الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 6 ] وحجتهم في رد المراسيل : ما أجمع عليه العلماء من الحاجة إلى عدالة المخبر ، وأنه لا بد من علم ذلك ; فإذا حكى التابعي عمن لم يلقه لم يكن بد من معرفة الواسطة ، إذ قد صح أن التابعين ، أو كثيرا منهم رووا عن الضعيف ، وغير الضعيف ; فهذه النكتة عندهم في رد المرسل ; لأن مرسله يمكن أن يكون سمعه ممن يجوز قبول نقله ، وممن لا يجوز ، ولا بد من معرفة عدالة الناقل ; فبطل لذلك الخبر المرسل للجهل بالواسطة .

قالوا : ولو جاز قبول المراسيل ; لجاز قبول خبر مالك والشافعي والأوزاعي ومثلهم ، إذا ذكروا خبرا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولو جاز ذلك فيهم ; لجاز فيمن بعدهم إلى عصرنا ، وبطل المعنى الذي عليه مدار الخبر .

ومن حجتهم أيضا في ذلك : أن الشهادة على الشهادة قد أجمع المسلمون أنه لا يجوز فيها إلا الاتصال والمشاهدة ; فكذلك الخبر يحتاج من الاتصال ، والمشاهدة إلى مثل ما تحتاج إليه الشهادة ; إذ هو باب في إيجاب الحكم واحد .

هذا كله قول الشافعي وأصحابه وأهل الحديث ، ولهم في ذلك من الكلام ما يطول ذكره .

وأما أصحابنا ; فكلهم مذهبه في الأصل استعمال المرسل مع المسند ، كما يوجب الجميع استعمال المسند ، ولا يردون بالمسند المرسل ، كما لا يردون الخبرين المتصلين ، ما وجدوا إلى استعمالهما سبيلا ، وما ردوا به المرسل من حجة بتأويل ، أو عمل مستفيض أو غير ذلك من أصولهم ; فهم يردون به المسند سواء لا فرق بينهما عندهم .

[ ص: 7 ] قال أبو عمر : هذا أصل المذهب ، ثم إني تأملت كتب المناظرين والمختلفين ; من المتفقهين ، وأصحاب الأثر ، من أصحابنا وغيرهم ; فلم أر أحدا منهم يقنع من خصمه إذا احتج عليه بمرسل ، ولا يقبل منه في ذلك خبرا مقطوعا ، وكلهم عند تحصيل المناظرة يطالب خصمه بالاتصال في الأخبار ، والله المستعان .

وإنما ذلك ; لأن التنازع إنما يكون بين من يقبل المرسل ، وبين من لا يقبله ; فإن احتج به من يقبله على من لا يقبله ; قال له : هات حجة غيره ، فإن الكلام بيني وبينك في أصل هذا ، ونحن لا نقبله ، وإن احتج من لا يقبله على من يقبله كان من حجته : كيف تحتج علي بما ليس حجة عندك ، ونحو هذا .

ولم نشاهد نحن مناظرة بين مالكي يقبله ، وبين حنفي يذهب في ذلك مذهبه ، ويلزم على أصل مذهبهما في ذلك قبول كل واحد منهما من صاحبه ، المرسل إذا أرسله ثقة عدل رضا ، ما لم يعترضه من الأصول ما يدفعه ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية