الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2798 حدثنا واصل بن عبد الأعلى الكوفي حدثنا يحيى بن آدم عن إسرائيل عن أبي يحيى عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الفخذ عورة وفي الباب عن علي ومحمد بن عبد الله بن جحش ولعبد الله بن جحش صحبة ولابنه محمد صحبة

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن أبي يحيى ) هو القتات بفتح القاف وتشديد الفوقية لين الحديث .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن علي ومحمد بن عبد الله بن جحش ) أما حديث علي فأخرجه أبو داود وابن ماجه عنه مرفوعا : يا علي لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت . وأخرجه أيضا الحاكم والبزار ، قال أبو داود بعد روايته هذا الحديث : فيه نكارة ، وقال الحافظ في التلخيص بعد ذكر هذا الحديث : وفيه ابن جريج عن حبيب ، وفي رواية أبي داود من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج قال : أخبرت عن حبيب بن أبي ثابت وقد قال أبو حاتم في العلل : إن الواسطة بينهما هو [ ص: 66 ] الحسن بن ذكوان ، قال ولا يثبت لحبيب رواية عن عاصم فهذه علة أخرى ، وكذا قال ابن معين : إن حبيبا لم يسمعه من عاصم ، وإن بينهما رجلا ليس بثقة ، وبين البزار أن الواسطة بينهما هو عمرو بن خالد الواسطي ، ووقع في زيادات المسند ، وفي الدارقطني ومسند الهيثم بن كليب تصريح ابن جريج بإخبار حبيب له ، وهو وهم في نقدي . انتهى . وأما حديث محمد بن عبد الله بن جحش فأخرجه أحمد والبخاري في تاريخه عنه قال : مر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على معمر وفخذاه مكشوفتان ، فقال : يا معمر غط عليك فخذيك . فإن الفخذين عورة ، وأخرجه البخاري أيضا في صحيحه تعليقا والحاكم في المستدرك كلهم من طريق إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبي كثير مولى محمد بن جحش عنه ، فذكره . قال الحافظ في الفتح : رجاله من رجال الصحيح غير أبي كثير فقد روى عنه جماعة ، لكن لم أجد فيه تصريحا بتعديل ، وقد أخرج ابن قانع من طريقه أيضا .

                                                                                                          قوله : ( وهذا حديث حسن غريب ) وأخرجه أحمد بلفظ : مر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على رجل وفخذه خارجة فقال : غط فخذيك فإن فخذ الرجل من عورته . وذكره البخاري في صحيحه تعليقا . قال الحافظ : وفي إسناده أبو يحيى القتات وهو ضعيف مشهور بكنيته . واختلف في اسمه على ستة أقوال أو سبعة أشهرها دينار . انتهى

                                                                                                          وأحاديث الباب كلها تدل على أن الفخذ عورة ، قال الشوكاني في النيل : وقد ذهب إلى ذلك الشافعي وأبو حنيفة قال النووي : ذهب العلماء إلى أن الفخذ عورة وعن أحمد ومالك في رواية : العورة القبل والدبر فقط ، وبه قال أهل الظاهر وابن جرير والإصطخري . قال الحافظ : في ثبوت ذلك عن ابن جرير نظر ، فقد ذكر المسألة في تهذيبه ورد على من زعم أن الفخذ ليست بعورة . واحتجوا بحديث عائشة وأنس والحق أن الفخذ من العورة ، وحديث علي ـ يعني الذي أشار إليه الترمذي وذكرنا لفظه ـ وإن كان غير منتهض على الاستقلال ، ففي الباب من الأحاديث ما يصلح للاحتجاج به على المطلوب . وأما حديث عائشة وأنس فهما واردان في قضايا معينة مخصوصة يتطرق إليها من احتمال الخصوصية أو البقاء على أصل الإباحة ما لا يتطرق إلى الأحاديث المذكورة في هذا الباب لأنها تتضمن إعطاء حكم كلي وإظهار شرع عام ، فكان العمل بها أولى كما قال القرطبي ، على أن طرف الفخذ قد يتسامح في كشفه لا سيما في مواطن الحرب ومواقف الخصام ، وقد تقرر في الأصول أن القول أرجح من الفعل . انتهى كلام الشوكاني .

                                                                                                          [ ص: 67 ] قلت : أراد بحديث عائشة حديثها الذي أخرجه أحمد عنها : أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان جالسا كاشفا عن فخذه ، فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على حاله ، ثم استأذن عمر فأذن له وهو على حاله ، ثم استأذن عثمان فأرخى عليه ثيابه . الحديث ، وأراد بحديث أنس حديثه الذي أخرجه أحمد والبخاري عنه : أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم خيبر حسر الإزار عن فخذه حتى أني لأنظر إلى بياض فخذه . قال البخاري في صحيحه باب ما يذكر في الفخذ . قال أبو عبد الله : ويروى عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( الفخذ عورة ) . وقال أنس : " حسر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن فخذه " . قال أبو عبد الله وحديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط حتى نخرج من اختلافهم قال الحافظ في الفتح : قوله وحديث أنس أسند ، أي أصح إسنادا ، كأنه يقول حديث جرهد ولو قلنا بصحته فهو مرجوح بالنسبة إلى حديث أنس .

                                                                                                          قلت : الأحاديث التي تدل على أن الفخذ عورة ، إن صلحت بمجموعها للاحتجاج ، فالأمر كما قال الشوكاني ، وإلا فالأمر كما قال أهل الظاهر ومن وافقهم فتفكر .




                                                                                                          الخدمات العلمية