الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا

                                                                                                                                                                                                                                      وإن خفتم شقاق بينهما تلوين للخطاب وتوجيه له إلى الحكام وارد على بناء [ ص: 175 ] الأمر على التقدير المسكوت عنه أعني عدم الإطاعة المؤدي إلى المخاصمة والمرافعة إليهم ، والشقاق المخالفة إما لأن كلا منهما يريد ما يشق على الآخر وإما لأن كلا منهما في شق، أي: جانب غير شق الآخر والخوف ههنا بمعنى العلم قاله ابن عباس، والجزم بوجود الشقاق لا ينافي بعث الحكمين لأنه لرجاء إزالته لا لتعرف وجوده بالفعل. وقيل: بمعنى الظن، وضمير التثنية للزوجين وإن لم يجر لهما ذكر لجرى ما يدل عليها وإضافة الشقاق إلى الظرف إما على إجرائه مجرى المفعول به كما في قوله: [يا سارق الليلة] أو مجرى الفاعل كما في قولك: "نهاره صائم" أي: إن علمتم أو ظننتم تأكد المخالفة بحيث لا يقدر الزوج على إزالتها. فابعثوا أي: إلى الزوجين لإصلاح ذات البين. حكما رجلا وسطا صالحا للحكومة والإصلاح. من أهله من أهل الزوج. وحكما آخر على صفة الأول. من أهلها فإن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال وأطلب للصلاح وهذا على وجه الاستحباب فلو نصبا من الأجانب جاز، واختلف في أنهما هل يليان الجمع والتفريق إن رأيا ذلك فقيل لهما ذلك وهو المروي عن علي رضي الله عنه وبه قال الشعبي. وعن الحسن يجمعان ولا يفرقان. وقال مالك: لهما أن يتخالعا إن كان الصلاح فيه. إن يريدا أي: الحكمان. إصلاحا أي: إن قصدا إصلاح ذات البين وكانت نيتهما صحيحة وقلوبهما ناصحة لوجه الله تعالى. يوفق الله بينهما يوقع بين الزوجين الموافقة والألفة وألقى في نفوسهما المودة والرأفة وعدم التعرض لذكر عدم إرادتهما الإصلاح لما ذكر من الإيذان بأن ذلك ليس مما ينبغي أن يفرض صدوره عنهما وأن الذي يليق بشأنهما ويتوقع صدوره عنهما هو إرادة الإصلاح، وفيه مزيد ترغيب للحكمين في الإصلاح وتحذير عن المساهلة كيلا ينسب اختلال الأمر إلى عدم إرادتهما فـ"إن" الشرطية الناطقة بدوران وجود التوفيق على وجود الإرادة منبئة عن دوران عدمه على عدمها. وقيل: كلا الضميرين للحكمين أي: إن قصدا الإصلاح يوفق الله بينهما فتتفق كلمتهما ويحصل مقصودهما. وقيل: كلاهما للزوجين، أي: إن أرادا إصلاح ما بينهما من الشقاق أوقع الله تعالى بينهما الألفة والوفاق، وفيه تنبيه على أن من أصلح نيته فيما يتوخاه وفقه الله لمبتغاه. إن الله كان عليما خبيرا بالظواهر والبواطن فيعلم كيف يرفع الشقاق ويوقع الوفاق.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية