الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2374 - وعن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن الله كتب الحسنات والسيئات ، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، فإن هم بها فعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة ، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة " متفق عليه .

التالي السابق


2374 - ( وعن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الله كتب الحسنات والسيئات ) أي : أثبتها في سابق علمه وأمر الملائكة بكتبهما في اللوح أو بينهما وعينهما في كتابه ، أو قضاهما وقدرهما أو أمر الحفظة بكتابتهما ليوازنهما ، أو صحفهما يوم القيامة ، والمراد بالحسنات ما يتعلق به الثواب ، وبالسيئات ما يستحق فاعله العقاب ، وفي رواية الأربعين " ثم بين ذلك " أي : مقدارهما ، وعين مبلغهما للسفرة الكرام بأن بعضها يجازى بعشر أو سبعين أو سبعمائة إلى غير ذلك ، أو بينه في التنزيل ، أو فصل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك الإجمال بما بعده فيكون من كلام الراوي ، ويدل عليه تركه في هذا الكتاب ، وذكر اسم الإشارة باعتبار المذكور ( فمن هم ) قال الطيبي : الفاء للتفصيل لأن قوله كتب الحسنات مجمل لم يعرف منه كيفية الكتابة أي : فمن قصد ( بحسنة ) وصمم على فعلها ( فلم يعملها ) أي : لم يتيسر له عملها لعذر ( كتبها الله له عنده حسنة كاملة ) مفعول ثان باعتبار تضمين معنى التصبير ، أو حال موطئة وذلك لأن العمل بالنية ونية المؤمن خير من عمله ; فإنه يثاب على النية بدون العمل ولا يثاب على العمل بدون النية ، لكن لا يضاعف ثواب الحسنة بالنية المجردة ( فإن هم بها فعملها ) بأن جمع بين النية والعمل ( كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ) أي : لمن شاء من عباده تفضلا وإحسانا ، وهذه المراتب بحسب التفاوت في العمل إخلاصا ومراعاة بشرائطه وآدابه ، قال السيد : إن هذا التضعيف لا يعلم أحدكم هو وما هو ، وإنما أبهمه الله تعالى لأن ذكر المبهم من باب الترغيب أقوى من ذكر المحدود ، ولذا قال تعالى : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين وفي الحديث القدسي ( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ) ( ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة ) جوزي بحسنة كاملة لأنه ممن خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ، فإنه إنما تركها بعد أن هم بها مراقبة لله وحذرا منه مع القدرة عليها ، لا إن هم فلم يعمل للعجز ( فإن هو ) أي : الشأن أو مريد العمل ( هم بها فعملها ) أي : جمع بين القصد والعمل احترازا من الخطأ والزلل وليس لفظ ( هو ) في الأربعين بل لفظه ( وإن ) [ ص: 1646 ] هم بها فعملها ( كتبها الله له سيئة واحدة ) قال ابن الملك : وإنما كان كذلك لأن رحمته أكثر من غضبه ، قال ابن حجر : فيه دليل على أن لا مؤاخذة بالهم ، وهو الأصح خلافا لمن زعم المؤاخذة به ، والكلام كما علمت من الحديث في الهم الذي لم ينضم إليه تصميم ، أما المنضم إليه ذلك فهو سيئة على الأصح أيضا . اهـ . وليس على إطلاقه بل التحقيق عدم المؤاخذة فيما لا اختيار له لقوله تعالى : إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( إنما يحشر الناس على نياتهم ) وللإجماع على المؤاخذة بالكبر والعجب والرياء إلا أن يمتنع لأجله تعالى فيمحوه ، أو يباشره فيكتب له سيئة واحدة فضلا منه تعالى ( متفق عليه ) قال النووي : فانظر يا أخي - وفقني الله وإياك - إلى عظم لطف الله ، وتأمل هذه الألفاظ . وقوله : ( عنده ) إشارة إلى الاعتناء بها وقوله : ( كاملة ) للتوكيد وشدة الاعتناء بها ، وقال في السيئة التي هم بها ثم تركها : كتبها الله عنده حسنة كاملة ، فأكدها بكاملة ، وإن عملها كتبها سيئة واحدة فأكد تقليلها بواحدة ، فلله الحمد والمنة .




الخدمات العلمية