الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول استئناف لبيان حالهم التي أشير إلى شدتها وفظاعتها، وتنوين (إذ) عوض - على الصحيح - عن الجملتين السابقتين، وقيل: عن الأولى، وقيل: عن الأخيرة، والظرف متعلق بـ(يود) وجعله متعلقا (بشهيد) وجملة (يود) صفة، والعائد محذوف، أي: فيه بعيد، والمراد بالموصول إما المكذبون لرسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - والتعبير عنهم بذلك لذمهم بما في حيز الصلة، والإشعار بعلة ما اعتراهم من الحال الفظيعة والأمر الهائل، وإيراده - صلى الله تعالى عليه وسلم - بعنوان الرسالة لتشريفه وزيادة تقبيح حال مكذبيه، وإما جنس الكفرة، ويدخل أولئك في زمرتهم دخولا أوليا، والمراد من (الرسول) الجنس أيضا، ويزيد شرفه انتظامه للنبي- صلى الله عليه وسلم -انتظاما أوليا، و(عصوا) معطوف على (كفروا) داخل معه في حيز الصلة، والمراد عصيانهم بما سوى الكفر، فيدل على أن الكفار مخاطبون بالفروع في حق المؤاخذة، وقال أبو البقاء: إنه في موضع الحال من ضمير (كفروا) وقد مرادة، وقيل: صلة لموصول آخر، أي: والذين عصوا، فالإخبار عن نوعين: الكفرة والعصاة، وهو ظاهر على رأي من يجوز إضمار الموصول كالفراء، وفي المسألة خلاف، أي: يود في ذلك اليوم لمزيد شدته ومضاعف هوله الموصوفون بما ذكر في الدنيا.

                                                                                                                                                                                                                                      لو تسوى بهم الأرض إما مفعول (يود) على أن (لو) مصدرية، أي يودون أن يدفنوا وتسوى الأرض ملتبسة بهم، أو تسوى عليهم كالموتى، وقيل: يودون أنهم بقوا ترابا على أصلهم من غير خلق، وتمنوا أنهم كانوا هم والأرض سواء، وقيل: تصير البهائم ترابا فيودون حالها.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن عباس أن المعنى: يودون أن يمشي عليهم أهل الجمع يطئونهم بأقدامهم كما يطئون الأرض، وقيل: يودون لو يعدل بهم الأرض، أي يؤخذ منهم ما عليها فدية، وإما مستأنفة على أن (لو) على بابها، ومفعول (يود) محذوف [ ص: 35 ] لدلالة الجملة، وكذا جواب (لو) إيذانا بغاية ظهوره، أي: يودون تسوية الأرض بهم (لو تسوى) لسروا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ نافع، وابن عامر، ويزيد (تسوى) على أن أصله (تتسوى) فأدغم التاء في السين لقربها منها، وحمزة والكسائي (تسوى) بحذف التاء الثانية مع الإمالة، يقال: سويته فتسوى.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يكتمون الله حديثا عطف على (يود) أي أنهم يومئذ لا يكتمون من الله تعالى حديثا؛ لعدم قدرتهم على الكتمان، حيث إن جوارحهم تشهد عليهم بما صنعوا، أو أنهم لا يكتمون شيئا من أعمالهم، بل يعترفون بها، فيدخلون النار باعترافهم، وإنما لا يكتمون لعلمهم بأنهم لا ينفعهم الكتمان، وإنما يقولون: والله ربنا ما كنا مشركين في بعض المواطن، قاله الحسن.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: الواو للحال، أي: يودون أن يدفنوا في الأرض وهم لا يكتمون منه تعالى حديثا، ولا يكذبونه بقولهم: والله ربنا ما كنا مشركين إذ روى الحاكم وصححه، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -أنهم إذا قالوا ذلك ختم الله على أفواههم، فتشهد عليهم جوارحهم، فيتمنون أن (تسوى بهم الأرض).

                                                                                                                                                                                                                                      وجعلها للعطف وما بعدها معطوف على (تسوى) على معنى: يودون لو تسوى بهم الأرض وأنهم لا يكونون كتموا أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - وبعثه في الدنيا، كما روي عن عطاء، بعيد جدا، وأقرب منه العطف على مفعول (يود) على معنى يودون تسوية الأرض بهم وانتفاء كتمانهم إذ قالوا والله ربنا ما كنا مشركين .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية