الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          ؟ 468 - مسألة : قال علي : وكل ما عمله المرء في صلاته سهوا من كلام أو إنشاد شعر ، أو مشي أو اضطجاع ، أو استدبار القبلة أو عمل أي عمل كان ، أو أكل أو شرب ، أو زيادة ركعة أو ركعات ، أو خروج إلى تطوع - كثر ذلك أو قل - أو تسليم قبل تمامها ، فإنه متى ذكر - طال زمانه أو قصر ، ما لم ينتقض وضوءه - : فإنه يتم ما ترك فقط ، ثم يسجد سجدتي السهو ، إلا انتقاض الوضوء ، فإنه تبطل به الصلاة ، لما ذكرنا قبل ؟ برهان ذلك - : ما ذكرناه في المسألة التي قبل هذه متصلة بها .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 78 ] وقال أبو حنيفة : من تكلم في صلاته ساهيا : بطلت صلاته .

                                                                                                                                                                                          فإن سلم منها ساهيا : لم تبطل صلاته .

                                                                                                                                                                                          فإن أكل ساهيا - أو زاد ركعة ، ولم يكن جلس في آخرها مقدار التشهد : بطلت صلاته - فإن بال أو تغوط بغلبة : لم تبطل صلاته .

                                                                                                                                                                                          فإن عطس فقال " الحمد لله " محركا بها لسانه : بطلت صلاته

                                                                                                                                                                                          قال علي : وهذا الكلام فيه من التخليط والقبح - مع مخالفة السنة - ما نسأل الله تعالى السلامة من مثله - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو جعفر محمد بن الصباح وأبو بكر بن أبي شيبة قالا : ثنا إسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية - عن الحجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي قال { بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم ، فقلت : يرحمك الله ، فرماني القوم بأبصارهم ، فقلت : واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت ، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ، ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني ، قال : إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } . حدثنا حمام بن أحمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن : قرئ على أبي قلابة وأنا أسمع : حدثكم بشر بن عمر الزهراني حدثني رفاعة بن يحيى إمام مسجد بني زريق قال : سمعت معاذ بن رفاعة بن رافع يحدث عن أبيه قال : { صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فعطس رجل خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال : الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى ، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا كلهم يبتدرونها أيهم يكتبها ويصعد بها إلى السماء } [ ص: 79 ] فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غبط الذي حمد الله تعالى إذا عطس في الصلاة جاهرا بذلك ، ولم يلزم الذي تكلم ناسيا بإعادة ، على ما ذكرنا فيما خلا من هذا الديوان ؟ . قال علي : وأما من فرق بين قليل العمل وكثيره ، فأبطل الصلاة بكثيره ولم يبطلها بقليله ، أو رأى سجود السهو في كثيره ولم يره في قليله ، أو حد الكثير بالخروج عن المسجد والقليل بأن لا يخرج عنه - : فكلام في غاية الفساد ونسألهم : عمن رمى نزقا لنسج مرة واحدة عامدا في الصلاة . أو أخذ حبة سمسمة عمدا ذاكرا فأكلها . أو تكلم بكلمة واحدة ذاكرا . فمن قولهم : إن قليل هذا وكثيره يبطل الصلاة . فنسألهم : عمن كثر حكه لجسده محتاجا إلى ذلك من أول صلاته إلى آخرها ، وكان عليه كساء فلوت فاضطر إلى جمعه على نفسه من أول الصلاة إلى آخرها . فمن قولهم : هذا كله مباح في الصلاة ؟ قلنا : صدقتم ، فهاتوا نصا أو إجماعا - غير مدعى بلا علم - على أن ههنا أعمالا يبطل الصلاة كثيرها ولا يبطلها قليلها . ثم هاتو نصا أو إجماعا متيقنا - : غير مدعى بالكذب على تحديد القليل من الكثير ولا سبيل إلى ذلك أبدا ؟ فصح ما قلناه : من أن كل عمل أبيح في الصلاة بالنص - : فقليله وكثيره مباح فيها ، وكل عمل لم يبح بالنص في الصلاة : فقليله وكثيره يبطل الصلاة بالعمد ، ويوجب سجود السهو إذا كان سهوا . وأما الخروج عن المسجد فرب مسجد يكون طوله أزيد من ثلاثمائة خطوة [ ص: 80 ] ورب مسجد يخرج منه بخطوة واحدة - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          { وقد سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ساهيا وتكلم وراجع وخرج عن المسجد ودخل بيته ثم عرف فخرج فأتم ما بقي من صلاته وسجد لسهوه سجدتين فقط } . وقد قال عليه السلام { من رغب عن سنتي فليس مني } .

                                                                                                                                                                                          وبهذا يبطل أيضا قول من قال " لكل سهو في الصلاة سجدتان " . وأما من قال : إن تطاولت المدة على من ترك سجود السهو بطلت صلاته ولزمه إعادتها ، وقول من قال : إن تطاولت المدة عليه سقط عنه سجود السهو وصحت صلاته - : فقولان في غاية الفساد ؟ وأول ذلك - : أنهما قولان بلا برهان ، وما كان هكذا فهو باطل ؟

                                                                                                                                                                                          والثاني : أنه يلزمهم الفرق بين تطاول المدة وبين قصرها بنص صحيح أو إجماع متيقن غير مدعى بالكذب ، ولا سبيل إلى ذلك ؟ والحق في هذا : هو أن من أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بسجدتي السهو فقد لزمه أداء ما أمره به ، ولا يسقطه عنه رأي ذي رأي ، وعليه أن يفعل ما أمره به أبدا ، ولا يسقطه عنه إلا تحديد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك العمل بوقت محدود الآخر ؟ والعجب من قوم أتوا إلى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة في وقت محدود الطرفين ، وبالصيام في وقت محدود الطرفين - فقالوا : لا يسقط عملهما ؟ وإن بطل ذلك الوقت الذي جعله الله تعالى وقتا لهما ولم يجعل ما عدا ذلك الوقت وقتا لهما ثم أتوا إلى سجود السهو الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم إصلاحا لما وهم فيه من فروض الصلاة ، وأطلق بالأمر به ولم يحده - : فأبطلوه بوقت حدوه من قبل أنفسهم وقولنا هذا هو قول الأوزاعي ، وقال به الشافعي في أول قوليه .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية