الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2607 حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن عقيل عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة قال لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده كفر من كفر من العرب فقال عمر بن الخطاب لأبي بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ومن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله قال أبو بكر والله لأقاتلن من فرق بين الزكاة والصلاة وإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه فقال عمر بن الخطاب فوالله ما هو إلا أن رأيت أن الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وهكذا روى شعيب بن أبي حمزة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وروى عمران القطان هذا الحديث عن معمر عن الزهري عن أنس بن مالك عن أبي بكر وهو حديث خطأ وقد خولف عمران في روايته عن معمر

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( لما توفي ) بصيغة المجهول ( واستخلف ) بصيغة المجهول أيضا أي جعل خليفة ( بعده ) أي بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم- ( كفر من كفر ) قال الخطابي : زعم الروافض أن هذا الحديث متناقض لأن في أوله أنهم كفروا وفي آخره أنهم ثبتوا على الإسلام إلا أنهم منعوا الزكاة ، فإن كانوا مسلمين فكيف استحل قتالهم وسبي ذراريهم ، وإن كانوا كفارا فكيف احتج على عمر بالتفرقة بين الصلاة والزكاة فإن في جوابه إشارة إلى أنهم كانوا مقرين بالصلاة . قال والجواب عن ذلك ، إن الذين نسبوا إلى الردة كانوا صنفين صنف رجعوا إلى عبادة الأوثان وصنف منعوا الزكاة ، وتأولوا قوله تعالى : خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم فزعموا أن دفع الزكاة خاص به -صلى الله عليه وسلم- لأن غيره لا يطهرهم ولا يصلي عليهم فكيف تكون صلاته سكنا لهم ، وإنما أراد عمر بقوله : تقاتل الناس الصنف الثاني ؛ لأنه لا يتردد في جواز قتال الصنف الأول كما أنه لا يتردد في قتال غيرهم من عباد الأوثان والنيران واليهود والنصارى .

                                                                                                          قال : وكأنه لم يستحضر من الحديث إلا القدر الذي ذكره وقد حفظ غيره في الصلاة والزكاة معا . وقد رواهعبد الرحمن بن يعقوب بلفظ يعم جميع الشريعة حيث قال فيها : ويؤمنوا بي وبما جئت به فإن مقتضى ذلك أن من جحد شيئا مما جاء به -صلى الله عليه وسلم- ودعا إليه فامتنع ونصب القتال أنه يجب قتاله وقتله إذا أصر . قال وإنما عرضت الشبهة لما دخله من الاختصار وكأن راويه لم يقصد سياق الحديث على وجهه وإنما أراد سياق مناظرة أبي بكر وعمر واعتمد على معرفة السامعين بأصل الحديث . كذا ذكر الحافظ كلام الخطابي ملخصا ثم قال : وفي هذا الجواب نظر لأنه لو كان عند عمر في الحديث : حتى يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ما استشكل قتالهم للتسوية في كون غاية القتال ترك كل من التلفظ بالشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة . قال عياض : حديث ابن عمر نص في قتال من لم يصل ولم يزك كمن لم يقر بالشهادتين ، واحتجاج عمر على أبي بكر وجواب أبي بكر دل على أنهما لم يسمعا في الحديث الصلاة والزكاة إذ لو سمعه عمر لم يحتج على [ ص: 283 ] أبي بكر ، ولو سمعه أبو بكر لرد به على عمر ولم يحتج إلى الاحتجاج بعموم قوله : إلا بحقه .

                                                                                                          قال الحافظ : إن كان الضمير في " بحقه " للإسلام فمهما ثبت أنه من حق الإسلام تناوله ، ولذلك اتفق الصحابة على قتال من جحد الزكاة انتهى ( ومن قال لا إله إلا الله ) يعني كلمة التوحيد وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله للإجماع على أنه لا يعتد في الإسلام بتلك وحدها ( عصم ) بفتح الصاد أي حفظ ومنع ( إلا بحقه ) قال الطيبي : أي لا يحل لأحد أن يتعرض لماله ونفسه بوجه من الوجوه إلا بحقه أي بحق هذا القول أو بحق أحد المذكورين ( وحسابه على الله ) قال الطيبي : يعني من قال لا إله إلا الله وأظهر الإسلام نترك مقاتلته ولا نفتش باطنه هل هو مخلص أم لا . فإن ذلك إلى الله تعالى وحسابه عليه ( من فرق بين الصلاة والزكاة ) يجوز تشديد " فرق " وتخفيفه ، والمراد بالفرق من أقر بالصلاة وأنكر الزكاة جاحدا أو مانعا مع الاعتراف وإنما أطلق في أول القصة الكفر ليشمل الصنفين فهو في حق من جحد حقيقة وفي حق الآخرين مجاز تغليبا ، وإنما قاتلهم الصديق ولم يعذرهم بالجهل لأنهم نصبوا القتال فجهز إليهم من دعاهم إلى الرجوع فلما أصروا قاتلهم . قال المازري : ظاهر السياق أن عمر كان موافقا على قتال من جحد الصلاة فألزمه الصديق بمثله في الزكاة لورودهما في الكتاب والسنة موردا واحدا ( فإن الزكاة حق المال ) يشير إلى دليل منع التفرقة التي ذكرها أن حق النفس الصلاة وحق المال الزكاة ، فمن صلى عصم نفسه ومن زكى عصم ماله ، فإن لم يصل قوتل على ترك الصلاة ومن لم يزك أخذت الزكاة من ماله قهرا ، وإن نصب الحرب لذلك قوتل ، وهذا يوضح أنه لو كان سمع في الحديث : ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ، لما احتاج إلى هذا الاستنباط ، لكنه يحتمل أن يكون سمعه واستظهر بهذا الدليل النظري ، قاله الحافظ ( والله لو منعوني عقالا ) قال في النهاية : أراد بالعقال الحبل الذي يعقل به البعير الذي كان يؤخذ في الصدقة ; لأن على صاحبها التسليم ، وإنما يقع القبض بالرباط ، وقيل أراد ما يساوي عقالا من حقوق الصدقة ، وقيل إذا أخذ المصدق أعيان الإبل قيل أخذ عقالا وإذا أخذ أثمانها قيل أخذ نقدا . وقيل : أراد بالعقال صدقة العام ، يقال أخذ المصدق عقال هذا العام أي أخذ منهم صدقته ، وبعث فلان على عقال بني فلان ، إذا بعث على صدقاتهم ، واختاره أبو عبيد وقال : هو أشبه عندي بالمعنى . وقال الخطابي : إنما يضرب المثل في مثل هذا بالأقل لا بالأكثر وليس بسائر في لسانهم أن العقال صدقة عام ، وفي أكثر الروايات : لو منعوني عناقا وفي أخرى جديا . قلت : قد جاء في الحديث ما يدل على القولين ، فمن الأول حديث عمر أنه قال : يأخذ مع كل فريضة عقالا ورواه فإذا جاءت إلى [ ص: 284 ] المدينة باعها ثم تصدق بها .

                                                                                                          وحديث محمد بن مسلمة . أنه كان يعمل على الصدقة في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فكان يأمر الرجل إذا جاء بفريضتين أن يأتي بعقاليهما وقرانيهما . ومن الثاني حديث عمر أنه أخر الصدقة عام الرمادة ، فلما أحيا الناس بعث عامله فقال اعقل عنهم عقالين ، فأقسم فيهم عقالا وأتني بالآخر ، يريد صدقة عامين ، انتهى ما في النهاية . وقوله ورواه هو بكسر الراء وفتح الواو ممدودا حبل يقرن به البعيران ، وقيل : حبل يروى به على البعير ، أي يشد به المتاع عليه . وقد بسط النووي هنا الكلام في تفسير العقال وقال : وذهب كثيرون من المحققين إلى أن المراد بالعقال الحبل الذي يعقل به البعير . وهذا القول يحكى عن مالك وابن أبي ذئب وغيرهما وهو اختيار صاحب التحرير وجماعة من حذاق المتأخرين ، انتهى ( لقاتلتهم على منعه ) أي لأجل منعه ( فوالله ما هو ) أي الشأن ( إلا أن رأيت ) أي علمت ( أن الله قد شرح صدر أبي بكر ) قال الطيبي : المستثنى منه غير مذكور أي ليس الأمر شيئا من الأشياء إلا علمي بأن أبا بكر محق ، فهذا الضمير يفسره ما بعده نحو قوله تعالى : إن هي إلا حياتنا الدنيا ( فعرفت أنه الحق ) أي ظهر له من صحة احتجاجه لا أنه قلده في ذلك .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي .




                                                                                                          الخدمات العلمية