الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين

                                                          * * *

                                                          تبوء هنا معناها: ترجع ويلازمك الإثم ملازمة من يقيم في مكان ويبوء إليه، وهنا نتكلم عن معنى "إثمي وإثمك" روي عن ابن عباس أن المعنى إثمي أي إثم قتلي، فهي تشبه إضافة الفعل إلى المفعول، أي الإثم الذي ترتكبه في شأني بقتلك إياي، "وإثمك" الأصلي الذي عوق صدقتك عن أن تقبل، فترتكب إثمين، وتضيف إلى ذنبك الأصلي ذنبا آخر، فلا تكون قد خلعت نفسك من المعاصي، بل أركست نفسك فيها، وزدتها.

                                                          وهذا الذي نختاره وهو معنى مستقيم، وروي عن الحسن أن المعنى أن يحمل يوم القيامة ما عسى أن يكون التقي قد ارتكبه من إثم، فوق آثامه الأصلية.

                                                          والزمخشري يقول في تفسير هذه الآية: إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك [ ص: 2128 ] أن تحتمل إثم قتلي لك لو قتلتك وإثم قتلك لي ثم يقول "المراد بمثل إثمي" وروي ذلك عن مجاهد ، وإني أرى في هذا تكلفا، والواضح هو ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه.

                                                          وهنا قد يسأل سائل أكان من التقوى أن يريد أن يتحمل غيره الأوزار؟ ونقول: إن ذلك بيان للنتيجة لامتناعه عن مقاومة أخيه، فهو إذ أراد الامتناع عن بسط يد الأذى لأخيه فكأنه أراد النتيجة المحتومة لذلك، وهي أن يبوء بإثم نفسه وإثمه، فإن إرادة السبب كأنها إرادة للمسبب.

                                                          وقد ختم كلامه السمح بتبصير أخيه بالنتيجة النهائية، وهي أن يكون من أصحاب النار الملازمين لها الذين لا يخرجون منها يوم القيامة، ثم يبصره بأن ذلك جزاء الظالمين، وأنه في فعلته التي يهم بفعلها، يكون ظالما داخلا في زمرة الظالمين ... اللهم جنبنا الظلم وأهله، وإنك نعم المولى ونعم النصير.

                                                          * * *

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية