الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              612 [ ص: 415 ] (باب التشهد في الصلاة )

                                                                                                                              ومثله في النووي .

                                                                                                                              (حديث الباب )

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 119- 122 ج 4 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن قتادة، ، عن يونس بن جبير، ، عن حطان بن عبد الله الرقاشي؛ قال: صليت مع أبي موسى الأشعري صلاة. فلما كان عند القعدة قال رجل من القوم: أقرت الصلاة بالبر والزكاة. قال فلما قضى أبو موسى الصلاة وسلم انصرف فقال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ قال: فأرم القوم. ثم قال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ فأرم القوم. فقال: لعلك يا حطان قلتها؟ قال: ما قلتها. ولقد رهبت أن تبكعني بها. فقال رجل من القوم: أنا قلتها. ولم أرد بها إلا الخير. فقال أبو موسى: أما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فبين لنا سنتنا، وعلمنا صلاتنا. فقال: "إذا صليتم فأقيموا صفوفكم. ثم ليؤمكم أحدكم. فإذا كبر فكبروا. وإذا قال: غير المغضوب عليهم ولا الضالين. فقولوا: آمين. يجبكم الله. فإذا كبر وركع فكبروا واركعوا. فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فتلك بتلك. وإذا قال: سمع الله لمن حمده. فقولوا: اللهم! ربنا لك الحمد. يسمع الله لكم. فإن الله [ ص: 416 ] تبارك وتعالى قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: سمع الله لمن حمده. وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا. فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فتلك بتلك. وإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم: التحيات الطيبات الصلوات لله. السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله". ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن حطان بن عبد الله الرقاشي؛ قال: صليت مع أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه ) صلاة. فلما كان عند القعدة قال رجل من القوم: أقرت الصلاة بالبر والزكاة ) .

                                                                                                                              معناه: قرنت بهما. وأقرت معهما. وصار الجميع مأمورا به.

                                                                                                                              (قال: فلما قضى أبو موسى الصلاة، وسلم، انصرف فقال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ قال: فأرم القوم ) أي: سكتوا. وهو بالراء وتشديد الميم.

                                                                                                                              ثم قال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ فأرم القوم. فقال: [ ص: 417 ] لعلك يا حطان قلتها؟ قال: ما قلتها، ولقد رهبت أن تبكعني بها ) بفتح التاء بعدها. أي تبكتني بها وتوبخني.

                                                                                                                              (فقال رجل من القوم: أنا قلتها، ولم أرد بها إلا الخير. فقال أبو موسى أما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا، فبين لنا سنتنا، وعلمنا صلاتنا، فقال: "إذا صليتم فأقيموا صفوفكم" ) .

                                                                                                                              أمر بإقامة الصفوف وهو مأمور به، بإجماع الأمة. وهو أمر ندب.

                                                                                                                              والمراد: تسويتها، والاعتدال فيها. وتتميم الأول فالأول منها.

                                                                                                                              والتراص فيها.

                                                                                                                              "ثم ليؤمكم أحدكم". "فيه" الأمر بالجماعة في المكتوبات. ولا خلاف في ذلك. واختلفوا في أنه أمر ندب أو إيجاب. على أربعة مذاهب.

                                                                                                                              الراجح منها: أنها فرض كفاية: إذا فعله من يحصل به إظهار هذا الشعار، سقط الحرج عن الباقين.

                                                                                                                              وإن تركوا كلهم أثموا كلهم. وقال طائفة: هي سنة. وقال ابن خزيمة: هي فرض عين، لكن ليست بشرط.

                                                                                                                              فمن تركها وصلى مفردا بلا عذر أثم، وصحت صلاته.

                                                                                                                              [ ص: 418 ] وقال بعض أهل الظاهر: هي شرط لصحة الصلاة قاله النووي. والصحيح المختار: أنها سنة مؤكدة، مرغب فيها.

                                                                                                                              قال في "السيل الجرار": هذا هو الحق.

                                                                                                                              "فإذا كبر فكبروا". فيه: أمر المأموم بأن يكون تكبيره عقب تكبير الإمام. قال النووي : ويتضمن مسألتين: "إحداهما": أنه لا يكبر قبله ولا معه، بل بعده. والثانية: يستحب كون تكبيرة المأموم عقب تكبيره، ولا يتأخر.

                                                                                                                              فلو تأخر جاز، وفاته كمال فضيلة تعجيل التكبير. "وإذا قال: غير المغضوب عليهم ولا الضالين. فقولوا: آمين". "فيه" دلالة ظاهرة، لكون تأمين المأموم مع تأمين الإمام، لا بعده. وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمن الإمام فأمنوا" معناه: إذا أراد التأمين. وبهذا يجمع بين هذا الحديث، وحديث الباب. وفي "آمين" لغتان: المد والقصر. والمد أفصح. والميم خفيفة فيهما.

                                                                                                                              ومعناه: استجب.

                                                                                                                              [ ص: 419 ] "يجبكم الله" بالجيم، أي يستجب دعاءكم. وهذا حث عظيم على التأمين. فيتأكد الاهتمام به.

                                                                                                                              فإذا كبر وركع، فكبروا واركعوا. فإن الإمام يركع قبلكم. ويرفع قبلكم".

                                                                                                                              فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فتلك بتلك" أي: اجعلوا تكبيركم للركوع، وركوعكم، بعد تكبيره وركوعه.

                                                                                                                              وكذلك رفعكم من الركوع يكون بعد رفعه.

                                                                                                                              واللحظة التي سبقكم الإمام بها في تقدمه إلى الركوع، تنجبر لكم بتأخيركم في الركوع بعد رفعه لحظة.

                                                                                                                              فتلك اللحظة بتلك اللحظة، وصار قدر ركوعكم كقدر ركوعه. وقال مثله في السجود.

                                                                                                                              "وإذا قال: سمع الله لمن حمده. فقولوا: اللهم ! ربنا لك الحمد.

                                                                                                                              يسمع الله لكم".

                                                                                                                              "فيه" دلالة على أنه يستحب للإمام الجهر بالتسميع. وحينئذ يسمعونه فيقولون: (ربنا لك الحمد ) .

                                                                                                                              "وفيه" دلالة لمن يقول: لا يزيد المأموم على قوله: ربنا لك الحمد.

                                                                                                                              ولا يقول التسميع.

                                                                                                                              والصحيح المختار: أنه يجمع بينهما الإمام، والمأموم، والمنفرد.

                                                                                                                              [ ص: 420 ] لأنه ثبت أنه صلى الله عليه وسلم جمع بينهما، وثبت أنه قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي".

                                                                                                                              ومعنى التسميع: أجاب دعاء من حمده. ومعنى: يسمع الله لكم: يستجب دعاءكم.

                                                                                                                              وفي غير هذا الموضع: (ربنا ولك الحمد ) بالواو. وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بإثبات الواو؛ وبحذفها. وكلاهما جاءت به روايات كثيرة.

                                                                                                                              والمختار: أنه على وجه الجواز. وأن الأمرين جائزان. ولا ترجيح لأحدهما على الآخر.

                                                                                                                              ونقل عياض عن مالك وغيره، اختلافا في الأرجح منهما.

                                                                                                                              وعلى إثبات الواو، يكون قوله: "ربنا" متعلقا بما قبله. أي: سمع الله لمن حمده. يا ربنا !. فاستجب حمدنا ودعاءنا، ولك الحمد، على هدايتنا لذلك.

                                                                                                                              فإن الله تبارك وتعالى، قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: سمع الله لمن حمده. وإذا كبر وسجد، فكبروا واسجدوا. فإن الإمام يسجد قبلكم، ويرفع قبلكم." فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فتلك بتلك. وإذا كان عند القعدة؛ فليكن من أول قول أحدكم: التحيات".

                                                                                                                              استدل جماعة بهذا، على أنه يقول في أول جلوسه: التحيات.

                                                                                                                              ولا يقول: بسم الله.

                                                                                                                              [ ص: 421 ] وهذا ليس بواضح لأنه قال: فليكن من أول. ولم يقل: فليكن أول.

                                                                                                                              "الطيبات، الصلوات لله. السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله".

                                                                                                                              وفي الباب تشهدات عن ابن مسعود، وابن عباس، وغيرهما.




                                                                                                                              الخدمات العلمية