الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال : رحمه الله ( وإن لم يرسله أحد فزجره مسلم فانزجر حل ) وهذا استحسان والقياس أن لا يحل ; لأن الإرسال جعل ذكاة عند الاضطرار للضرورة فإذا لم يوجد الإرسال انعدم الذكاة حقيقة وحكما ولا يحل والزجر بناء عليه ولا يعتبر على ما بينا ووجه الاستحسان أن الزجر عند عدم الإرسال يجعل إرسالا ; لأن انزجاره عقيب زجره دليل طاعته فيجب اعتباره فيحل ، إذ ليس في اعتباره إبطال السبب بخلاف الفصل الأول ولا يقال الزجر دون الانفلات لأنه بناء عليه فلا يرتفع الانفلات فصار مثل الفصل الأول والجامع أن الزاجر فيهما بناء على الأول ; لأنا نقول الزجر إن كان دون الانفلات من هذا الوجه فهو فوقه من وجه آخر من حيث إنه فعل المكلف واستويا فنسخ الانفلات ; لأن آخر المثلين يصلح ناسخا للأول كما في نسخ الأحكام بخلاف الفصل الأول ; لأن الزجر لا ينافي الإرسال بوجه من الوجوه ; لأن كل واحد منهما فعل المكلف .

                                                                                        ، والزجر بناء على الإرسال فكان دونه من كل وجه فلا يرتفع به ، والبازي كالكلب فيما ذكرنا ولو أرسل كلبه المعلم على صيد معين فأخذ غيره وهو على سننه حل ، وقال مالك رحمه الله تعالى : لا يحل ; لأنه أخذه بغير إرسال ، إذ الإرسال يختص بالمشار والتسمية وقعت عليه فلا تتحول إلى غيره فصار كما لو أضجع شاة وسمى عليها وخلاها فذبح غيرها بتلك التسمية وقال ابن أبي ليلى : يتعين الصيد بالتعيين ، مثل قول مالك حتى لا يحل غيره بذلك الإرسال ولو أرسل من غير تعيين يحل ما أصابه خلافا لمالك وهذا بناء على أن التعيين شرط عند مالك وعنده ليس بشرط ولكن إذا عين يتعين وعندنا التعيين ليس بشرط ولا يتعين بالتعيين ; لأن شرط ما يقدر عليه المكلف أن لا يكلف ما لا يقدر عليه والذي في وسعه إيجاد الإرسال دون التعيين ; لأنه لا يمكنه أن يعلم البازي والكلب على وجه لا يأخذ إلا ما عينه له ولأن التعيين غير مفيد في حقه ولا في الكلب فإن الصيود كلها فيما يرجع إلى مقصوده [ ص: 257 ] سواء وكذا في حق الكلب ; لأن قصده أخذ كل صيد تمكن من صيده بخلاف ما استشهد به مالك ; لأن التعيين في الشاة ممكن وكذا غرضه متعلق بمعين فتتعلق التسمية هنا بالضجع بالذبح وفيما نحن فيه بالآلة .

                                                                                        ومن أرسل فهدا فكمن حتى يتمكن من الصيد ثم أخذ الصيد فقتله ; لأن ذلك عادة له يحتال لأخذه لاستراحته فلا ينقطع به فور الإرسال وكيف ينقطع وقصد صاحبه يتحقق بذلك وعد ذلك منه في الخصال الحميدة قال الحلواني للفهد خصال حميدة فينبغي لكل عاقل أن يأخذ ذلك منه ، منها أن يكمن للصيد حتى يتمكن منه وهكذا ينبغي للعاقل أن لا يجاهر عدوه بالخلاف ولكن يطلب الفرصة حتى يتمكن منه فيحصل مقصوده من غير إتعاب نفسه ومنها أنه لا يعدو خلف صاحبه حتى يريه خلفه وهو يقول هو المحتاج إلي فلا أذل وهكذا ينبغي للعاقل أن لا يذل نفسه فيما يفعل لغيره ومنها أنه لا يتعلم بالضرب ولكن يضرب الكلب بين يديه إذا أكل من الصيد فيتعلم بذلك وهكذا ينبغي للعاقل أن يتعظ بغيره كما قيل السعيد من اتعظ بغيره ومنها أن لا يتناول الخبيث من اللحم وإنما يطلب من صاحبه اللحم الطيب وهكذا ينبغي للعاقل أن لا يتناول إلا الطيب ومنها أن يثب أثلاثا أو خمسا فإن لم يتمكن من أخذه تركه ويقول : لا أقتل نفسي فيما أعمل لغيري وهكذا ينبغي للعاقل وكذا الكلب إذا اعتاد الاختفاء لا ينقطع فور الإرسال لما بينا في الفهد وينقطع الإرسال بمكثه طويلا إذا لم يكن ذلك حيلة منه للأخذ وإنما هو استراحة بخلاف ما تقدم ولو أرسل بازه المعلم على صيد فوقع على شيء ثم اتبع الصيد فأخذه وقتله يؤكل إذا لم يمكث زمانا طويلا للاستراحة وإنما مكث ساعة طويلة للتمكن ولو أن بازيا معلما أخذ صيدا فقتله ولا يدري أرسله إنسان أو لا لا يؤكل لوقوع الشك في الإرسال ولا تثبت الإباحة بدونه ولكن إن كان مرسلا فهو مال الغير فلا يجوز تناوله إلا بإذن صاحبه .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية