الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) ثم قال تعالى :

                                                                                                                                                                                                                                            ( كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون )

                                                                                                                                                                                                                                            والمقت هو البغض ، ومن استوجب مقت الله لزمه العذاب ، قال صاحب الكشاف المقت أشد البغض وأبلغه وأفحشه ، وقال الزجاج : " أن " في موضع رفع و : " مقتا " منصوب على التمييز ، والمعنى : كبر قولكم ما لا تفعلون مقتا عند الله ، وهذا كقوله تعالى : ( كبرت كلمة ) [ الكهف : 5 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص )

                                                                                                                                                                                                                                            قرأ زيد بن علي : يقاتلون بفتح التاء ، وقرئ يقتلون أي يصفون صفا ، والمعنى يصفون أنفسهم عند القتال كأنهم بنيان مرصوص ، قال الفراء : مرصوص بالرصاص ، يقال : رصصت البناء إذا لاءمت بينه وقاربت حتى يصير كقطعة واحدة ، وقال الليث : يقال : رصصت البناء إذا ضممته ، والرص انضمام الأشياء بعضها إلى بعض ، وقال ابن عباس : يوضع الحجر على الحجر ثم يرص بأحجار صغار ثم يوضع اللبن عليه [ ص: 271 ] فتسميه أهل مكة المرصوص ، وقال أبو إسحاق : أعلم الله تعالى أنه يحب من يثبت في الجهاد ويلزم مكانه كثبوت البناء المرصوص ، وقال : ويجوز أن يكون على أن يستوي شأنهم في حرب عدوهم حتى يكونوا في اجتماع الكلمة ، وموالاة بعضهم بعضا كالبنيان المرصوص ، وقيل : ضرب هذا المثل للثبات ، يعني إذا اصطفوا ثبتوا كالبنيان المرصوص الثابت المستقر ، وقيل : فيه دلالة على فضل القتال راجلا ، لأن العرب يصطفون على هذه الصفة ، ثم المحبة في الظاهر على وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : الرضا عن الخلق .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : الثناء عليهم بما يفعلون ، ثم ما وجه تعلق الآية بما قبلها وهو قوله تعالى : ( كبر مقتا عند الله أن ) نقول تلك الآية مذمة المخالفين في القتال وهم الذين وعدوا بالقتال ولم يقاتلوا ، وهذه الآية محمدة الموافقين في القتال وهم الذين قاتلوا في سبيل الله وبالغوا فيه .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية