الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      قيامه في المنكر :

                                                                                      كان لا يرى منكرا إلا غيره بيده أو بلسانه ، وكان لا تأخذه في الله لومة لائم . قد رأيته مرة يهريق خمرا فجبذ صاحبه السيف فلم يخف منه ، وأخذه من يده ، وكان قويا في بدنه ، وكثيرا ما كان بدمشق ينكر ويكسر الطنابير والشبابات .

                                                                                      قال خالي الموفق : كان الحافظ لا يصبر عن إنكار المنكر إذا رآه ، وكنا مرة أنكرنا على قوم أرقنا خمرهم وتضاربنا ، فسمع خالي أبو عمر ، فضاق صدره ، وخاصمنا ، فلما جئنا إلى الحافظ طيب قلوبنا ، وصوب فعلنا وتلا : وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك .

                                                                                      وسمعت أبا بكر بن أحمد الطحان ، قال : كان بعض أولاد صلاح الدين قد عملت لهم طنابير ، وكانوا في بستان يشربون ، فلقي الحافظ الطنابير فكسرها .

                                                                                      قال : فحدثني الحافظ ، قال : فلما كنت أنا وعبد الهادي عند حمام كافور إذا قوم كثير معهم عصي فخففت المشي ، وجعلت أقول : حسبي الله ونعم الوكيل ، فلما صرت على الجسر لحقوا صاحبي ، فقال : أنا ما كسرت لكم شيئا ، هذا هو الذي كسر . قال : فإذا فارس يركض [ ص: 455 ] فترجل ، وقبل يدي ، وقال : الصبيان ما عرفوك ? . وكان قد وضع الله له هيبة في النفوس .

                                                                                      سمعت فضائل بن محمد بن علي بن سرور المقدسي يقول : سمعتهم يتحدثون بمصر أن الحافظ كان قد دخل على العادل فقام له ، فلما كان اليوم الثاني جاء الأمراء إلى الحافظ مثل سركس وأزكش ، فقالوا : آمنا بكراماتك يا حافظ .

                                                                                      وذكروا أن العادل قال : ما خفت من أحد ما خفت من هذا ، فقلنا : أيها الملك هذا رجل فقيه . قال : لما دخل ما خيل إلي إلا أنه سبع .

                                                                                      قال الضياء : رأيت بخط الحافظ : والملك العادل اجتمعت به ، وما رأيت منه إلا الجميل ، فأقبل علي ، وقام لي ، والتزمني ، ودعوت له ثم قلت : عندنا قصور هو الذي يوجب التقصير ، فقال : ما عندك لا تقصير ولا قصور ، وذكر أمر السنة فقال : ما عندك شيء تعاب به لا في الدين ولا الدنيا ، ولا بد للناس من حاسدين .

                                                                                      وبلغني بعد عنه أنه قال : ما رأيت بالشام ولا مصر مثل فلان ، دخل علي فخيل إلي أنه أسد ، وهذا ببركة دعائكم ودعاء الأصحاب .

                                                                                      قال الضياء : كانوا قد وغروا عليه صدر العادل ، وتكلموا فيه ، وكان بعضهم أرسل إلى العادل يبذل في قتل الحافظ خمسة آلاف دينار .

                                                                                      قلت : جر هذه الفتنة نشر الحافظ أحاديث النزول والصفات فقاموا عليه ، ورموه بالتجسيم ، فما دارى كما كان يداريهم الشيخ الموفق .

                                                                                      سمعت بعض أصحابنا يحكي عن الأمير درباس أنه دخل مع الحافظ [ ص: 456 ] إلى الملك العادل فلما قضى الملك كلامه مع الحافظ ، جعل يتكلم في أمر ماردين وحصارها ، فسمع الحافظ فقال : أيش هذا ، وأنت بعد تريد قتال المسلمين ، ما تشكر الله فيما أعطاك ، أما . . . أما !؟ قال فما أعاد ولا أبدى . ثم قام الحافظ وقمت معه ، فقلت : أيش هذا ؟ نحن كنا نخاف عليك من هذا ثم تعمل هذا العمل ؟ قال : أنا إذا رأيت شيئا لا أقدر أصبر ، أو كما قال .

                                                                                      وسمعت أبا بكر بن الطحان ، قال : كان في دولة الأفضل جعلوا الملاهي عند الدرج فجاء الحافظ فكسر شيئا كثيرا ، ثم صعد يقرأ الحديث ، فجاء رسول القاضي يأمره بالمشي إليه ليناظره في الدف والشبابة فقال : ذاك عندي حرام ولا أمشي إليه ، ثم قرأ الحديث . فعاد الرسول فقال : لا بد من المشي إليه ، أنت قد بطلت هذه الأشياء على السلطان ، فقال الحافظ : ضرب الله رقبته ورقبة السلطان ، فمضى الرسول وخفنا ، فما جاء أحد .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية