الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            668 - ( وعن ابن عمر قال { : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا بحذو منكبيه ثم يكبر ، فإذا أراد أن يركع رفعهما مثل ذلك ، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضا وقال : سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد } ، متفق عليه . وللبخاري : { ولا يفعل ذلك حين يسجد ، ولا حين يرفع رأسه من السجود } ، ولمسلم : { ولا يفعله حين يرفع رأسه من السجود } . وله أيضا : { ولا يرفعهما بين السجدتين } ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث أخرجه البيهقي : { فما زالت تلك صلاته حتى لقي الله تعالى } . قال ابن المديني : هذا الحديث عندي حجة على الخلق من سمعه فعليه أن يعمل به لأنه ليس في إسناده شيء : وقد صنف البخاري في هذه المسألة جزءا مفردا وحكى فيه عن الحسن وحميد بن هلال أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك يعني الرفع في الثلاثة المواطن ، ولم يستثن الحسن أحدا . وقال ابن عبد البر : كل من روي عنه ترك الرفع في الركوع والرفع منه روي عنه فعله إلا ابن مسعود . وقال محمد بن نصر المروزي : أجمع علماء الأمصار على مشروعية ذلك إلا أهل الكوفة . وقال ابن عبد الحكم : لم يرو أحد عن مالك ترك الرفع فيهما إلا ابن قاسم والذي نأخذ به الرفع على حديث ابن عمر ، وهو الذي رواه ابن وهب وغيره عن مالك ، ولم يحك الترمذي عن مالك غيره . ونقل الخطابي وتبعه القرطبي في المفهم أنه آخر قول مالك

                                                                                                                                            وإلى الرفع في الثلاثة المواطن ذهب الشافعي وأحمد وجمهور العلماء من الصحابة فمن بعدهم ، وروي عن مالك والشافعي قول أنه يستحب رفعهما في موضع رابع وهو إذا قام من التشهد الأوسط . قال النووي : وهذا القول هو الصواب ، [ ص: 210 ] فقد صح في حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعله ، رواه البخاري . وصح أيضا من حديث أبي حميد الساعدي رواه أبو داود والترمذي بأسانيد صحيحة وسيأتي ذلك . وقال أبو حنيفة وأصحابه وجماعة من أهل الكوفة : لا يستحب في غير تكبيرة الإحرام ، قال النووي : وهو أشهر الروايات عن مالك ، واحتجوا على ذلك بحديث البراء بن عازب عند أبي داود والدارقطني بلفظ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه ثم لم يعد } وهو من رواية يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه وقد اتفق الحفاظ أن قوله ثم لم يعد مدرج في الخبر من قول يزيد بن أبي زياد . وقد رواه بدون ذلك شعبة والثوري وخالد الطحان وزهير وغيرهم من الحفاظ . وقال الحميدي إنما روى هذه الزيادة يزيد ، ويزيد يزيد . وقال أحمد بن حنبل : لا يصح ، وكذا ضعفه البخاري وأحمد ويحيى والدارمي والحميدي وغير واحد . قال يحيى بن محمد بن يحيى : سمعت أحمد بن حنبل يقول : هذا حديث واه . وكان يزيد يحدث به برهة من دهره لا يقول فيه ثم لا يعود فلما لقنوه يعني أهل الكوفة تلقن وكان يذكرها ، وهكذا قال علي بن عاصم . وقال البيهقي : واختلف فيه على عبد الرحمن بن أبي ليلى . وقال البزار قوله في الحديث " ثم لم يعد " : لا يصح

                                                                                                                                            . وقال ابن حزم : إن صح قوله لا يعود دل على أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لبيان الجواز فلا تعارض بينه وبين حديث ابن عمر وغيره

                                                                                                                                            واحتجوا أيضا بما روي عن عبد الله بن مسعود من طريق عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة عند أحمد وأبي داود والترمذي أنه قال : { لأصلين لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فلم يرفع يديه إلا مرة واحدة } ورواه ابن عدي والدارقطني والبيهقي من حديث محمد بن جابر عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عنه بلفظ { صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلم يرفعوا أيديهم إلا عند الاستفتاح } . وهذا الحديث حسنه الترمذي وصححه ابن حزم ولكنه عارض هذا التحسين والتصحيح قول ابن المبارك : لم يثبت عندي . وقول ابن أبي حاتم : هذا حديث خطأ ، وتضعيف أحمد وشيخه يحيى بن آدم له ، وتصريح أبي داود بأنه ليس بصحيح وقول الدارقطني : إنه لم يثبت ، وقول ابن حبان : هذا أحسن خبر روى أهل الكوفة في نفي رفع اليدين في الصلاة عند الركوع وعند الرفع منه وهو في الحقيقة أضعف شيء يعول عليه لأن له عللا تبطله ، قال الحافظ : وهؤلاء الأئمة إنما طعنوا كلهم في طريق عاصم بن كليب ، أما طرق محمد بن جابر فذكرها ابن الجوزي في الموضوعات ، وقال عن أحمد : محمد بن جابر لا شيء ولا يحدث عنه إلا من هو شر منه .

                                                                                                                                            واحتجوا أيضا بما روي عن ابن عمر عند البيهقي في الخلافيات بلفظ { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود } قال الحافظ : وهو مغلوب موضوع ، واحتجوا أيضا [ ص: 211 ] بما روي عن ابن عباس أنه قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه كلما ركع وكلما رفع ثم صار إلى افتتاح الصلاة وترك ما سوى ذلك } حكاه ابن الجوزي وقال : لا أصل له ولا أعرف من رواه والصحيح عن ابن عباس خلافه ورووا نحو ذلك عن ابن الزبير قال ابن الجوزي : لا أصل له ولا أعرف من رواه ، والصحيح عن ابن الزبير خلافه ، قال ابن الجوزي : وما أبلد من يحتج بهذه الأحاديث المتعارض بها الأحاديث الثابتة انتهى . ولا يخفى على المنصف أن هذه الحجج التي أوردوها منها ما هو متفق على ضعفه وهو ما عدا حديث ابن مسعود منها كما بينا ، ومنها ما هو مختلف فيه وهو حديث ابن مسعود لما قدمنا من تحسين الترمذي وتصحيح ابن حزم له ، ولكن أين يقع هذا التحسين والتصحيح من قدح أولئك الأئمة الأكابر فيه ، غاية الأمر ونهايته أن يكون ذلك الاختلاف موجبا لسقوط الاستدلال به ، ثم لو سلمنا صحة حديث ابن مسعود ولم نعتبر بقدح أولئك الأئمة فيه فليس بينه وبين الأحاديث المثبتة للرفع في الركوع والاعتدال منه تعارض لأنها متضمنة للزيادة التي لا منافاة بينها وبين المزيد ، وهي مقبولة بالإجماع لا سيما وقد نقلها جماعة من الصحابة واتفق على إخراجها الجماعة ، فمن جملة من رواها ابن عمر كما في حديث الباب . وعمر كما أخرجه البيهقي وابن أبي حاتم وعلي وسيأتي ووائل بن حجر عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه ومالك بن الحويرث عند البخاري ومسلم وسيأتي . وأنس بن مالك عند ابن ماجه . وأبو هريرة عند ابن ماجه أيضا وأبي داود . وأبو أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة عند ابن ماجه . وأبو موسى الأشعري عند الدارقطني وجابر عند ابن ماجه . وعمير الليثي عند ابن ماجه أيضا . وابن عباس عند ابن ماجه أيضا . وله طريق أخرى عند أبي داود ، فهؤلاء أربعة عشر من الصحابة ومعهم أبو حميد الساعدي في عشرة من الصحابة كما سيأتي فيكون الجميع خمسة وعشرين أو اثنين وعشرين إن كان أبو أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة من العشرة المشار إليهم في رواية أبي حميد كما في بعض الروايات ، فهل رأيت أعجب من معارضة رواية مثل هؤلاء الجماعة بمثل حديث ابن مسعود السابق مع طعن أكثر الأئمة المعتبرين فيه مع وجود مانع عن القول بالمعارضة ، وهو تضمن رواية الجمهور للزيادة كما تقدم

                                                                                                                                            قوله : ( في حديث الباب حتى يكونا بحذو منكبيه ) وهكذا في رواية علي وأبي حميد وسيأتي ذكرهما ، وإلى هذا ذهب الشافعي والجمهور .

                                                                                                                                            وفي حديث مالك بن الحويرث الآتي حتى يحاذي بهما أذنيه . وعند أبي داود من رواية عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر أنه جمع بينهما فقال : حتى يحاذي بظهر كفيه المنكبين وبأطراف أنامله الأذنين ، ويؤيده رواية أخرى عن وائل عند أبي داود بلفظ { حتى كانتا حيال منكبيه وحاذى بإبهاميه أذنيه } . وأخرج [ ص: 212 ] الحاكم في المستدرك والدارقطني من طريق عاصم الأحول عن أنس قال : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر فحاذى بإبهاميه أذنيه } . ومن طريق حميد عن أنس { كان إذا افتتح الصلاة كبر ثم رفع يديه حتى يحاذي بإبهاميه أذنيه } وأخرج أبو داود عن ابن عمر { أنه كان يرفع يديه حذو منكبيه في الافتتاح وفي غيره دون ذلك } . وأخرج أبو داود أيضا عن البراء { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه } .

                                                                                                                                            وفي حديث وائل عند أبي داود أنه { رأى الصحابة يرفعون أيديهم إلى صدورهم } . الأحاديث الصحيحة وردت بأنه صلى الله عليه وسلم رفع يديه إلى حذو منكبيه وغيرها لا يخلو عن مقال إلا حديث مالك بن الحويرث

                                                                                                                                            قوله : ( ولا يفعل ذلك حين يسجد ولا حين يرفع رأسه من السجود ) في الرواية الأخرى " ولا يرفعهما بين السجدتين " وسياتي في حديث علي بلفظ { ولا يرفع يديه في شيء من صلاته } وقد عارض هذه الروايات ما أخرجه أبو داود عن ميمون المكي { أنه رأى عبد الله بن الزبير يشير بكفيه حين يقوم وحين يركع وحين يسجد وحين ينهض للقيام قال : فانطلقت إلى ابن عباس فقلت : إني رأيت ابن الزبير صلى صلاة لم أر أحدا يصليها فوصفت له هذه الإشارة فقال : إن أحببت أن تنظر إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقتد بصلاة عبد الله بن الزبير } وفي إسناده ابن لهيعة وفيه مقال مشهور وأخرجه أبو داود والنسائي عن النضر بن كثير السعدي ، قال : { صلى إلى جنبي عبد الله بن طاوس في مسجد الخيف فكان إذا سجد السجدة الأولى ورفع رأسه رفع يديه تلقاء وجهه فأنكرت ذلك فقلت لوهيب بن خالد فقال له وهيب : تصنع شيئا لم أر أحدا يصنعه فقال ابن طاوس : رأيت أبي يصنعه وقال أبي : رأيت ابن عباس يصنعه ولا أعلم إلا أنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنعه } وفي إسناده النضر بن كثير وهو ضعيف الحديث ، قال الحافظ أبو أحمد النيسابوري : هذا حديث منكر من حديث ابن طاوس وأخرج الدارقطني في العلل من حديث أبي هريرة { أنه كان يرفع يديه في كل خفض ورفع ويقول : أنا أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم } وهذه الأحاديث لا تنتهض للاحتجاج بها على الرفع في غير تلك المواطن ، فالواجب البقاء على النفي الثابت في الصحيحين حتى يقوم دليل صحيح يقتضي تخصيصه كما قام في الرفع عند القيام من التشهد الأوسط . وقد تقدم الكلام عليه وقد ذهب إلى استحبابه في السجود أبو بكر بن المنذر وأبو علي الطبري من أصحاب الشافعي وبعض أهل الحديث

                                                                                                                                            669 - ( وعن نافع { أن ابن عمر كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه وإذا [ ص: 213 ] ركع رفع يديه ، وإذا قال : سمع الله لمن حمده رفع يديه ، وإذا قام من الركعتين رفع يديه ، ورفع ذلك ابن عمر إلى النبي . صلى الله عليه وسلم } رواه البخاري والنسائي وأبو داود ) . قوله : ( ورفع ذلك ابن عمر ) قال أبو داود : ورواه الثقفي يعني عبد الوهاب عن عبيد الله يعني ابن عمر ابن حفص فلم يرفعه وهو الصحيح ، وكذا رواه الليث بن سعد وابن جريج ومالك يعني موقوفا ، وحكى الدارقطني في العلل الاختلاف في رفعه ووقفه . قال الحافظ : وقفه معتمر وعبد الوهاب عن عبيد الله عن نافع كما قال يعني الدارقطني ، لكن رفعاه عن سالم عن ابن عمر . أخرجه البخاري في جزء رفع اليدين وفيه الزيادة ، وقد توبع نافع عن ذلك عن ابن عمر قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه } وله شواهد كما تقدم وسيأتي والحديث يدل على مشروعية الرفع في الأربعة المواطن وقد تقدم الكلام على ذلك

                                                                                                                                            670 - ( وعن علي بن أبي طالب { عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر ورفع يديه حذو منكبيه ، ويصنع مثل ذلك إذا قضى قراءته وإذا أراد أن يركع ، ويصنعه إذا رفع رأسه من الركوع ، ولا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو قاعد ، وإذا قام من السجدتين رفع يديه كذلك وكبر } . رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه ) . الحديث أخرجه النسائي أيضا وابن ماجه وصححه أيضا أحمد بن حنبل فيما حكاه { الخلال } . قوله : ( وإذا قام من السجدتين ) وقع في هذا الحديث وفي حديث ابن عمر في طريق ذكر السجدتين مكان الركعتين والمراد بالسجدتين الركعتان بلا شك كما جاء في رواية الباقين . كذا قال العلماء من المحدثين والفقهاء إلا الخطابي فإنه ظن أن المراد السجدتان المعروفتان ثم استشكل الحديث الذي وقع فيه ذكر السجدتين وهو حديث ابن عمر وهذا الحديث مثله ، وقال : لا أعلم أحدا من الفقهاء قال به

                                                                                                                                            قال ابن رسلان : ولعله لم يقف على طرق الحديث ولو وقف عليها لحمله على الركعتين كما حمله الأئمة . والحديث يدل على استحباب الرفع في هذه الأربعة المواطن ، وقد عرفت الكلام على ذلك . قال المصنف رحمه الله تعالى: وقد صح التكبير في المواضع الأربعة في حديث أبي حميد الساعدي وسنذكره إن شاء الله انتهى [ ص: 214 ]

                                                                                                                                            671 ( وعن أبي قلابة أنه رأى { مالك بن الحويرث إذا صلى كبر ورفع يديه ، وإذا أراد أن يركع رفع يديه ، وإذا رفع رأسه رفع يديه ، وحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع هكذا } ، متفق عليه .

                                                                                                                                            وفي رواية { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه ، وإذا ركع رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه ، وإذا رفع رأسه من الركوع ، فقال سمع الله لمن حمده فعل مثل ذلك } . رواه أحمد ومسلم وفي لفظ لهما : { حتى يحاذي بهما فروع أذنيه } ) . قوله : ( إذا صلى كبر ) في رواية مسلم " ثم كبر " . وقد تقدم الكلام على اختلاف الأحاديث في الرفع هل يكون قبل التكبير أو بعده أو مقارنا له . والحديث قد تقدم البحث عن جميع أطرافه .

                                                                                                                                            وقد اختلف في الحكمة في رفع اليدين فقال الشافعي : هو إعظام لله تعالى واتباع لرسوله . وقيل : استكانة واستسلام وانقياد ، وكان الأسير إذا غلب مد يديه علامة لاستسلامه . وقيل : هو إشارة إلى استعظام ما دخل فيه . وقيل : إشارة إلى طرح أمور الدنيا والإقبال بكليته على صلاته ومناجاته ربه ، كما تضمن ذلك قوله : الله أكبر فيطابق فعله قوله . وقيل : إشارة إلى تمام القيام . وقيل : إلى رفع الحجاب بينه وبين المعبود . وقيل : ليستقبل بجميع بدنه وقيل : ليراه الأصم ويسمعه الأعمى . وقيل : إشارة إلى دخوله في الصلاة ، وهذا يختص بالرفع لتكبيرة الإحرام . وقيل : لأن الرفع نفي صفة الكبرياء عن غير الله ، والتكبير إثبات ذلك له عز وجل والنفي سابق على الإثبات كما في كلمة الشهادة ، وقيل غير ذلك

                                                                                                                                            . قال النووي : وفي أكثرها نظر . واعلم أن هذه السنة تشترك فيها الرجال والنساء ولم يرد ما يدل على الفرق بينهما فيها ، وكذا لم يرد ما يدل على الفرق بين الرجل والمرأة في مقدار الرفع .

                                                                                                                                            وروي عن الحنفية أن الرجل يرفع إلى الأذنين والمرأة إلى المنكبين لأنه أستر لها ولا دليل على ذلك كما عرفت

                                                                                                                                            672 - ( وعن أبي حميد الساعدي { أنه قال وهو في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهم أبو قتادة : أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : ما كنت أقدم له صحبة ، ولا أكثرنا له إتيانا ، قال : بلى ، قالوا : فاعرض ، فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائما ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ، ثم يكبر ، فإذا أراد أن يركع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ، ثم قال : الله أكبر وركع ، ثم اعتدل فلم يصوب رأسه ولم يقنع ، ووضع يديه على ركبتيه ، ثم قال سمع الله لمن حمده ، ورفع يديه واعتدل [ ص: 215 ] حتى يرجع كل عظم في موضعه معتدلا ، ثم هوى إلى الأرض ساجدا ، ثم قال : الله أكبر ، ثم ثنى رجله وقعد عليها ، واعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه ، ثم نهض ، ثم صنع في الركعة الثانية مثل ذلك ، حتى إذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما صنع حين افتتح الصلاة ، ثم صنع كذلك حتى إذا كانت الركعة التي تنقضي فيها صلاته ، أخر رجله اليسرى ، وقعد على شقه متوركا ثم سلم ، قالوا : صدقت ، هكذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم } . رواه الخمسة إلا النسائي ، وصححه الترمذي ، ورواه البخاري مختصرا ) . الحديث أخرجه أيضا ابن حبان وأعله الطحاوي بأن محمد بن عمرو بن عطاء لم يدرك أبا قتادة ، قال : ويزيد ذلك بيانا أن عطاف بن خالد رواه عن محمد بن عمرو وبلفظ حدثني رجل أنه وجد عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جلوسا وقال ابن حبان : سمع هذا الحديث محمد بن عمرو عن أبي حميد ، وسمعه من عباس بن سهل بن سعد عن أبيه ، والطريقان محفوظان . قال الحافظ : السياق يأبى على ذلك كل الإباء والتحقيق عندي أن محمد بن عمرو الذي رواه عطاف بن خالد عنه هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي وهو لم يلق أبا قتادة ولا قارب ذلك ، إنما يروي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وغيره من كبار التابعين ، وأما محمد بن عمرو الذي رواه عبد الحميد بن جعفر عنه فهو محمد بن عمرو بن عطاء تابعي كبير ، جزم البخاري بأنه سمع من أبي حميد وغيره وأخرج الحديث من طريقه انتهى

                                                                                                                                            وقد اختلف في موت أبي قتادة . فقيل : مات في سنة أربع وخمسين وعلى هذا فلقاء محمد له ممكن لأن محمدا مات بعد سنة عشرين ومائة وله نيف وثمانون سنة . وقيل مات أبو قتادة في خلافة علي رضي الله عنه ولا يمكن على هذا أن محمدا أدركه لأن عليا قتل في سنة أربعين . وقد أجيب عن هذا أنه إذا صح موته في خلافة علي فلعل من ذكر مقدار عمر محمد أو وقت وفاته وهم . قوله : ( أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) فيه مدح الإنسان لنفسه لمن يأخذ عنه ليكون كلامه أوقع وأثبت عند السامع كما أنه يجوز مدح الإنسان نفسه وافتخاره في الجهاد ليوقع الرهبة في قلوب الكفار . قوله : ( فاعرض ) بوصل الهمزة وكسر الراء من قولهم عرضت الكتاب عرضا : قرأته عن ظهر قلب ، ويحتمل أن يكون من قولهم عرضت الشيء عرضا من باب ضرب أي أظهرته . قوله : ( فلم يصوب ) بضم الياء المثناة من تحت وفتح الصاد وتشديد الواو بعده باء موحدة أي يبالغ في خفضه وتنكيسه

                                                                                                                                            قوله : ( ولم يقنع ) بضم الياء وإسكان القاف وكسر النون أي لا يرفعه حتى يكون أعلى من ظهره

                                                                                                                                            قوله : ( حتى يرجع كل عظم ) وفي رواية ابن ماجه " حتى يقر كل عظم في موضعه " وفي رواية البخاري " حتى [ ص: 216 ] يعود كل فقار " . قوله : ( ثم هوى ) الهوي : السقوط من علو إلى أسفل . قوله : ( ثم ثنى رجله وقعد عليها ) وهذه تسمى قعدة الاستراحة ، وسيأتي الكلام فيها . قوله : ( حتى يرجع كل عظم في موضعه ) فيه فضيلة الطمأنينة في هذه الجلسة . قوله : ( متوركا ) التورك في الصلاة القعود على الورك اليسرى والوركان فوق الفخذين كالكعبين فوق العضدين . والحديث قد اشتمل على جملة كثيرة من صفة صلاته صلى الله عليه وسلم وقد تقدم الكلام على بعض ما فيه في هذا الباب وسيأتي الكلام على بقية فوائده في المواضع التي يذكرها المصنف فيها إن شاء الله تعالى . وقد رويت حكاية أبي حميد لصلاته صلى الله عليه وسلم بالقول كما في حديث الباب وبالفعل كما في غيره

                                                                                                                                            قال الحافظ : ويمكن الجمع بين الروايتين بأن يكون وصفها مرة بالفعل ومرة بالقول .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية