nindex.php?page=treesubj&link=25987_28752_30526_31927_31931_32416_32417_32419_32421_32423_32424_32426_32445_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153يسألك أهل الكتاب أن تنـزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات فعفونا عن ذلك وآتينا موسى سلطانا مبينا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=154ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا وقلنا لهم لا تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا
* * *
بين سبحانه وتعالى في الآيات السابقة أحوال بعض أهل الكتاب الذين آمنوا ببعض النبيين وكفروا ببعض، واعتبروا بهذا كافرين بالله تعالى; لأن
nindex.php?page=treesubj&link=30172من كفر برسول، فقد كفر بالرسالة الإلهية، ومن كفر برسالة الله تعالى، فقد كفر به، ثم بين سبحانه وتعالى حقيقة الإيمان واصفا الذين آمنوا بالله ورسوله، ولم يفرقوا بين أحد من رسله موازنا بذلك بين الإيمان والكفر في الحقيقة وفي النتيجة، وأن الكافرين أعد الله لهم عذابا أليما، وأن المؤمنين لهم أجرهم نعيم مقيم، وغفران ورحمة، ورضوان من الله أكبر
[ ص: 1942 ] ، وفي الآيات التالية يبين الله تعالى
nindex.php?page=treesubj&link=32425لجاجة اليهود في كفرهم وإعنات الرسول المبعوث لهم، ولغيرهم، وهو خاتم النبيين
محمد -صلى الله عليه وسلم-، ومن هذه اللجاجة ما قاله الله سبحانه وتعالى عنهم بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153يسألك أهل الكتاب أن تنـزل عليهم كتابا من السماء أهل الكتاب هنا هم اليهود، بدليل ما جاء في السياق بعد ذلك من آيات، وكقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=157وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم [النساء]، وإن هؤلاء اليهود متعنتون، لا يسألون النبي دليلا لكون الدليل الذي قدمه، وهو القرآن الكريم غير ملزم، ولكن يتعنتون، فيطلبون إعناتا، ولجاجة في العناد والكفر، وقد طلبوا دليلا قريبا، وهو أن ينزل عليهم كتابا من السماء.
وقد اختلف أهل التأويل من السلف الصالح، فقال بعضهم إنهم سألوا أن ينزل على النبي كتاب شامل مكتوب كما نزلت التوراة مكتوبة جملة واحدة، وقال آخرون إنهم طلبوا أن ينزل كتاب خالص في قرطاس يدعوهم إلى الإيمان
بمحمد ليكون حجة الله تعالى عليهم، وقال آخرون من السلف إنهم طلبوا أن ينزل ذلك الكتاب الداعي إلى الاستجابة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى بعض كبرائهم.
والحق كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير الطبري إنهم طلبوا كل هذا، فقد طلبوا أن ينزل القرآن مكتوبا جملة واحدة كالتوراة وذلك ليشككوا في حقيقته، وفريق آخر منهم طلب أن ينزل من السماء كتاب خاص يقرءونه داعيا لهم بالإذعان. وفريق ثالث طلب كتابا ينزل على بعضهم، فالمطالب الثلاثة وجدت، ولو أجيبوا إلى ما طلبوا ما ضمنا إيمانهم، ولأن التعنت لا يقلعه شيء، وقد قام الدليل القاطع المثبت، وهو القرآن المعجز، ولقد قال تعالى في سورة الأنعام:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=7ولو نـزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=8وقالوا لولا أنـزل عليه ملك ولو أنـزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=9ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون [ الأنعام].
[ ص: 1943 ] فالمتعنت لا يمنعه دليل مطلقا، وإن ماضي هؤلاء الكافرين ينبئ عن حاضرهم، ولذا قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة إن الذين سألوا
موسى من بني إسرائيل هم الذين التقى بهم، وأخرجهم من استعباد
فرعون إلى حيث الحرية والعزة.
وسياق النص القرآني يفيد أنه منسوب إلى اليهود والذين عاصروا النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكيف ينسب إلى الخلف ما قاله السلف؟ والجواب عن ذلك أنه سبحانه ينسب القول إلى جنسهم، لا إلى آحادهم، ولا إلى طوائف منهم، وإذا نسب القول إلى الجنس جاز أن يخاطب به الحاضرون وخصوصا أن التشابه في الجمود والتعنت قائم بين السلف والخلف، فهم يحملون مثل ما وقع من أسلافهم، وإن كان الأول أشد إعناتا; لأنه أكبر، ولما أفاض الله به عليهم من نعم على يد موسى عليه السلام - ولكن دأبهم الجمود، فحاضرهم كماضي أسلافهم، لا يهمهم قوة الدليل، إنما يهمهم إعنات الرسول، واتخاذ فعلات للإنكار بعد أن ثبتت على يد
موسى -عليه السلام- البينات الحسية وتكاثرت، حتى وصلت إلى سبع آيات بينات، ومع ذلك طلبوا طلبا غريبا، فلم يطلبوا أن يجيئهم كتاب كما طلبوا منك، بل طلبوا أن يروا الله سبحانه وتعالى جهرة، أي بالعين، وأن يكون أمامهم معاينا، ويطلب إليهم أن يصدقوا
موسى، وهو سؤال لا تتصور إجابته في الدنيا، فالله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يرى في الدنيا، وقد روي في ذلك
nindex.php?page=hadith&LINKID=657269أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل هل رأى ربه؟ فقال: "إنه نور فأنى أراه"، وقد عاقبهم الله سبحانه وتعالى على ذلك عقابا شديدا، ذكره بقوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153فأخذتهم الصاعقة بظلمهم الصاعقة - فسرها بعض العلماء بأنها النار التي تنزل، وهي التي يقرر علماء الكون أنها تنشأ من احتكاك سحابة موجبة بأخرى سالبة، فيتكون من احتكاكهما ذلك اللهب، وأنها أصابت هؤلاء فبهتوا لها، فغشيهم من
[ ص: 1944 ] الذهول ما غشيهم حتى صاروا كالموتى من عظم الإغماء الذي أصابهم، وذلك لا يعارض قوله تعالى في أول سورة البقرة:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=55وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون [البقرة].
وقال بعضهم: الصاعقة ما يصيب الإنسان من حال يترتب عليها موته أو إغماؤه إلى درجة الموت، ومن ذلك قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=68فصعق من في السماوات ومن في الأرض [الزمر].
وقد قال
الراغب الأصفهاني في مفرداته: "إن الصاعقة على ثلاثة أوجه: أولها الموت كقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=68فصعق من في السماوات ومن في الأرض [الزمر].
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=55فأخذتكم الصاعقة
والثاني: العذاب، كقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=13أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود [فصلت].
والثالث: أن الصاعقة هي الصوت الشديد من الجو ثم يكون منه نار، وينتهي بأن الصاعقة هي في الأصل بهذا المعنى، ثم تكون منه الآثار فهو سبب الموت، أو يكون إنذارا".
ولذلك نرجح التوجيه الأول الذي ذكرناه وهو تفسيرها بالنار التي تجلجل بصوت رهيب مفزع، قد يترتب عليه الموت، وهو في ذاته عذاب شديد، وقد يسأل سائل: إن الصاعقة لها سبب طبيعي، وهو احتكاك سالب بموجب، فكيف يكون عقابا أو إنذارا، أو معجزة؟ ونقول إن الأسباب الطبيعية لا تمنع الإرادة الإلهية، فالله سبحانه وتعالى سير الأكوان، وهي تحت قدرته وإرادته، فهو الذي يسير السحاب، والرياح، فإذا أراد جلت قدرته إنزال عذاب أو إنذار قوم أرسل الرياح المسخرات بأمره، فكانت منها الصاعقة أو الرعد، أو المطر الغزير الذي يكون غيثا ولا يكون غيثا، وقد صرح الله سبحانه وتعالى بأنه ينزل بالأقوام من الآفات بمقدار جرمهم وذلك لا يمنع تحقق الأسباب الطبيعية فمسير الكون هو خالقه، ومسبب الأسباب، وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، وقد قال تعالى في أهل
مصر عندما أيدوا
فرعون في طغيانه:
[ ص: 1945 ] nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=132وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=133فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=134ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=135فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون [الأعراف].
ومع هذه البينات اتخذ السابقون من بني إسرائيل العجل معبودا، ولذا قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات فعفونا عن ذلك هذا النص الكريم فيه بيان إمعانهم في الكفر والجحود، فهم بعدما جاءتهم البينات أي الحجج المبينة للحق، المثبتة له الدامغة، وبعد أن أنقذهم الله سبحانه وتعالى من جبروت
فرعون وطغيانه، واستعباده لهم، وبعد أن رأوا من الآيات ما رأوا، اتخذوا شكل العجل الذي صور من ذهب معبودا لهم، وإطلاق العجل على هذا التمثال الجامد لهم، من قبيل إطلاق اسم الشيء على شبهه في الصورة والهيكل، فهو ليس عجلا حقيقة، ولكنه صورة، وإن اتخاذ العجل بقية من بقايا الوثنية التي كانت تستولي على قلوبهم، ففي
مصر كانت عبادة البقر، وفي
مصر كانت عبادة نوع من الأوثان فاستمكنت الوثنية من قلوبهم حتى نسوا عقولهم وتفكيرهم، وما آتاهم الله تعالى من عزة، وما قام عليهم من برهان، ولذلك ذكر الله تعالى عنهم أنهم قالوا اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، فقد قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=138وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون [الأعراف].
ولقد نبهوا إلى ضلالهم في عبادة هيكل العجل، فتنبهوا، وتابوا، وأقلعوا عن عبادته، فعفا الله تعالى عنهم; لأن التوبة تجب ما قبلها، والإيمان بعد الكفر يذهب بآثار الكفر.
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=38قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف [الأنفال]، ولقد كان ذلك التمرد المتوالي مع ما آتى الله نبيه
موسى من حجج باهرة قاهرة، ولذا قال سبحانه:
[ ص: 1946 ] nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153وآتينا موسى سلطانا مبينا السلطان هو القدرة وهو السلطة وقد أعطى الله سبحانه وتعالى
موسى عليه السلام القوة التي تدفع الباطل، وتزيل رواءه المضلل فأعطاه المعجزات الباهرات البينة الواضحة، التي تبين الحق، وأعطاه القوة التي غلب بها
فرعون طاغية الدنيا في عصره، ولهذا ألقاه في اليم وخرج ببني إسرائيل، وأعطاه القوة التي بها أخضع أولئك المتمردين من بني إسرائيل على الحق، الذين تعودوا العصيان، وأعطاه القوة فأنزل عليه التوراة، وهي وحدها سلطان مبين; لأنها بيان الحق، والحق في ذاته قوة، والتوراة هي ميثاق الله تعالى، وفوق ذلك أخذ الله تعالى ميثاقا بمقتضى الفطرة، وميثاقا على الطاعة، كما في التوراة وقد قال تعالى:
* * *
nindex.php?page=treesubj&link=25987_28752_30526_31927_31931_32416_32417_32419_32421_32423_32424_32426_32445_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَـزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=154وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا
* * *
بَيَّنَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ أَحْوَالَ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ آمَنُوا بِبَعْضِ النَّبِيِّينَ وَكَفَرُوا بِبَعْضٍ، وَاعْتُبِرُوا بِهَذَا كَافِرِينَ بِاللَّهِ تَعَالَى; لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30172مَنْ كَفَرَ بِرَسُولٍ، فَقَدْ كَفَرَ بِالرِّسَالَةِ الْإِلَهِيَّةِ، وَمَنْ كَفَرَ بِرِسَالَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَدْ كَفَرَ بِهِ، ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ وَاصِفًا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ مُوَازِنًا بِذَلِكَ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ فِي الْحَقِيقَةِ وَفِي النَّتِيجَةِ، وَأَنَّ الْكَافِرِينَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا، وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ نَعِيمٌ مُقِيمٌ، وَغُفْرَانٌ وَرَحْمَةٌ، وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ
[ ص: 1942 ] ، وَفِي الْآيَاتِ التَّالِيَةِ يُبَيِّنُ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=treesubj&link=32425لَجَاجَةَ الْيَهُودِ فِي كُفْرِهِمْ وَإِعْنَاتِ الرَّسُولِ الْمَبْعُوثِ لَهُمْ، وَلِغَيْرِهِمْ، وَهُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ
مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمِنْ هَذِهِ اللَّجَاجَةِ مَا قَالَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَـزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ أَهْلُ الْكِتَابِ هُنَا هُمُ الْيَهُودُ، بِدَلِيلِ مَا جَاءَ فِي السِّيَاقِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ آيَاتٍ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=157وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ [النِّسَاءِ]، وَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْيَهُودَ مُتَعَنِّتُونَ، لَا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ دَلِيلًا لِكَوْنِ الدَّلِيلِ الَّذِي قَدَّمَهُ، وَهُوَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ غَيْرَ مُلْزَمٍ، وَلَكِنْ يَتَعَنَّتُونَ، فَيَطْلُبُونَ إِعْنَاتًا، وَلَجَاجَةً فِي الْعِنَادِ وَالْكُفْرِ، وَقَدْ طَلَبُوا دَلِيلًا قَرِيبًا، وَهُوَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُمْ سَأَلُوا أَنْ يُنَزَّلَ عَلَى النَّبِيِّ كِتَابٌ شَامِلٌ مَكْتُوبٌ كَمَا نَزَلَتِ التَّوْرَاةُ مَكْتُوبَةً جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّهُمْ طَلَبُوا أَنْ يُنَزَّلَ كِتَابٌ خَالِصٌ فِي قِرْطَاسٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ
بِمُحَمَّدٍ لِيَكُونَ حُجَّةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، وَقَالَ آخَرُونَ مِنَ السَّلَفِ إِنَّهُمْ طَلَبُوا أَنْ يُنَزَّلَ ذَلِكَ الْكِتَابُ الدَّاعِي إِلَى الِاسْتِجَابَةِ إِلىَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى بَعْضِ كُبَرَائِهِمْ.
وَالْحَقُّ كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ إِنَّهُمْ طَلَبُوا كُلَّ هَذَا، فَقَدْ طَلَبُوا أَنْ يَنْزِلَ الْقُرْآنُ مَكْتُوبًا جُمْلَةً وَاحِدَةً كَالتَّوْرَاةِ وَذَلِكَ لِيُشَكِّكُوا فِي حَقِيقَتِهِ، وَفَرِيقٌ آخَرُ مِنْهُمْ طَلَبَ أَنْ يَنْزِلَ مِنَ السَّمَاءِ كِتَابٌ خَاصٌّ يَقْرَءُونَهُ دَاعِيًا لَهُمْ بِالْإِذْعَانِ. وَفَرِيقٌ ثَالِثٌ طَلَبَ كِتَابًا يَنْزِلُ عَلَى بَعْضِهِمْ، فَالْمَطَالِبُ الثَّلَاثَةُ وُجِدَتْ، وَلَوْ أُجِيبُوا إِلَى مَا طَلَبُوا مَا ضَمِنَّا إِيمَانَهُمْ، وَلِأَنَّ التَّعَنُّتَ لَا يَقْلَعُهُ شَيْءٌ، وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ الْقَاطِعُ الْمُثْبِتُ، وَهُوَ الْقُرْآنُ الْمُعْجِزُ، وَلَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=7وَلَوْ نَـزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=8وَقَالُوا لَوْلا أُنْـزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْـزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=9وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ [ الْأَنْعَامِ].
[ ص: 1943 ] فَالْمُتَعَنِّتُ لَا يَمْنَعُهُ دَلِيلٌ مُطْلَقًا، وَإِنَّ مَاضِيَ هَؤُلَاءِ الْكَافِرِينَ يُنْبِئُ عَنْ حَاضِرِهِمْ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً إِنَّ الَّذِينَ سَأَلُوا
مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ هُمُ الَّذِينَ الْتَقَى بِهِمْ، وَأَخْرَجَهُمْ مِنَ اسْتِعْبَادِ
فِرْعَوْنَ إِلَى حَيْثُ الْحُرِّيَّةُ وَالْعِزَّةُ.
وَسِيَاقُ النَّصِّ الْقُرْآنِيِّ يُفِيدُ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى الْيَهُودِ وَالَّذِينَ عَاصَرُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَكَيْفَ يُنْسَبُ إِلَى الْخَلَفِ مَا قَالَهُ السَّلَفُ؟ وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَنْسُبُ الْقَوْلَ إِلَى جِنْسِهِمْ، لَا إِلَى آحَادِهِمْ، وَلَا إِلَى طَوَائِفَ مِنْهُمْ، وَإِذَا نُسِبَ الْقَوْلُ إِلَى الْجِنْسِ جَازَ أَنْ يُخَاطَبَ بِهِ الْحَاضِرُونَ وَخُصُوصًا أَنَّ التَّشَابُهَ فِي الْجُمُودِ وَالتَّعَنُّتِ قَائِمٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ، فَهُمْ يَحْمِلُونَ مِثْلَ مَا وَقَعَ مِنْ أَسْلَافِهِمْ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَشَدَّ إِعْنَاتًا; لِأَنَّهُ أَكْبَرُ، وَلَمَّا أَفَاضَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ نِعَمٍ عَلَى يَدِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَكِنَّ دَأْبَهُمُ الْجُمُودُ، فَحَاضِرُهُمْ كَمَاضِي أَسْلَافِهِمْ، لَا يَهُمُّهُمْ قُوَّةُ الدَّلِيلِ، إِنَّمَا يَهُمُّهُمْ إِعْنَاتُ الرَّسُولِ، وَاتِّخَاذُ فِعْلَاتٍ لِلْإِنْكَارِ بَعْدَ أَنْ ثَبَتَتْ عَلَى يَدِ
مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- الْبَيِّنَاتُ الْحِسِّيَّةُ وَتَكَاثَرَتْ، حَتَّى وَصَلَتْ إِلَى سَبْعِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ، وَمَعَ ذَلِكَ طَلَبُوا طَلَبًا غَرِيبًا، فَلَمْ يَطْلُبُوا أَنْ يَجِيئَهُمْ كِتَابٌ كَمَا طَلَبُوا مِنْكَ، بَلْ طَلَبُوا أَنْ يَرَوُا اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَهْرَةً، أَيْ بِالْعَيْنِ، وَأَنْ يَكُونَ أَمَامَهُمْ مُعَايَنًا، وَيَطْلُبُ إِلَيْهِمْ أَنْ يُصَدِّقُوا
مُوسَى، وَهُوَ سُؤَالٌ لَا تُتَصَوَّرُ إِجَابَتُهُ فِي الدُّنْيَا، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يُمْكِنُ أَنْ يُرَى فِي الدُّنْيَا، وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=657269أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئِلَ هَلْ رَأَى رَبَّهُ؟ فَقَالَ: "إِنَّهُ نُورٌ فَأَنَّى أَرَاهُ"، وَقَدْ عَاقَبَهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى ذَلِكَ عِقَابًا شَدِيدًا، ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ الصَّاعِقَةُ - فَسَّرَهَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّهَا النَّارُ الَّتِي تَنْزِلُ، وَهِيَ الَّتِي يُقَرِّرُ عُلَمَاءُ الْكَوْنِ أَنَّهَا تَنْشَأُ مِنَ احْتِكَاكِ سَحَابَةٍ مُوجَبَةٍ بِأُخْرَى سَالِبَةٍ، فَيَتَكَوَّنُ مِنَ احْتِكَاكِهِمَا ذَلِكَ اللَّهَبُ، وَأَنَّهَا أَصَابَتْ هَؤُلَاءِ فَبُهِتُوا لَهَا، فَغَشِيَهُمْ مِنَ
[ ص: 1944 ] الذُّهُولِ مَا غَشِيَهُمْ حَتَّى صَارُوا كَالْمَوْتَى مِنْ عِظَمِ الْإِغْمَاءَ الَّذِي أَصَابَهُمْ، وَذَلِكَ لَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=55وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ [الْبَقَرَةِ].
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الصَّاعِقَةُ مَا يُصِيبُ الْإِنْسَانَ مِنْ حَالٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مَوْتُهُ أَوْ إِغْمَاؤُهُ إِلَى دَرَجَةِ الْمَوْتِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=68فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ [الزُّمَرِ].
وَقَدْ قَالَ
الرَّاغِبُ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي مُفْرَدَاتِهِ: "إِنَّ الصَّاعِقَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَوَّلُهَا الْمَوْتُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=68فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ [الزُّمَرِ].
وَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=55فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ
وَالثَّانِي: الْعَذَابُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=13أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ [فُصِّلَتْ].
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الصَّاعِقَةَ هِيَ الصَّوْتُ الشَّدِيدُ مِنَ الْجَوِّ ثُمَّ يَكُونُ مِنْهُ نَارٌ، وَيَنْتَهِي بِأَنَّ الصَّاعِقَةَ هِيَ فِي الْأَصْلِ بِهَذَا الْمَعْنَى، ثُمَّ تَكُونُ مِنْهُ الْآثَارُ فَهُوَ سَبَبُ الْمَوْتِ، أَوْ يَكُونُ إِنْذَارًا".
وَلِذَلِكَ نُرَجِّحُ التَّوْجِيهَ الْأَوَّلَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ تَفْسِيرُهَا بِالنَّارِ الَّتِي تُجَلْجِلُ بِصَوْتٍ رَهِيبٍ مُفْزِعٍ، قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ، وَهُوَ فِي ذَاتِهِ عَذَابٌ شَدِيدٌ، وَقَدْ يَسْأَلُ سَائِلٌ: إِنِ الصَّاعِقَةَ لَهَا سَبَبٌ طَبِيعِيٌّ، وَهُوَ احْتِكَاكُ سَالِبٍ بِمُوجَبٍ، فَكَيْفَ يَكُونُ عِقَابًا أَوْ إِنْذَارًا، أَوْ مُعْجِزَةً؟ وَنَقُولُ إِنَّ الْأَسْبَابَ الطَّبِيعِيَّةَ لَا تَمْنَعُ الْإِرَادَةَ الْإِلَهِيَّةَ، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَيَّرَ الْأَكْوَانَ، وَهِيَ تَحْتَ قُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، فَهُوَ الَّذِي يُسَيِّرُ السَّحَابَ، وَالرِّيَاحَ، فَإِذَا أَرَادَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ إِنْزَالَ عَذَابٍ أَوْ إِنْذَارَ قَوْمٍ أَرْسَلَ الرِّيَاحَ الْمُسَخَّرَاتِ بِأَمْرِهِ، فَكَانَتْ مِنْهَا الصَّاعِقَةُ أَوِ الرَّعْدُ، أَوِ الْمَطَرُ الْغَزِيرُ الَّذِي يَكُونُ غَيْثًا وَلَا يَكُونُ غَيْثًا، وَقَدْ صَرَّحَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِأَنَّهُ يُنْزِلُ بِالْأَقْوَامِ مِنَ الْآفَاتِ بِمِقْدَارِ جُرْمِهِمْ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْأَسْبَابِ الطَّبِيعِيَّةِ فَمُسَيِّرُ الْكَوْنِ هُوَ خَالِقُهُ، وَمُسَبِّبُ الْأَسْبَابِ، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي أَهْلِ
مِصْرَ عِنْدَمَا أَيَّدُوا
فِرْعَوْنَ فِي طُغْيَانِهِ:
[ ص: 1945 ] nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=132وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=133فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=134وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=135فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ [الْأَعْرَافِ].
وَمَعَ هَذِهِ الْبَيِّنَاتِ اتَّخَذَ السَّابِقُونَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْعَجَلَ مَعْبُودًا، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ هَذَا النَّصُّ الْكَرِيمُ فِيهِ بَيَانُ إِمْعَانِهِمْ فِي الْكُفْرِ وَالْجُحُودِ، فَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ أَيِ الْحُجَجُ الْمُبَيِّنَةُ لِلْحَقِّ، الْمُثْبِتَةُ لَهُ الدَّامِغَةُ، وَبَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ جَبَرُوتِ
فِرْعَوْنَ وَطُغْيَانِهِ، وَاسْتِعْبَادِهِ لَهُمْ، وَبَعْدَ أَنْ رَأَوْا مِنَ الْآيَاتِ مَا رَأَوْا، اتَّخِذُوا شَكْلَ الْعِجْلِ الَّذِي صُوِّرَ مِنْ ذَهَبٍ مَعْبُودًا لَهُمْ، وَإِطْلَاقُ الْعِجْلِ عَلَى هَذَا التِّمْثَالِ الْجَامِدِ لَهُمْ، مِنْ قَبِيلِ إِطْلَاقِ اسْمِ الشَّيْءِ عَلَى شَبَهِهِ فِي الصُّورَةِ وَالْهَيْكَلِ، فَهُوَ لَيْسَ عِجْلًا حَقِيقَةً، وَلَكِنَّهُ صُورَةٌ، وَإِنَّ اتِّخَاذَ الْعَجَلِ بَقِيَّةٌ مِنْ بَقَايَا الْوَثَنِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ تَسْتَوْلِي عَلَى قُلُوبِهِمْ، فَفِي
مِصْرَ كَانَتْ عِبَادَةُ الْبَقَرِ، وَفِي
مِصْرَ كَانَتْ عِبَادَةُ نَوْعٍ مِنَ الْأَوْثَانِ فَاسْتَمْكَنَتِ الْوَثَنِيَّةُ مِنْ قُلُوبِهِمْ حَتَّى نَسُوا عُقُولَهُمْ وَتَفْكِيرَهُمْ، وَمَا آتَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ عِزَّةٍ، وَمَا قَامَ عَلَيْهِمْ مِنْ بُرْهَانٍ، وَلِذَلِكَ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=138وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [الْأَعْرَافِ].
وَلَقَدْ نُبِّهُوا إِلَى ضَلَالِهِمْ فِي عِبَادَةِ هَيْكَلِ الْعِجْلِ، فَتَنَبَّهُوا، وَتَابُوا، وَأَقْلَعُوا عَنْ عِبَادَتِهِ، فَعَفَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ; لِأَنَّ التَّوْبَةَ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا، وَالْإِيمَانَ بَعْدَ الْكُفْرِ يَذْهَبُ بِآثَارِ الْكُفْرِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=38قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الْأَنْفَالِ]، وَلَقَدْ كَانَ ذَلِكَ التَّمَرُّدُ الْمُتَوَالِي مَعَ مَا آتَى اللَّهُ نَبِيَّهُ
مُوسَى مِنْ حُجَجٍ بَاهِرَةٍ قَاهِرَةٍ، وَلِذَا قَالَ سُبْحَانَهُ:
[ ص: 1946 ] nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا السُّلْطَانُ هُوَ الْقُدْرَةُ وَهُوَ السُّلْطَةُ وَقَدْ أَعْطَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ الْقُوَّةَ الَّتِي تَدْفَعُ الْبَاطِلَ، وَتُزِيلُ رُوَاءَهُ الْمُضَلِّلَ فَأَعْطَاهُ الْمُعْجِزَاتِ الْبَاهِرَاتِ الْبَيِّنَةَ الْوَاضِحَةَ، الَّتِي تُبَيِّنَ الْحَقَّ، وَأَعْطَاهُ الْقُوَّةَ الَّتِي غَلَبَ بِهَا
فِرْعَوْنَ طَاغِيَةَ الدُّنْيَا فِي عَصْرِهِ، وَلِهَذَا أَلْقَاهُ فِي الْيَمِّ وَخَرَجَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَعْطَاهُ الْقُوَّةَ الَّتِي بِهَا أَخْضَعَ أُولَئِكَ الْمُتَمَرِّدِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى الْحَقِّ، الَّذِينَ تَعَوَّدُوا الْعِصْيَانَ، وَأَعْطَاهُ الْقُوَّةَ فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ التَّوْرَاةَ، وَهِيَ وَحْدَهَا سُلْطَانٌ مُبِينٌ; لِأَنَّهَا بَيَانُ الْحَقِّ، وَالْحَقُّ فِي ذَاتِهِ قُوَّةٌ، وَالتَّوْرَاةُ هِيَ مِيثَاقُ اللَّهِ تَعَالَى، وَفَوْقَ ذَلِكَ أَخَذَ اللَّهُ تَعَالَى مِيثَاقًا بِمُقْتَضَى الْفِطْرَةِ، وَمِيثَاقًا عَلَى الطَّاعَةِ، كَمَا فِي التَّوْرَاةِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
* * *