الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2527 حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد أبو عبد الصمد العمي عن أبي عمران الجوني عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن في الجنة جنتين آنيتهما وما فيهما من فضة وجنتين آنيتهما وما فيهما من ذهب وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن في الجنة لخيمة من درة مجوفة عرضها ستون ميلا في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وأبو عمران الجوني اسمه عبد الملك بن حبيب وأبو بكر بن أبي موسى قال أحمد بن حنبل لا يعرف اسمه وأبو موسى الأشعري اسمه عبد الله بن قيس وأبو مالك الأشعري اسمه سعد بن طارق بن أشيم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس ) عبد الله بن قيس هذا هو أبو موسى الأشعري وابنه أبو بكر اسمه عمرو أو عامر ثقة من الثالثة ( عن أبيه ) أي عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار ، كنيته أبو موسى الأشعري صحابي مشهور ، أقره عمر ثم عثمان ، وهو أحد الحكمين بصفين .

                                                                                                          قوله : ( إن في الجنة جنتين من فضة آنيتهما وما فيهما ) أي من القصور والأثاث كالسرر وكقضبان الأشجار وأمثال ذلك قيل ، قوله من فضة خبر " آنيتهما " والجملة صفة " جنتين " أو " من فضة " صفة قوله " جنتين " وخبر " آنيتهما " محذوف ؛ أي آنيتهما وما فيهما كذلك ، وكذا من جهة المبنى والمعنى قوله : ( وجنتين من ذهب آنيتهما وما فيهما ) ثم ظاهره أن جنتين من فضة لا من ذهب وجنتين بالعكس فالجمع بينه وبين حديث صفة بناء الجنة من أن لبنة من ذهب ولبنة من فضة أن الأول صفة ما في الجنة من آنية وغيرها والثاني صفة حوائط الجنة . ويؤيده أنه وقع عند البيهقي في البعث في حديث أبي سعيد أن الله أحاط حائط الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة ( وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء [ ص: 197 ] الكبرياء ) . قال عياض : كانت العرب تستعمل الاستعارة كثيرا وهو أرفع أدوات بديع فصاحتها وإيجازها ومنه قوله تعالى : جناح الذل فمخاطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم برداء الكبرياء على وجهه ونحو ذلك من هذا المعنى . ومن لم يفهم ذلك تاه ، فمن أجرى الكلام على ظاهره أفضى به الأمر إلى التجسيم ، ومن لم يتضح له وعلم أن الله منزه عن الذي يقتضيه ظاهرها إما أن يكذب نقلتها وإما أن يؤولها ، أن يقال استعار لعظيم سلطان الله وكبريائه وعظمته وهيبته وجلاله المانع إدراك أبصار البشر مع ضعفها لذلك رداء الكبرياء فإذا شاء تقوية أبصارهم وقلوبهم كشف عنهم حجاب هيبته وموانع عظمته انتهى ملخصا . وقال الكرماني ما حاصله : إن رداء الكبرياء مانع عن الرؤية فكان في الكلام حذفا تقديره بعد قوله " إلا رداء الكبرياء " فإنه يمن عليهم برفعه ، فيحصل لهم الفوز بالنظر إليه ، فكأن المراد أن المؤمن ن إذا تبوءوا مقاعدهم من الجنة لولا ما عندهم من هيبة ذي الجلال لما حال بينهم وبين الرؤية حائل ، فإذا أراد إكرامهم حفهم برأفته وتفضل عليهم بتقويتهم على النظر إليه سبحانه . قال الحافظ : ثم وجدت في حديث صهيب في تفسير قوله تعالى : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ما يدل على أن المراد برداء الكبرياء في حديث أبي موسى الحجاب المذكور في حديث صهيب وأنه سبحانه يكشف لأهل الجنة إكراما لهم . والحديث عند مسلم والترمذي والنسائي وابن خزيمة وابن حبان ولفظ مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : إذا دخل أهل الجنة يقول الله -عز وجل- تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون ألم تبيض وجوهنا وتدخلنا الجنة ، قال فيكشف لهم الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم منه ثم تلا هذه الآية : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة أخرجه مسلم عقب حديث أبي موسى ، ولعله أشار إلى تأويله به .

                                                                                                          وقال القرطبي في المفهم : الرداء استعارة كنى بها عن العظمة كما في الحديث الآخر : الكبرياء ردائي والعظمة إزاري ، وليس المراد الثياب المحسوسة لكن المناسبة أن الرداء والإزار لما كانا متلازمين للمخاطب من العرب عبر عن العظمة والكبرياء بهما ، ومعنى حديث الباب أن مقتضى عزة الله واستغنائه أن لا يراه أحد لكن رحمته للمؤمنين اقتضت أن يريهم وجهه كمالا للنعمة ، فإذا زال المانع فعل منهم خلاف مقتضى الكبرياء ، فكأنه رفع عنهم حجابا كان يمنعهم ، انتهى . ( على وجهه ) حال من رداء الكبرياء ( في جنة عدن ) راجع إلى القوم . وقال عياض معناه راجع إلى الناظرين أي وهم في جنة عدن لا إلى الله فإنه لا تحويه الأمكنة سبحانه وتعالى . وقال القرطبي : متعلق بمحذوف في موضع الحال من القوم مثل كائنين في جنة عدن .

                                                                                                          [ ص: 198 ] قوله : ( إن في الجنة لخيمة ) أي عظيمة ( مجوفة ) أي واسعة الجوف ( عرضها ) في رواية " طولها " ويتحصل بالروايتين أن طولها وعرضها كل واحد منهما ستون ميلا ( في كل زاوية ) أي من الزوايا الأربع ( منها ) أي من تلك الخيمة ( أهل ) في رواية مسلم أهل للمؤمن ( لا يرون ) أي ذلك الأهل وجمع باعتبار معناه ( الآخرين ) أي الجمع الآخرين من الأهل الكائنين في زاوية أخرى ( يطوف عليهم ) أي يدور على جميعهم ( المؤمن ) قيل إن المعنى يجامع المؤمن الأهل وأن الطواف هنا كناية عن المجامعة .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان وغيرهما .




                                                                                                          الخدمات العلمية