصيان أمر الرسول ، وقد رتبت الفعال الثلاثة في الآية على حسب ترتيبها في الحصول ، إذ كان الفشل ، وهو
nindex.php?page=treesubj&link=30803ضجر بعض الرماة من ملازمة موقفهم للطمع في الغنيمة ، قد حصل أولا فنشأ عنه التنازع بينهم في ملازمة الموقف وفي اللحاق بالجيش للغنيمة ، ونشأ عن التنازع تصميم معظمهم على مفارقة الموقف الذي أمرهم الرسول - عليه الصلاة والسلام - بملازمته وعدم الانصراف منه ، وهذا هو الأصل في ترتيب الأخبار في صناعة الإنشاء ما لم يقتض الحال العدول عنه .
والتعريف في قوله في الأمر عوض عن المضاف إليه أي في أمركم أي شأنكم .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152من بعد ما أراكم ما تحبون أراد به النصر إذ كانت الريح أول يوم
أحد للمسلمين ، فهزموا المشركين ، وولوا الأدبار ، حتى شوهدت نساؤهم مشمرات عن سوقهن في أعلى الجبل هاربات من الأسر ، وفيهن
هند بنت عتبة بن ربيعة امرأة
أبي سفيان ، فلما رأى الرماة الذين أمرهم الرسول أن يثبتوا لحماية ظهور المسلمين ، الغنيمة ، التحقوا بالغزاة ، فرأى
nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد ، وهو قائد خيل المشركين يومئذ ، غرة من المسلمين فأتاهم من ورائهم فانكشفوا واضطرب بعضهم في بعض وبادروا الفرار وانهزموا ، فذلك قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152من بعد ما أراكم ما تحبون فيكون المجرور متعلقا بفشلهم . والكلام على هذا تشديد في الملام والتنديم .
[ ص: 129 ] والأظهر عندي أن يكون معنى ما تحبون هو الغنيمة فإن المال محبوب ، فيكون المجرور يتنازعه كل من فشلتم ، وتنازعتم ، وعصيتم ، وعدل عن ذكر الغنيمة باسمها ، إلى الموصول تنبيها على أنهم عجلوا في طلب المال المحبوب ، والكلام على هذا تمهيد لبساط المعذرة إذ كان فشلهم وتنازعهم وعصيانهم عن سبب من أغراض الحرب وهو المعبر عنه ب
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=52إحدى الحسنيين ولم يكن ذلك عن جبن ، ولا عن ضعف إيمان ، أو قصد خذلان المسلمين ، وكله تمهيد لما يأتي من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152ولقد عفا عنكم .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة تفصيل ل ( تنازعتم ) ، وتبيين ل ( عصيتم ) ، وتخصيص له بأن العاصين بعض المخاطبين المتنازعين إذ الذين أرادوا الآخرة ليسوا بعاصين ، ولذلك أخرت هاته الجملة إلى بعد الفعلين ، وكان مقتضى الظاهر أن يعقب بها قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152وتنازعتم في الأمر وفي هذا الموضع للجملة ما أغنى عن ذكر ثلاث جمل وهذا من أبدع وجوه الإعجاز ، والقرينة واضحة .
والمراد بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152منكم من يريد الدنيا nindex.php?page=treesubj&link=27209إرادة نعمة الدنيا وخيرها ، وهي الغنيمة ، لأن من أراد الغنيمة لم يحرص على ثواب
nindex.php?page=treesubj&link=21075الامتثال لأمر الرسول بدون تأويل ، وليس هو مفرطا في الآخرة مطلقا ، ولا حاسبا تحصيل خير الدنيا في فعله ذلك مفيتا عليه ثواب الآخرة في غير ذلك الفعل ، فليس في هذا الكلام ما يدل على أن الفريق الذين أرادوا ثواب الدنيا قد ارتدوا عن الإيمان حينئذ ، إذ ليس الحرص على تحصيل فائدة دنيوية من فعل من الأفعال ، مع عدم الحرص على تحصيل ثواب الآخرة من ذلك الفعل بدال على استخفاف بالآخرة ، وإنكار لها ، كما هو بين ، ولا حاجة إلى تقدير : منكم من يريد الدنيا فقط . وإنما سميت مخالفة
nindex.php?page=treesubj&link=30525من خالف أمر الرسول عصيانا ، مع أن تلك المخالفة كانت عن اجتهاد لا عن استخفاف ، إذ كانوا قالوا : إن رسول الله أمرنا بالثبات هنا لحماية ظهور المسلمين ، فلما نصر الله المسلمين فما لنا وللوقوف هنا حتى تفوتنا الغنائم ، فكانوا متأولين ، فإنما سميت هنا
[ ص: 130 ] عصيانا لأن المقام ليس مقام اجتهاد ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=25876شأن الحرب الطاعة للقائد من دون تأويل ، أو لأن التأويل كان بعيدا فلم يعذروا فيه ، أو لأنه كان تأويلا لإرضاء حب المال ، فلم يكن مكافئا لدليل وجوب طاعة الرسول .
وإنما قال
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ليدل على أن ذلك الصرف بإذن الله وتقديره ، كما كان القتل بإذن الله وأن حكمته الابتلاء ، ليظهر للرسول وللناس من ثبت على الإيمان من غيره ، ولأن في الابتلاء أسرارا عظيمة في المحاسبة بين العبد وربه سبحانه وقد أجمل هذا الابتلاء هنا وسيبينه .
وعقب هذا الملام بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152ولقد عفا عنكم تسكينا لخواطرهم ، وفي ذلك تلطف معهم على عادة القرآن في تقريع المؤمنين ، وأعظم من ذلك تقديم العفو على الملام في ملام الرسول - عليه السلام - في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=43عفا الله عنك لم أذنت لهم . فتلك رتبة أشرف من رتبة تعقيب الملام بذكر العفو ، وفيه أيضا دلالة على صدق إيمانهم إذ عجل لهم الإعلام بالعفو لكيلا تطير نفوسهم رهبة وخوفا من غضب الله تعالى .
وفي تذييله بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152nindex.php?page=treesubj&link=29703والله ذو فضل على المؤمنين تأكيد ما اقتضاه قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152ولقد عفا عنكم والظاهر أنه عفو لأجل التأويل . فلا يحتاج إلى التوبة ، ويجوز أن يكون عفوا بعدما ظهر منهم من الندم والتوبة ، ولأجل هذا الاحتمال لم تكن الآية صالحة للاستدلال على
الخوارج والمعتزلة القائلين بأن المعصية تسلب الإيمان .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152nindex.php?page=treesubj&link=28974وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحَسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=151سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ وَهَذَا عَوْدٌ إِلَى التَّسْلِيَةِ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ ، وَإِظْهَارٌ لِاسْتِمْرَارِ عِنَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمُؤْمِنِينَ ، وَرَمَزَ إِلَى الثِّقَةِ بِوَعْدِهِمْ بِإِلْقَاءِ الرُّعْبِ فِي قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ ، وَتَبْيِينٍ لِسَبَبِ هَزِيمَةِ الْمُسْلِمِينَ : تَطْمِينًا لَهُمْ بِذِكْرِ نَظِيرِهِ وَمُمَاثِلِهِ السَّابِقِ ، فَإِنَّ لِذَلِكَ مَوْقِعًا عَظِيمًا فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِمْ ( التَّارِيخُ يُعِيدُ نَفْسَهُ ) وَلِيَتَوَسَّلَ
[ ص: 127 ] بِذَلِكَ إِلَى إِلْقَاءِ تَبِعَةِ الْهَزِيمَةِ عَلَيْهِمْ ، وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُخْلِفْهُمْ وَعْدَهُ ، وَلَكِنَّ سُوءَ صَنِيعِهِمْ أَوْقَعَهُمْ فِي الْمُصِيبَةِ كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ .
وَصِدْقُ الْوَعْدِ : تَحْقِيقُهُ وَالْوَفَاءُ بِهِ ، لِأَنَّ مَعْنَى الصِّدْقِ مُطَابَقَةُ الْخَبَرِ لِلْوَاقِعِ ، وَقَدْ عُدِّيَ صَدَقَ هُنَا إِلَى مَفْعُولَيْنِ ، وَحَقُّهُ أَنْ لَا يَتَعَدَّى إِلَّا إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=23مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ يُقَالُ : صَدَقَنِي أَخُوكَ وَكَذَبَنِي إِذَا قَالَ لَكَ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ ، وَأَمَّا الْمَثَلُ ( صَدَقَنِي سِنَّ بَكْرِهِ ) فَمَعْنَاهُ صَدَقَنِي فِي سِنِّ بَكْرِهِ بِطَرْحِ الْجَارِّ وَإِيصَالِ الْفِعْلِ . فَنُصِبَ وَعْدُهُ هُنَا عَلَى الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ ، وَأَصْلُ الْكَلَامِ صَدَقَكُمْ فِي وَعْدِهِ ، أَوْ عَلَى تَضْمِينِ صَدَقَ مَعْنَى أَعْطَى .
وَالْوَعْدُ هُنَا
nindex.php?page=treesubj&link=29677وَعْدُ النَّصْرِ الْوَاقِعِ بِمِثْلِ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=7يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ أَوْ بِخَبَرٍ خَاصٍّ فِي يَوْمِ
أُحُدٍ .
وَإِذْنُ اللَّهِ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ وَتَيْسِيرِ الْأَسْبَابِ .
وَإِذْ فِي قَوْلِهِ : ( إِذْ تَحُسُّونَهُمْ ) نَصْبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ لِقَوْلِهِ صَدَقَكُمْ أَيْ : صَدَقَكُمُ اللَّهُ الْوَعْدَ حِينَ كُنْتُمْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْحِسَّ تَحْقِيقٌ لِوَعْدِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِالنَّصْرِ ، وَإِذْ فِيهِ لِلْمُضِيِّ ، وَأُتِيَ بَعْدَهَا بِالْمُضَارِعِ لِإِفَادَةِ التَّجَدُّدِ أَيْ لِحِكَايَةِ تَجَدُّدِ الْحَسِّ فِي الْمَاضِي .
وَالْحَسُّ - بِفَتْحِ الْحَاءِ - الْقَتْلُ أَطْلَقَهُ أَكْثَرُ اللُّغَوِيِّينَ ، وَقَيَّدَهُ فِي الْكَشَّافِ بِالْقَتْلِ الذَّرِيعِ ، وَهُوَ أَصْوَبُ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ حَتَّى حَرْفُ انْتِهَاءٍ وَغَايَةٍ ، يُفِيدُ أَنَّ مَضْمُونَ الْجُمْلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا غَايَةٌ لِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ، فَالْمَعْنَى : إِذْ تَقْتُلُونَهُمْ بِتَيْسِيرِ اللَّهِ ، وَاسْتَمَرَّ قَتْلُكُمْ إِيَّاهُمْ إِلَى حُصُولِ الْفَشَلِ لَكُمْ وَالتَّنَازُعِ بَيْنَكُمْ .
وَحَتَّى هُنَا جَارَّةٌ وَإِذَا مَجْرُورٌ بِهَا .
[ ص: 128 ] وَإِذَا اسْمُ زَمَانٍ ، وَهُوَ فِي الْغَالِبِ لِلزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ وَقَدْ يَخْرُجُ عَنْهُ إِلَى الزَّمَانِ مُطْلَقًا كَمَا هُنَا ، وَلَعَلَّ نُكْتَةَ ذَلِكَ أَنَّهُ أُرِيدَ اسْتِحْضَارُ الْحَالَةِ الْعَجِيبَةِ تَبَعًا لِقَوْلِهِ تَحُسُّونَهُمْ .
وَإِذَا هُنَا مُجَرَّدَةٌ عَنْ مَعْنَى الشَّرْطِ لِأَنَّهَا إِذَا صَارَتْ لِلْمُضِيِّ انْسَلَخَتْ عَنِ الصَّلَاحِيَةِ لِلشَّرْطِيَّةِ ، إِذِ الشَّرْطُ لَا يَكُونُ مَاضِيًا إِلَّا بِتَأْوِيلٍ لِذَلِكَ فَهِيَ غَيْرُ مُحْتَاجَةٍ لِجَوَابٍ فَلَا فَائِدَةَ فِي تَكَلُّفِ تَقْدِيرِهِ : انْقَسَمْتُمْ ، وَلَا إِلَى جَعْلِ الْكَلَامِ بَعْدَهَا دَلِيلًا عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا إِلَى آخِرِهَا .
وَالْفَشَلُ : الْوَهَنُ وَالْإِعْيَاءُ ، وَالتَّنَازُعُ : التَّخَالُفُ ، وَالْمُرَادُ بِالْعِصْيَانِ هُنَا عِصْيَانُ أَمْرِ الرَّسُولِ ، وَقَدْ رُتِّبَتِ الْفِعَالُ الثَّلَاثَةُ فِي الْآيَةِ عَلَى حَسْبِ تَرْتِيبِهَا فِي الْحُصُولِ ، إِذْ كَانَ الْفَشَلُ ، وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=30803ضَجَرُ بَعْضِ الرُّمَاةِ مِنْ مُلَازَمَةِ مَوْقِفِهِمْ لِلطَّمَعِ فِي الْغَنِيمَةِ ، قَدْ حَصَلَ أَوَّلًا فَنَشَأَ عَنْهُ التَّنَازُعُ بَيْنَهُمْ فِي مُلَازَمَةِ الْمَوْقِفِ وَفِي اللَّحَاقِ بِالْجَيْشِ لِلْغَنِيمَةِ ، وَنَشَأَ عَنِ التَّنَازُعِ تَصْمِيمُ مُعْظَمِهِمْ عَلَى مُفَارَقَةِ الْمَوْقِفِ الَّذِي أَمَرَهُمُ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِمُلَازَمَتِهِ وَعَدَمِ الِانْصِرَافِ مِنْهُ ، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي تَرْتِيبِ الْأَخْبَارِ فِي صِنَاعَةِ الْإِنْشَاءِ مَا لَمْ يَقْتَضِ الْحَالُ الْعُدُولَ عَنْهُ .
وَالتَّعْرِيفُ فِي قَوْلِهِ فِي الْأَمْرِ عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ أَيْ فِي أَمْرِكُمْ أَيْ شَأْنِكُمْ .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ أَرَادَ بِهِ النَّصْرَ إِذْ كَانَتِ الرِّيحُ أَوَّلَ يَوْمِ
أُحُدٍ لِلْمُسْلِمِينَ ، فَهَزَمُوا الْمُشْرِكِينَ ، وَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ، حَتَّى شُوهِدَتْ نِسَاؤُهُمْ مُشَمِّرَاتٍ عَنْ سُوقِهِنَّ فِي أَعْلَى الْجَبَلِ هَارِبَاتٍ مِنَ الْأَسْرِ ، وَفِيهِنَّ
هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ امْرَأَةُ
أَبِي سُفْيَانَ ، فَلَمَّا رَأَى الرُّمَاةُ الَّذِينَ أَمَرَهُمُ الرَّسُولُ أَنْ يَثْبُتُوا لِحِمَايَةِ ظُهُورِ الْمُسْلِمِينَ ، الْغَنِيمَةَ ، الْتَحَقُوا بِالْغُزَاةِ ، فَرَأَى
nindex.php?page=showalam&ids=22خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ، وَهُوَ قَائِدُ خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ ، غِرَّةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَتَاهُمْ مِنْ وَرَائِهِمْ فَانْكَشَفُوا وَاضْطَرَبَ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ وَبَادَرُوا الْفِرَارَ وَانْهَزَمُوا ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ فَيَكُونُ الْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقًا بِفَشَلِهِمْ . وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا تَشْدِيدٌ فِي الْمَلَامِ وَالتَّنْدِيمِ .
[ ص: 129 ] وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَى مَا تُحِبُّونَ هُوَ الْغَنِيمَةُ فَإِنَّ الْمَالَ مَحْبُوبٌ ، فَيَكُونُ الْمَجْرُورُ يَتَنَازَعُهُ كُلٌّ مِنْ فَشِلْتُمْ ، وَتَنَازَعْتُمْ ، وَعَصَيْتُمْ ، وَعَدَلَ عَنْ ذِكْرِ الْغَنِيمَةِ بِاسْمِهَا ، إِلَى الْمَوْصُولِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُمْ عَجِلُوا فِي طَلَبِ الْمَالِ الْمَحْبُوبِ ، وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا تَمْهِيدٌ لِبِسَاطِ الْمَعْذِرَةِ إِذْ كَانَ فَشَلُهُمْ وَتَنَازُعُهُمْ وَعِصْيَانُهُمْ عَنْ سَبَبٍ مِنْ أَغْرَاضِ الْحَرْبِ وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=52إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَنْ جُبْنٍ ، وَلَا عَنْ ضَعْفِ إِيمَانٍ ، أَوْ قَصْدِ خِذْلَانِ الْمُسْلِمِينَ ، وَكُلُّهُ تَمْهِيدٌ لِمَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ تَفْصِيلٌ لِ ( تَنَازَعْتُمْ ) ، وَتَبْيِينٌ لِ ( عَصَيْتُمْ ) ، وَتَخْصِيصٌ لَهُ بِأَنَّ الْعَاصِينَ بَعْضُ الْمُخَاطَبِينَ الْمُتَنَازِعِينَ إِذِ الَّذِينَ أَرَادُوا الْآخِرَةَ لَيْسُوا بِعَاصِينَ ، وَلِذَلِكَ أُخِّرَتْ هَاتِهِ الْجُمْلَةُ إِلَى بَعْدِ الْفِعْلَيْنِ ، وَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُعَقِّبَ بِهَا قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِلْجُمْلَةِ مَا أَغْنَى عَنْ ذِكْرِ ثَلَاثِ جُمَلٍ وَهَذَا مِنْ أَبْدَعِ وُجُوهِ الْإِعْجَازِ ، وَالْقَرِينَةُ وَاضِحَةٌ .
وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا nindex.php?page=treesubj&link=27209إِرَادَةُ نِعْمَةِ الدُّنْيَا وَخَيْرِهَا ، وَهِيَ الْغَنِيمَةُ ، لِأَنَّ مَنْ أَرَادَ الْغَنِيمَةَ لَمْ يَحْرِصْ عَلَى ثَوَابِ
nindex.php?page=treesubj&link=21075الِامْتِثَالِ لِأَمْرِ الرَّسُولِ بِدُونِ تَأْوِيلٍ ، وَلَيْسَ هُوَ مُفَرِّطًا فِي الْآخِرَةِ مُطْلَقًا ، وَلَا حَاسِبًا تَحْصِيلَ خَيْرِ الدُّنْيَا فِي فِعْلِهِ ذَلِكَ مُفِيتًا عَلَيْهِ ثَوَابَ الْآخِرَةِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْفِعْلِ ، فَلَيْسَ فِي هَذَا الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَرِيقَ الَّذِينَ أَرَادُوا ثَوَابَ الدُّنْيَا قَدِ ارْتَدُّوا عَنِ الْإِيمَانِ حِينَئِذٍ ، إِذْ لَيْسَ الْحِرْصُ عَلَى تَحْصِيلِ فَائِدَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ مِنْ فِعْلٍ مِنَ الْأَفْعَالِ ، مَعَ عَدَمِ الْحِرْصِ عَلَى تَحْصِيلِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ بِدَالٍّ عَلَى اسْتِخْفَافٍ بِالْآخِرَةِ ، وَإِنْكَارٍ لَهَا ، كَمَا هُوَ بَيِّنٌ ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى تَقْدِيرِ : مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا فَقَطْ . وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ مُخَالَفَةُ
nindex.php?page=treesubj&link=30525مَنْ خَالَفَ أَمْرَ الرَّسُولِ عِصْيَانًا ، مَعَ أَنَّ تِلْكَ الْمُخَالَفَةَ كَانَتْ عَنِ اجْتِهَادٍ لَا عَنِ اسْتِخْفَافٍ ، إِذْ كَانُوا قَالُوا : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَمَرَنَا بِالثَّبَاتِ هُنَا لِحِمَايَةِ ظُهُورِ الْمُسْلِمِينَ ، فَلَمَّا نَصَرَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ فَمَا لَنَا وَلِلْوُقُوفِ هُنَا حَتَّى تَفُوتَنَا الْغَنَائِمُ ، فَكَانُوا مُتَأَوِّلِينَ ، فَإِنَّمَا سُمِّيَتْ هُنَا
[ ص: 130 ] عِصْيَانًا لِأَنَّ الْمَقَامَ لَيْسَ مَقَامَ اجْتِهَادٍ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=25876شَأْنَ الْحَرْبِ الطَّاعَةُ لِلْقَائِدِ مِنْ دُونِ تَأْوِيلٍ ، أَوْ لِأَنَّ التَّأْوِيلَ كَانَ بَعِيدًا فَلَمْ يُعْذَرُوا فِيهِ ، أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ تَأْوِيلًا لِإِرْضَاءِ حُبِّ الْمَالِ ، فَلَمْ يَكُنْ مُكَافِئًا لِدَلِيلِ وُجُوبِ طَاعَةِ الرَّسُولِ .
وَإِنَّمَا قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الصَّرْفَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَتَقْدِيرِهِ ، كَمَا كَانَ الْقَتْلُ بِإِذْنِ اللَّهِ وَأَنَّ حِكْمَتَهُ الِابْتِلَاءُ ، لِيَظْهَرَ لِلرَّسُولِ وَلِلنَّاسِ مَنْ ثَبَتَ عَلَى الْإِيمَانِ مِنْ غَيْرِهِ ، وَلِأَنَّ فِي الِابْتِلَاءِ أَسْرَارًا عَظِيمَةً فِي الْمُحَاسَبَةِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَقَدْ أَجْمَلَ هَذَا الِابْتِلَاءَ هُنَا وَسَيُبَيِّنُهُ .
وَعَقَّبَ هَذَا الْمَلَامَ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ تَسْكِينًا لِخَوَاطِرِهِمْ ، وَفِي ذَلِكَ تَلَطُّفٌ مَعَهُمْ عَلَى عَادَةِ الْقُرْآنِ فِي تَقْرِيعِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ تَقْدِيمُ الْعَفْوِ عَلَى الْمَلَامِ فِي مَلَامِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=43عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ . فَتِلْكَ رُتْبَةٌ أَشْرَفُ مِنْ رُتْبَةِ تَعْقِيبِ الْمَلَامِ بِذِكْرِ الْعَفْوِ ، وَفِيهِ أَيْضًا دَلَالَةٌ عَلَى صِدْقِ إِيمَانِهِمْ إِذْ عَجَّلَ لَهُمُ الْإِعْلَامَ بِالْعَفْوِ لِكَيْلَا تَطِيرَ نُفُوسُهُمْ رَهْبَةً وَخَوْفًا مِنْ غَضَبِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَفِي تَذْيِيلِهِ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152nindex.php?page=treesubj&link=29703وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ تَأْكِيدُ مَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَفْوٌ لِأَجْلِ التَّأْوِيلِ . فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّوْبَةِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَفْوًا بَعْدَمَا ظَهَرَ مِنْهُمْ مِنَ النَّدَمِ وَالتَّوْبَةِ ، وَلِأَجْلِ هَذَا الِاحْتِمَالِ لَمْ تَكُنِ الْآيَةُ صَالِحَةً لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى
الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ تَسْلُبُ الْإِيمَانَ .