الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
المسألة الخامسة : في nindex.php?page=treesubj&link=2669_2701زكاة الدين ، وهل الدين مسقط للزكاة عن المدين أو لا ؟ !
اختلف العلماء في ذلك ، ومذهب مالك - رحمه الله - أن الدين الذي للإنسان على غيره يجري مجرى عروض التجارة في الفرق بين المدير وبين المحتكر ، وقد أوضحنا ذلك في المسألة التي قبل هذا .
ومذهبه رحمه الله : أن الدين مانع من الزكاة في العين وعروض التجارة إن لم يفضل عن وفائه قدر ما تجب فيه الزكاة ، قال في " موطئه " : الأمر المجتمع عليه عندنا أن الرجل يكون عليه دين وعنده من العروض ما فيه وفاء لما عليه من الدين ، ويكون عنده من الناض سوى ذلك ما تجب فيه الزكاة فإنه يزكي ما بيده من ناض تجب فيه الزكاة ، وإن لم يكن عنده من العروض والنقد إلا وفاء دينه فلا زكاة عليه ، حتى يكون عنده من الناض فضل عن دينه ما تجب فيه الزكاة ، فعليه أن يزكيه .
وأما الماشية ، والزروع ، والثمار ، فلا يسقط الدين وجوب زكاتها عنده . ومذهب الإمام nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله أن nindex.php?page=treesubj&link=2670الدين إذا كان حالا على موسر مقر ، أو منكر وعليه بينة ، فزكاته واجبة إن كان عينا أو عرض تجارة ، وهذا قوله الجديد ، وأما القديم : فهو أن الزكاة لا تجب في الدين بحال .
أما إن كان الغريم معسرا ، أو جاحدا ولا بينة ، أو مماطلا ، أو غائبا ، فهو عنده كالمغصوب ، وفي وجوب الزكاة فيه خلاف ، والصحيح الوجوب ، ولكن لا تؤخذ منه بالفعل إلا بعد حصوله في اليد .
وإن كان nindex.php?page=treesubj&link=2671الدين مؤجلا ففيه وجهان :
أحدهما لأبي إسحاق : أنه كالدين الحال على فقير أو على جاحد . فيكون على الخلاف الذي ذكرناه آنفا .
[ ص: 140 ] والثاني : لأبي علي بن أبي هريرة : لا تجب فيه الزكاة ، فإذا قبضه استقبل به الحول ، والأول أصح ، قاله صاحب المهذب .
أما إذا كان الدين ماشية ، كأربعين من الغنم ، أو غير لازم كدين الكتابة ، فلا تجب فيه الزكاة اتفاقا عندهم ، وإن كان عليه دين مستغرق ، أو لم يبق بعده كمال النصاب فقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في " القديم " : يسقط الدين المستغرق ، أو الذي ينقص به المال عن النصاب وجوب الزكاة ; لأن الملك فيه غير مستقر ; لأنه ربما أخذه الحاكم لحق الغرماء ، وقال في " الجديد " : تجب الزكاة ولا يسقطها الدين لاختلاف جهتهما ; لأن الزكاة تتعلق بعين المال والدين يتعلق بالذمة ، وإن حجر عليه ففيه خلاف كثير .
أصحه عند الشافعية : أنه يجري على حكم زكاة المغصوب ، وقد قدمنا حكمه ، وللشافعية قول ثالث ، وهو أن الدين يمنع الزكاة في الأموال الباطنة وهي الذهب والفضة ، وعروض التجارة ، ولا يمنعها في الظاهرة وهي الزروع ، والثمار ، والمواشي ، والمعادن .
والفرق أن الأموال الظاهرة نامية بنفسها بخلاف الباطنة ، وهذا هو مذهب مالك كما تقدم ، ودين الآدمي ، ودين الله عندهم سواء في منع وجوب الزكاة ، ومذهب nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد رحمه الله : أن nindex.php?page=treesubj&link=2669_3074من كان له دين على مليء مقر به غير مماطل ، فليس عليه إخراج زكاته حتى يقبضه ، فإن قبضه أدى زكاته فيما مضى من السنين .
وروي نحوه عن علي رضي الله عنه ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ، وأبو حنيفة ، وأصحابه ، وقال : عثمان ، nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ، وجابر ، رضي الله عنهم ، nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ، والنخعي ، nindex.php?page=showalam&ids=11867وجابر بن زيد ، والحسن ، nindex.php?page=showalam&ids=17188وميمون بن مهران ، nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ، وقتادة ، nindex.php?page=showalam&ids=15741وحماد بن أبي سليمان ، وإسحاق ، وأبو عبيد : عليه إخراج زكاته في الحال ; لأنه قادر على قبضه .
وقد قدمنا أنه قول مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، فإن كان nindex.php?page=treesubj&link=2674الدين على معسر ، أو جاحد ، أو مماطل ، فروايتان :
إحداهما : لا تجب فيه الزكاة ، وهو قول قتادة ، وإسحاق ، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور ، وأهل العراق ; لأنه غير مقدور على الانتفاع به .
والثانية : يزكيه إذا قبضه لما مضى ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، وأبي عبيد ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز ، والحسن ، والليث ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي : يزكيه إذا قبضه لعام واحد ، وهذا هو قول مالك .
[ ص: 141 ] ومذهب أحمد رحمه الله : أن الدين يمنع الزكاة في الأموال الباطنة ، التي هي الذهب والفضة ، وعروض التجارة ، وهذا لا خلاف فيه عنه ، وهو قول عطاء ، nindex.php?page=showalam&ids=16049وسليمان بن يسار ، nindex.php?page=showalam&ids=17188وميمون بن مهران ، والحسن ، والنخعي ، والليث ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، وإسحاق ، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور ، وأصحاب الرأي ، وقد قدمنا نحوه عن مالك رحمه الله .
وقال ربيعة ، nindex.php?page=showalam&ids=15741وحماد بن أبي سليمان : لا يمنع الدين الزكاة في الأموال الباطنة ، وقد قدمناه عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، في جديد قوليه .
وأما nindex.php?page=treesubj&link=2669الأموال الظاهرة ، وهي السائمة ، والثمار ، والحبوب ، فقد اختلفت فيها الرواية ، عن أحمد رحمه الله ، فروي عنه أن الدين يمنع الزكاة فيها أيضا كالأموال الباطنة ، وعنه في رواية إسحاق بن إبراهيم : يبتدئ بالدين فيقضيه ، ثم ينظر ما بقي عنده بعد إخراج النفقة ، فيزكي ما بقي .
ولا يكون على أحد دينه أكثر من ماله صدقة في إبل ، أو بقر ، أو غنم ، أو زرع ، ولا زكاة ، وبهذا قال عطاء ، والحسن ، وسليمان ، nindex.php?page=showalam&ids=17188وميمون بن مهران ، والنخعي ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، والليث ، وإسحاق .
وروي أن الدين لا يمنع الزكاة في الأموال الظاهرة ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ، وقد قدمناه عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في " الجديد " وهو قول مالك .
إذا عرفت أقوال العلماء في زكاة الدين ، وهل هو مانع من الزكاة ، فاعلم أن اختلافهم في nindex.php?page=treesubj&link=2669الدين ، هل يزكى قبل القبض ، وهل إذا لم يزكه قبل القبض يكفي زكاة سنة واحدة ؟ ! أو لا بد من زكاته لما مضى من السنين ؟ !
الظاهر فيه أنه من الاختلاف في تحقيق المناط ، هل القدرة على التحصيل كالحصول بالفعل ، أو لا ؟ ! ولا نعلم في زكاة الدين نصا من كتاب ، ولا سنة ، ولا إجماع ، ولا كون الدين مانعا من وجوب الزكاة على المدين إن كان يستغرق ، أو ينقص النصاب ، إلا آثارا وردت عن بعض السلف .
منها ما رواه مالك في " الموطإ " عن nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=256السائب بن يزيد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان : أنه كان يقول : هذا شهر زكاتكم ، فمن كان عليه دين فليؤد دينه ، حتى تحصل أموالكم فتؤدون منه الزكاة .
ومنها ما رواه مالك في " الموطإ " أيضا عن nindex.php?page=showalam&ids=12341أيوب بن أبي ثميمة السختياني ، عن [ ص: 142 ] nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز : أنه كتب في مال قبضه بعض الولاة ظلما ، يأمر برده إلى أهله ، ويؤخذ زكاته لما مضى من السنين ، ثم عقب بعد ذلك بكتاب ألا يؤخذ منه إلا زكاة واحدة ، فإنه كان ضمارا . اهـ . وهو بكسر الضاد ، أي : غائبا عن ربه لا يقدر على أخذه ولا يعرف موضعه .