الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا )

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أنه تعالى لما ذكر هذا النهي عقبه بالأمر ، فقال : ( واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا ) ، وفي هذه الآية قولان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن المراد هو الصلاة ، قالوا : لأن التقييد بالبكرة والأصيل يدل على أن المراد من قوله : ( واذكر اسم ربك ) الصلوات . ثم قالوا : البكرة هي صلاة الصبح ، والأصيل صلاة الظهر والعصر , ( ومن الليل فاسجد له ) المغرب والعشاء ، فتكون هذه الكلمات جامعة الصلوات الخمس ، وقوله : ( وسبحه ليلا طويلا ) المراد منه التهجد ، ثم اختلفوا فيه فقال بعضهم : كان ذلك من الواجبات على الرسول عليه السلام ، ثم نسخ كما ذكرنا في سورة المزمل ، واحتجوا عليه بأن قوله : ( فاسجد له وسبحه ) أمر ، وهو للوجوب ، لا سيما إذا تكرر على سبيل المبالغة ، وقال آخرون : بل المراد التطوع ، وحكمه ثابت .

                                                                                                                                                                                                                                            القول الثاني : إن المراد من قوله : ( واذكر اسم ربك ) إلى آخر الآية ليس هو الصلاة ، بل المراد التسبيح الذي هو القول والاعتقاد ، والمقصود أن يكون ذاكرا لله في جميع الأوقات ليلا ونهارا بقلبه ولسانه ، وهو المراد من قوله : ( ياأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا ) [ الأحزاب : 42 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن في الآية لطيفة أخرى ، وهي أنه تعالى قال : ( إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا ) أي : هديناك إلى هذه الأسرار ، وشرحنا صدرك بهذه الأنوار ، وإذ قد فعلنا بك ذلك فكن منقادا مطيعا لأمرنا ، وإياك وأن تكون منقادا مطيعا لغيرنا . ثم لما أمره بطاعته ونهاه عن طاعة غيره قال : ( واذكر اسم ربك ) وهذا إشارة إلى أن العقول البشرية ليس عندها إلا معرفة الأسماء والصفات ، أما معرفة الحقيقة فلا ، فتارة يقال له : ( واذكر اسم ربك ) وهو إشارة إلى معرفة الأسماء ، وتارة يقال له : ( واذكر ربك في نفسك ) [ الأعراف : 205 ] وهو [ ص: 230 ] إشارة إلى مقام الصفات ، وأما معرفة الحقيقة المخصوصة التي هي المستلزمة لسائر اللوازم السلبية والإضافية ، فلا سبيل لشيء من الممكنات والمحدثات إلى الوصول إليها والاطلاع عليها ، فسبحان من اختفى عن العقول لشدة ظهوره ، واحتجب عنها بكمال نوره .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية