الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2650 - وعن أنس - رضي الله عنه ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى منى ، فأتى الجمرة ، فرماها ، ثم أتى منزله بمنى ، ونحر نسكه ، ثم دعا بالحلاق ، وناول الحالق شقه الأيمن ، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري ، . فأعطاه إياه ، ثم ناول الشق الأيسر ، فقال : " احلق " فحلقه ، فأعطاه أبا طلحة ، فقال : " اقسمه بين الناس " . متفق عليه .

التالي السابق


2650 - ( عن أنس ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى منى ، فأتى الجمرة ) : أي : جمرة العقبة ( فرماها ، ثم أتى بمنزله بمنى ) : وهو الآن يسمى مسجد الخيف . قال ابن حجر : هو ما بين مسجد الخيف ، ومحل نحره المشهور على يمين الذاهب إلى عرفة ( ونحر نسكه ) : بسكون السين ، ويضم جمع نسيكة ، وهي الذبيحة ، والمراد بدنه - عليه الصلاة والسلام ، وقد نحر بيده ثلاثا وستين ، وأمر عليا أن ينحر بقية المائة ( ثم دعا بالحلاق ) : وهو المزين ، قال الطيبي - رحمه الله : هو معمر بن عبد الله العدوي ، وقيل : غيره ( وناول الحالق شقه ) : أي : جانبه ( الأيمن ) : أي : من الرأس ( فحلقه ) : قال الطيبي - رحمه الله : دل على أن المستحب الابتداء بالأيمن ، وذهب بعضهم إلى أن المستحب الأيسر اهـ . أي : ليكون أيمن الحالق ، ونسب إلى أبي حنيفة إلا أنه رجع عن هذا ، وسبب ذلك قاس أولا يمين الفاعل ، كما هو المتبادر من التيامن ، ولما بلغه أنه - عليه الصلاة والسلام - اعتبر يمين المفعول ، رجع عن ذلك القول المبني على المعقول إلى صريح المنقول ، إذا لحق بالاتباع أحق ، ولو وقف الحالق خلف المحلوق أمكن الجمع بين الأيمنين .

( ثم دعا أبا طلحة الأنصاري ) : هو عم أنس وزوج أمه أم سليم ، وكان له - عليه الصلاة والسلام - بأبي طلحة ، وأهله مزيد خصوصية ومحبة ليست لغيرهم من الأنصار ، وكثير من المهاجرين الأبرار - رضوان الله عليهم أجمعين ، وهو الذي حفر قبره الشريف ولحد له وبنى فيه اللبن ، وخصه بدفنه لبنته أم كلثوم وزوجها عثمان حاضر ، [ ص: 1831 ] ( فأعطاه ) : أي : أبا طلحة ( إياه ) : أي : الشعر المحلوق ( ثم ناول ) : أي : الحالق ( شقه الأيسر ) : وفي نسخة صحيحة : الشق الأيسر ( فقال ) : بلسان القال ، أو الحال ( احلق " فحلقه ، فأعطاه أبا طلحة ، فقال : " اقسمه " : أي : المجموع ( بين الناس ) دل على طهارة شعر الآدمي خلافا لمن شذ ، وأن يتبرك بأشعاره - عليه الصلاة والسلام - وباقي أثاره . ( متفق عليه ) .

قال ابن الهمام : أخرج الجماعة إلا ابن ماجه ، عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى منى ، فأتى الجمرة ، فرماها ، ثم أتى منزله بمنى ، فنحر ، ثم قال للحلاق : خذ ، وأشار إلى جانبه الأيمن ، ثم الأيسر ، ثم جعل يعطيه الناس ، وهذا يفيد أن السنة في الحلق : البداءة بيمين المحلوق رأسه ، وهو خلاف ما ذكر في المذهب ، وهذا هو الصواب اهـ .

وقال السروجي : وعند الشافعي يبدأ بيمين المحلوق ، وذكر كذلك بعض أصحابنا ، ولم يعز إلى أحد ، والسنة أولى ، وقد أخذ الإمام بقول الحلاق ، ولم ينكره ، ولو كان مذهبه خلافه لما وافقه ، وفي منسك ابن العجمي والبحر : هو المختار ، وقال في " النخبة " : هو الصحيح ، وقد روي رجوع الإمام عما نقل عنه الأصحاب ؛ لأنه قال : أخطأت في الحج في موضع كذا وكذا ، وذكر منه البداءة بيمين الحالق ، فصح تصحيح قوله الأخير ، وقد ذكر ابن حجر أنه يسن أن يقلم بعد الحلق ، أو التقصير أظفاره للاتباع ، كما صح عنه - عليه الصلاة والسلام ، وكان ابن عمر يأخذ من لحيته وشاربه . أقول : وهو الملائم لقوله - تعالى : ثم ليقضوا تفثهم .




الخدمات العلمية