الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                وسئل رحمه الله تعالى عمن يأكل الحشيشة ما يجب عليه ؟

                التالي السابق


                فأجاب : الحمد لله . هذه الحشيشة الصلبة حرام سواء سكر منها أو لم يسكر ; والسكر منها حرام باتفاق المسلمين ; ومن استحل ذلك وزعم أنه حلال فإنه يستتاب ; فإن تاب وإلا قتل مرتدا لا يصلى عليه ; ولا يدفن في مقابر المسلمين . وأما إن اعتقد ذلك قربة وقال : هي لقيمة الذكر والفكر وتحرك العزم الساكن إلى أشرف الأماكن وتنفع في [ ص: 211 ] الطريق : فهو أعظم وأكبر فإن هذا من جنس دين النصارى الذين يتقربون بشرب الخمر ; ومن جنس من يعتقد الفواحش قربة وطاعة ; قال الله تعالى : { وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون } ومن كان يستحل ذلك جاهلا وقد سمع الفقهاء يقول

                حرموها من غير عقل ونقل وحرام تحريم غير الحرام

                فإنه ما يعرف الله ورسوله وأنها محرمة والسكر منها حرام بالإجماع .

                وإذا عرف ذلك ولم يقر بتحريم ذلك فإنه يكون كافرا مرتدا كما تقدم . وكل ما يغيب العقل فإنه حرام وإن لم تحصل به نشوة ولا طرب فإن تغيب العقل حرام بإجماع المسلمين . وأما تعاطي " البنج " الذي لم يسكر ولم يغيب العقل . ففيه التعزير . وأما المحققون من الفقهاء فعلموا أنها مسكرة ; وإنما يتناولها الفجار ; لما فيها من النشوة والطرب فهي تجامع الشراب المسكر في ذلك والخمر توجب الحركة والخصومة وهذه توجب الفتور والذلة وفيها مع ذلك من فساد المزاج والعقل ; وفتح باب الشهوة ; وما توجبه من الدياثة : مما هي من شر الشراب المسكر وإنما حدثت في الناس بحدوث التتار . [ ص: 212 ] وعلى تناول القليل منها والكثير حد الشرب : ثمانون سوطا ; أو أربعون . إذا كان مسلما يعتقد تحريم المسكر ويغيب العقل . وتنازع الفقهاء في نجاستها ؟ على ثلاثة أقوال " أحدها " أنها ليست نجسة . " والثاني " أن مائعها نجس ; وأن جامدها طاهر . و " الثالث " وهو الصحيح أنها نجسة كالخمر فهذه تشبه العذرة ; وذلك يشبه البول وكلاهما من الخبائث التي حرمها الله ورسوله ومن ظهر منه أكل الحشيشة فهو بمنزلة من ظهر منه شرب الخمر ; وشر منه من بعض الوجوه ; ويهجر ويعاقب على ذلك كما يعاقب هذا ; للوعيد الوارد في الخمر ; مثل قوله صلى الله عليه وسلم { لعن الله الخمر وشاربها وساقيها ; وبائعها ومبتاعها ; وحاملها وآكل ثمنها } ومثل قوله : { من شرب الخمر لم يقبل الله له صلاة أربعين يوما ; فإن تاب تاب الله عليه ; فإن عاد وشربها لم يقبل الله له صلاة أربعين يوما ; فإن تاب تاب الله عليه ; وإن عاد فشربها لم يقبل الله له صلاة أربعين يوما ; فإن تاب تاب الله عليه ; وإن عاد فشربها في الثالثة أو الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال ; وهي عصارة أهل النار } وقد ثبت عنه في الصحيح صلى الله عليه وسلم أنه قال : { كل مسكر حرام وسئل عن هذه الأشربة وكان قد أوتي جوامع الكلم فقال صلى الله عليه وسلم كل مسكر حرام } .




                الخدمات العلمية