القول في تأويل قوله تعالى:
nindex.php?page=treesubj&link=30451_30455_30563_30569_30723_32872_34097_34104_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا [78]
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78أينما تكونوا أي: في أي مكان تكونوا عند الأجل
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78يدرككم الموت أي: الذي لأجله تكرهون القتال؛ زعما منكم أنه من مظانه، وتحبون القعود عنه، على زعم أنه منجاة منه، أي: وإذا كان لا بد من الموت فبأن يقع على وجه يكون مستعقبا للسعادة الأبدية كان أولى من أن لا يكون كذلك، ونظير هذه الآية قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=16قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا [الأحزاب: 16].
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78ولو كنتم في بروج [ ص: 1403 ] أي: حصون:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78مشيدة أي: مرفوعة مستحكمة، لا يصل إليها القاتل الإنساني، لكنها لا تمنع القاتل الإلهي، كما قال
زهير بن أبي سلمى :
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ولو رام أسباب السماء بسلم
وقد ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ،
nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم ههنا حكاية مطولة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، والشاهد منها هنا أنها كانت أخبرت بأنها تموت بالعنكبوت، فاتخذ لها زوجها قصرا منيعا شاهقا؛ ليحرزها من ذلك، فبينما هم يوما فإذا العنكبوت في السقف، فأراها إياها فقالت: أهذه التي تحذرها علي؟! والله لا يقتلها إلا أنا، فأنزلوها من السقف، فعمدت إليها فوطئتها بإبهام رجلها فقتلتها، فطار من سمها شيء فوقع بين ظفرها ولحمها، واسودت رجلها، فكان في ذلك أجلها، فماتت.
ولما حكى تعالى عن المنافقين كونهم متثاقلين عن الجهاد، خائفين من الموت، غير راغبين في سعادة الآخرة، أتبع ذلك بخلة لهم أشنع، بقوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78وإن تصبهم حسنة كخصب ورزق من ثمار وزروع وأولاد ونحوها
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78يقولوا هذه من عند الله أي: من قبله،
[ ص: 1404 ] لما علم فينا الخير
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78وإن تصبهم سيئة كقحط وجدب، وغلاء السعر، ونقص في الزروع والثمار، وموت أولاد ونتاج، ونحو ذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78يقولوا هذه من عندك يعنون: من شؤمك، كما قال تعالى عن قوم فرعون:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=131فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه [الأعراف: من الآية 131]وعن قوم
صالح: nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=47قالوا اطيرنا بك وبمن معك [النمل: من الآية 47].
قال
أبو السعود : فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يرد زعمهم الباطل ويرشدهم إلى الحق ويلقمهم الحجر ببيان إسناد الكل إليه تعالى على الإجمال، إذ لا يجترءون على معارضة أمر الله عز وجل حيث قيل:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78قل كل من عند الله أي: كل واحدة من النعمة والبلية من جهة الله تعالى، خلقا وإيجادا، من غير أن يكون لي مدخل في وقوع شيء منها بوجه من الوجوه كما تزعمون، بل وقوع الأولى منه تعالى بالذات تفضلا، ووقوع الثانية بواسطة ذنوب من ابتلي بها عقوبة، كما سيأتي بيانه، فهذا الجواب المجمل في معنى ما قيل ردا على أسلافهم من قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=131ألا إنما طائرهم عند الله أي: إنما سبب خيرهم وشرهم، أو سبب إصابة السيئة التي هي ذنوبهم عند الله تعالى لا عند غيره، حتى يسندوها إليه ويطيروا به.
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78فمال هؤلاء القوم يعني المنافقين
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78لا يكادون يفقهون حديثا أي: قولا، والجملة اعتراضية مسوقة لتعييرهم بالجهل وتقبيح حالهم والتعجب من كمال غباوتهم، إذ لو فقهوا شيئا لعلموا مما يوعظون به أن الله هو القابض الباسط، وأن النعمة منه تعالى بطريق التفضل والإحسان، والبلية بطريق العقوبة على ذنوب العباد.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=treesubj&link=30451_30455_30563_30569_30723_32872_34097_34104_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا [78]
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78أَيْنَمَا تَكُونُوا أَيْ: فِي أَيِّ مَكَانٍ تَكُونُوا عِنْدَ الْأَجَلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ أَيِ: الَّذِي لِأَجْلِهِ تَكْرَهُونَ الْقِتَالَ؛ زَعْمًا مِنْكُمْ أَنَّهُ مِنْ مَظَانِّهِ، وَتُحِبُّونَ الْقُعُودَ عَنْهُ، عَلَى زَعْمِ أَنَّهُ مَنْجَاةٌ مِنْهُ، أَيْ: وَإِذَا كَانَ لَا بُدَّ مِنَ الْمَوْتِ فَبِأَنْ يَقَعَ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ مُسْتَعْقِبًا لِلسَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ كَانَ أَوْلَى مِنْ أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=16قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلا قَلِيلا [الْأَحْزَابِ: 16].
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ [ ص: 1403 ] أَيْ: حُصُونٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78مُشَيَّدَةٍ أَيْ: مَرْفُوعَةٍ مُسْتَحْكَمَةٍ، لَا يَصِلُ إِلَيْهَا الْقَاتِلُ الْإِنْسَانِيُّ، لَكِنَّهَا لَا تَمْنَعُ الْقَاتِلَ الْإِلَهِيَّ، كَمَا قَالَ
زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى :
وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ الْمَنَايَا يَنَلْنَهُ وَلَوْ رَامَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ
وَقَدْ ذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11970وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ هَهُنَا حِكَايَةً مُطَوَّلَةً عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ ، وَالشَّاهِدُ مِنْهَا هُنَا أَنَّهَا كَانَتْ أُخْبِرَتْ بِأَنَّهَا تَمُوتُ بِالْعَنْكَبُوتِ، فَاتَّخَذَ لَهَا زَوْجُهَا قَصْرًا مَنِيعًا شَاهِقًا؛ لِيُحْرِزَهَا مِنْ ذَلِكَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَوْمًا فَإِذَا الْعَنْكَبُوتُ فِي السَّقْفِ، فَأَرَاهَا إِيَّاهَا فَقَالَتْ: أَهَذِهِ الَّتِي تَحْذَرُهَا عَلَيَّ؟! وَاللَّهِ لَا يَقْتُلُهَا إِلَّا أَنَا، فَأَنْزِلُوهَا مِنَ السَّقْفِ، فَعَمَدَتْ إِلَيْهَا فَوَطِئَتْهَا بِإِبْهَامِ رِجْلِهَا فَقَتَلَتْهَا، فَطَارَ مِنْ سُمِّهَا شَيْءٌ فَوَقَعَ بَيْنَ ظُفْرِهَا وَلَحْمِهَا، وَاسْوَدَّتْ رِجْلُهَا، فَكَانَ فِي ذَلِكَ أَجْلُهَا، فَمَاتَتْ.
وَلَمَّا حَكَى تَعَالَى عَنِ الْمُنَافِقِينَ كَوْنَهُمْ مُتَثَاقِلِينَ عَنِ الْجِهَادِ، خَائِفِينَ مِنَ الْمَوْتِ، غَيْرَ رَاغِبِينَ فِي سَعَادَةِ الْآخِرَةِ، أَتْبَعَ ذَلِكَ بِخَلَّةٍ لَهُمْ أَشْنَعَ، بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ كَخِصْبٍ وَرِزْقٍ مِنْ ثِمَارٍ وَزُرُوعٍ وَأَوْلَادٍ وَنَحْوِهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَيْ: مِنْ قِبَلِهِ،
[ ص: 1404 ] لَمَّا عَلِمَ فِينَا الْخَيْرَ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ كَقَحْطٍ وَجَدْبٍ، وَغَلَاءِ السِّعْرِ، وَنَقْصٍ فِي الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ، وَمَوْتِ أَوْلَادِ وَنِتَاجٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ يَعْنُونَ: مِنْ شُؤْمِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=131فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ [الْأَعْرَافِ: مِنَ الْآيَةِ 131]وَعَنْ قَوْمٍ
صَالِحٍ: nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=47قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ [النَّمْلِ: مِنَ الْآيَةِ 47].
قَالَ
أَبُو السُّعُودِ : فَأُمِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَرُدَّ زَعْمَهُمُ الْبَاطِلَ وَيُرْشِدَهُمْ إِلَى الْحَقِّ وَيُلْقِمَهُمُ الْحَجَرَ بِبَيَانِ إِسْنَادِ الْكُلِّ إِلَيْهِ تَعَالَى عَلَى الْإِجْمَالِ، إِذْ لَا يَجْتَرِءُونَ عَلَى مُعَارَضَةِ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَيْثُ قِيلَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَيْ: كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ النِّعْمَةِ وَالْبَلِيَّةِ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ تَعَالَى، خَلْقًا وَإِيجَادًا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِي مَدْخَلٌ فِي وُقُوعِ شَيْءٍ مِنْهَا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ كَمَا تَزْعُمُونَ، بَلْ وُقُوعُ الْأُولَى مِنْهُ تَعَالَى بِالذَّاتِ تَفَضُّلًا، وَوُقُوعُ الثَّانِيَةِ بِوَاسِطَةِ ذُنُوبِ مَنِ ابْتُلِيَ بِهَا عُقُوبَةً، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، فَهَذَا الْجَوَابُ الْمُجْمَلُ فِي مَعْنَى مَا قِيلَ رَدًّا عَلَى أَسْلَافِهِمْ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=131أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَيْ: إِنَّمَا سَبَبُ خَيْرِهِمْ وَشَرِّهِمْ، أَوْ سَبَبُ إِصَابَةِ السَّيِّئَةِ الَّتِي هِيَ ذُنُوبُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى لَا عِنْدَ غَيْرِهِ، حَتَّى يُسْنِدُوهَا إِلَيْهِ وَيَطَّيَّرُوا بِهِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا أَيْ: قَوْلًا، وَالْجُمْلَةُ اعْتِرَاضِيَّةٌ مَسُوقَةٌ لِتَعْيِيرِهِمْ بِالْجَهْلِ وَتَقْبِيحِ حَالِهِمْ وَالتَّعَجُّبِ مِنْ كَمَالِ غَبَاوَتِهِمْ، إِذْ لَوْ فَقِهُوا شَيْئًا لَعَلِمُوا مِمَّا يُوعَظُونَ بِهِ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ، وَأَنَّ النِّعْمَةَ مِنْهُ تَعَالَى بِطَرِيقِ التَّفَضُّلِ وَالْإِحْسَانِ، وَالْبَلِيَّةَ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ عَلَى ذُنُوبِ الْعِبَادِ.