الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما تجمعون ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون .

ذكر ترغيبا وترهيبا ، فجعل الموت في سبيل الله والموت في غير سبيل الله ، إذا أعقبتهما المغفرة خيرا من الحياة وما يجمعون فيها ، وجعل الموت والقتل في سبيل الله وسيلة للحشر والحساب فليعلم أحد بماذا يلاقي ربه . والواو للعطف على قوله لا تكونوا كالذين كفروا وعلى قوله والله يحيي ويميت .

واللام في قوله : ولئن قتلتم موطئة للقسم أي مؤذنة بأن قبلها قسما مقدرا ، ورد بعده شرط فلذلك لا تقع إلا مع الشرط . واللام في قوله لمغفرة هي لام جواب القسم . والجواب هو قوله لمغفرة من الله ورحمة خير لظهور أن التقدير : لمغفرة ورحمة لكم . وقرأه نافع ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف : متم - بكسر الميم - على لغة الحجاز لأنهم جعلوا ماضيه مثل خاف ، اعتبروه مكسور العين وجعلوا مضارعه من باب قام فقالوا : يموت ، ولم يقولوا : يمات ، فهو من تداخل اللغتين . وأما سفلى مضر فقد جاءوا به في الحالين من باب : قام فقرءوه : متم . وبها قرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وأبو جعفر ، ويعقوب . وقرأ الجمهور ، مما تجمعون بتاء الخطاب وقرأ حفص عن عاصم بياء الغائب على أن الضمير عائد إلى المشركين أي خير لكم من غنائم المشركين التي جمعوها وطمعتم أنتم في غنمها .

وقدم القتل في الأولى والموت في الثانية اعتبارا بعطف ما يظن أنه أبعد عن الحكم فإن كون القتل في سبيل الله سببا للمغفرة أمر قريب ، ولكن كون الموت في غير السبيل مثل ذلك أمر خفي مستبعد ، وكذلك تقديم الموت في [ ص: 144 ] الثانية لأن القتل في سبيل الله قد يظن أنه بعيد عن أن يعقبه الحشر ، مع ما فيه من التفنن ، ومن رد العجز على الصدر وجعل القتل مبدأ الكلام وعوده .

التالي السابق


الخدمات العلمية