الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      وفي سنة ثماني عشرة التقى خوارزم شاه ، وتولي ابن جنكزخان فانهزموا ، وقتل تولي ، وبلغ الخبر أباه فجن وتنمر ، وأسرع مجدا ، فالتقاه خوارزم شاه في شوالها ، فحمل على قلب جنكزخان فمزقه ، وانهزموا لولا كمين لهم خرجوا على المسلمين ، فانكسروا وأسر ولد جلال الدين وتقهقر إلى نهر السند فغرق حرمه ، ونجا في نحو من أربعة آلاف حفاة عراة ليختفي في الجبال والآجام يعيشون من النهب ، فحاربه ملك من ملوك الهند فرماه جلال الدين بسهم في فؤاده فسقط وتمزق جيشه ، وحاز جلال الدين الغنائم ، وعاش ، فسار إلى سجستان ، وبها خزائن له فأنفق في جنده .

                                                                                      وقال ابن واصل التقاهم جلال الدين بكابل فهزمهم ، ثم فارقه شطر جيشه لفتنة جرت ، وفاجأه جنكزخان ، فتحير جلال الدين ، وسار إلى نهر السند ، فلم يجد سفنا تكفيهم ، وضايقه جنكزخان فالتقاه حتى دام الحرب ثلاثة أيام ، وقتل خلق من الفريقين ، وجاءت سفن فعدوا‌ فيها ، ونازلت التتار غزنة فاستباحوها .

                                                                                      قلت : هذا كله وجيش مصر والشام في مصابرة الفرنج بدمياط والأمر شديد .

                                                                                      ودخلت سنة تسع عشرة ، فتحزبت ملوك الهند على جلال الدين لأذيته [ ص: 241 ] لهم ، فاستناب أخاه جهان على ما فتحه من طريق الهند وقصد العراق ، وقاسى المشاق ، فتوصل في أربعة آلاف منهم من هو راكب البقر والحمر في سنة 621 ، فقدم شيراز فأتاه علاء الدولة أتابك مذعنا بطاعته ، فتزوج جلال الدين بابنته . وقدم أصبهان فسرهم قدومه ، وكان أخوه غياث الدين في ثلاثين ألفا ، وبينهم إحن ، وهرب غياث الدين ، ثم اصطلحا ، واجتمعا ، والتفت العساكر على جلال الدين وعظم شأنه .

                                                                                      وفي العام كانت الوقعة بين التتار الداخلين من الدربند وبين القفجاق والروس ، وصبروا أياما ، ثم استحر القتل بالروس والقفجاق .

                                                                                      وفي سنة 621 : أخذ الأشرف من أخيه غازي خلاط وأبقى عليه ميافارقين .

                                                                                      وفيها سار جلال الدين خوارزم شاه إلى أذربيجان ، فاستولى عليها ، وراسله المعظم لينصره على أخيه الأشرف .

                                                                                      وفيها خنق بدر الدين لؤلؤ الملك القاهر سرا وتملك الموصل . وبنيت دار الحديث الكاملية ، وشيخها ابن دحية .

                                                                                      وقدم صاحب اليمن أقسيس ابن الملك الكامل طامعا في أخذ الشام فمات وورث منه أبوه أموالا عظيمة . وفيها رجعت التتار من بلاد القفجاق فاستباحوا الري وساوة وقما ، ثم التقوا الخوارزمية . [ ص: 242 ] وفيها قصد غياث الدين أخو خوارزم شاه بلاد شيراز فأخذها من أتابك سعد ، وعصى أتابك في قلعة ، وتصالحا .

                                                                                      وفي ربيع الأول سنة 622 وصل جلال الدين فأخذ دقوقا بالسيف وفعل كل قبيح لكونهم سبوه على الأسوار ، وعزم على منازلة بغداد ، فانزعج الخليفة ، وكان قد فلج ، فأنفق ألف ألف دينار ، وفرق العدد والأهراء .

                                                                                      قال سبط الجوزي : قال لي المعظم : كتب إلي جلال الدين يقول : تجيء أنت واتفق معي حتى نقصد الخليفة ، فإنه كان السبب في هلاك أبي ، وفي مجيء التتار وجدنا كتبه إلى الخطا وتواقيعه لهم بالبلاد والخلع والخيل . فكتبت إليه : أنا معك إلا على الخليفة ، فإنه إمام الإسلام .

                                                                                      قال : وخرجت عليه الكرج فكر نحوهم ، وعمل مصافا ، فقتل منهم سبعين ألفا ، قاله أبو شامة . وأخذ تفليس بالسيف ، وافتتح مراغة ، ثم حاصر تبريز وتسلمها ، وبدع وظلم كعوائده .

                                                                                      وفي سلخ رمضان سنة اثنتين وعشرين وستمائة توفي أمير المؤمنين ، فبويع ابنه الظاهر أبو نصر محمد كهلا ، فكانت دولة الناصر سبعا وأربعين سنة .

                                                                                      قال ابن الأثير : بقي الناصر ثلاث سنين عاطلا عن الحركة بالكلية ، [ ص: 243 ] وقد ذهبت عينه - رحمه الله - ، ثم مات وبويع الظاهر ابنه .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية