الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2552 حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله للذين أحسنوا الحسنى وزيادة قال إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد إن لكم عند الله موعدا قالوا ألم يبيض وجوهنا وينجنا من النار ويدخلنا الجنة قالوا بلى قال فينكشف الحجاب قال فوالله ما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه قال أبو عيسى هذا حديث إنما أسنده حماد بن سلمة ورفعه وروى سليمان بن المغيرة وحماد بن زيد هذا الحديث عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قوله [ ص: 226 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 226 ] قوله : ( للذين أحسنوا ) أي الذين أجادوا الأعمال الصالحة في الدنيا وقربوها بالإخلاص ( الحسنى ) أي المثوبة الحسنى وهي الجنة ( وزيادة ) أي النظر لوجهه الكريم ، ونكرها لتفيد ضربا من التفخيم والتعظيم بحيث لا يعرف قدرها ولا يكتنه كنهها ( نادى مناد إن لكم عند الله موعدا ) أي بقي شيء زائد مما وعده الله لكم من النعم ، وفي رواية مسلم يقول الله تبارك وتعالى تريدون شيئا أزيدكم ( وينجنا ) بتشديد الجيم ويخفف ( من النار ) أي دخولها وخلودها . قال الطيبي : تقرير وتعجيب من أنه كيف يمكن الزيادة على ما أعطاهم الله تعالى من سعة فضله وكرمه ( قالوا بلى ) كذا في النسخ الموجودة قالوا بصيغة الجمع والظاهر أن يكون قال بصيغة الإفراد لأن الضمير يرجع إلى مناد ( فيكشف الحجاب ) وزاد مسلم : فينظرون إلى وجه الله ، والظاهر أن المراد بالحجاب حجاب النور الذي وقع في حديث أبي موسى عند مسلم ولفظه : حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه قال الطيبي في شرح حديث أبي موسى هذا : إن فيه إشارة إلى أن حجابه خلاف الحجب المعهودة فهو محتجب عن الخلق بأنوار عزه وجلاله وأشعة عظمته وكبريائه ، وذلك هو الحجاب الذي تدهش دونه العقول وتبهت الأبصار وتتحير البصائر فلو كشفه فتجلى لما وراءه بحقائق الصفات وعظمة الذات لم يبق مخلوق إلا احترق ولا منظور إلا اضمحل . وأصل الحجاب الستر الحائل بين الرائي والمرئي والمراد به هنا منع الأبصار من الرؤية له بما ذكر فقام ذلك المنع مقام الستر الحائل فعبر به عنه ، وقد ظهر من نصوص الكتاب والسنة أن الحالة المشار إليها في هذا الحديث هي في دار الدنيا المعدة للفناء دون دار الآخرة المعدة للبقاء . والحجاب في هذا الحديث وغيره يرجع إلى الخلق لأنهم هم المحجوبون عنه . وحديث صهيب هذا أخرجه أيضا مسلم والنسائي وابن خزيمة وابن حبان .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث إنما أسنده حماد بن سلمة ورفعه إلخ ) قال النووي : هذا الحديث [ ص: 227 ] هكذا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن ابن أبي ليلى عن صهيب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- : قال أبو عيسى الترمذي وأبو مسعود الدمشقي وغيرهما : لم يروه هكذا مرفوعا عن ثابت غير حماد بن سلمة ورواه سليمان بن المغيرة وحماد بن زيد وحماد بن واقد عن ثابت عن ابن أبي ليلى من قوله ليس فيه ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا ذكر صهيب ، وهذا الذي قال هؤلاء ليس بقادح في صحة الحديث فقد قدمنا في الفصول أن المذهب الصحيح المختار الذي ذهب إليه الفقهاء وأصحاب الأصول والمحققون من المحدثين وصححه الخطيب البغدادي أن الحديث إذا رواه بعض الثقات متصلا وبعضهم مرسلا وبعضهم مرفوعا ، وبعضهم موقوفا ، حكم بالمتصل وبالمرفوع ؛ لأنهما زيادة ثقة ، وهي مقبولة عند الجماهير من كل الطوائف ، انتهى كلام النووي .




                                                                                                          الخدمات العلمية