الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( وأربعا لو قرأ في إحدى الأوليين وإحدى الأخريين ) وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف على رواية محمد لبقاء التحريمة عندهما لما عرف في الأصل السابق وعند محمد عليه قضاء الأوليين لا غير لأن التحريمة قد [ ص: 65 ] ارتفعت عنده قال في الهداية وقد أنكر أبو يوسف هذه الرواية عنه وقال رويت لك عن أبي حنيفة أنه يلزمه قضاء ركعتين ومحمد لم يرجع عن روايته عنه انتهى وقال فخر الإسلام واعتمد مشايخنا رواية محمد ويحتمل أن يكون ما حكى أبو يوسف من قول أبي حنيفة قياسا وما ذكره محمد استحسانا ذكر القياس والاستحسان في الأصل ولم يذكره في الجامع الصغير انتهى وذكر قاضي خان في شرح الجامع الصغير أن ما رواه محمد هو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وفي فتح القدير واعتمد المشايخ رواية محمد مع تصريحهم في الأصول بأن تكذيب الفرع الأصل يسقط الرواية إذا كان صريحا والعبارة المذكورة في الكتاب وغيره عن أبي يوسف من مثل الصريح على ما يعرف في ذلك الموضع فليكن لا بناء على أنه رواية بل تفريع صحيح على أصل أبي حنيفة وإلا فهو مشكل انتهى

                                                                                        وبما ذكرناه عن قاضي خان ارتفع الإشكال لتصريحه بأنها ظاهر الرواية كأنه لثبوتها بالسماع لمحمد من أبي حنيفة لا بواسطة أبي يوسف فلذا اعتمدها المشايخ وفي غاية البيان معزيا إلى فخر الإسلام كان أبو يوسف يتوقع من محمد أن يروي كتابا عنه فصنف محمد هذا الكتاب أي الجامع الصغير وأسنده عن أبي يوسف إلى أبي حنيفة فلما عرض على أبي يوسف استحسنه وقال حفظ أبو عبد الله إلا مسائل خطأه في روايتها عنه فلما بلغ ذلك محمد ا قال حفظتها ونسي وهي ست مسائل مذكورة في شرح الجامع الصغير انتهى ولم يبينها وذكر العلامة السراج الهندي في شرح المغني فقال الأولى مسألة ترك القراءة وقد علمتها الثانية مستحاضة توضأت بعد طلوع الشمس تصلي حتى يخرج وقت الظهر قال أبو يوسف إنما رويت لك حتى يدخل وقت الظهر الثالثة المشتري من الغاصب إذا أعتق ثم أجاز المالك البيع نفد العتق قال إنما رويت لك أنه لا ينفد الرابعة المهاجرة لا عدة عليها ويجوز نكاحها إلا أن تكون حبلى فحينئذ لا يجوز نكاحها قال إنما رويت لك أنه يجوز نكاحها ولكن [ ص: 66 ] لا يقربها زوجها حتى تضع الحمل الخامسة عبد بين اثنين قتل مولى لهما فعفا أحدهما بطل الدم كله عند أبي حنيفة وقالا يدفع ربعه إلى شريكه أو يفديه بربع الدية وقال أبو يوسف إنما حكيت لك عن أبي حنيفة كقولنا وإنما الاختلاف الذي رويته في عبد قتل مولاه عمدا وله ابنان فعفا أحدهما إلا أن محمدا ذكر الاختلاف فيهما وذكر قول نفسه مع أبي يوسف في الأولى السادسة رجل مات وترك ابنا له وعبدا لا غير فادعى العبد أن الميت كان أعتقه في صحته وادعى رجل على الميت ألف دينار وقيمة العبد ألف فقال الابن صدقتما يسعى العبد في قيمته وهو حر ويأخذها الغريم بدينه وقال أبو يوسف إنما رويت لك ما دام يسعى في قيمته أنه عبد انتهى

                                                                                        وأشار المصنف بهذه المسألة إلى مسألة أخرى تمام الثمانية ( و ) هي ما إذا قرأ ( في إحدى الأوليين ) لا غير فإنه يلزمه قضاء أربع عندهما وعند محمد ركعتان وفي التحقيق هي إشارة إلى خمسة أخرى فمسائل لزوم الأربع ست تمام الخمسة عشر فإن مسألة الكتاب أعني ما إذا قرأ في إحدى الأوليين وإحدى الأخريين صادقة بأربع صور لأن إحدى الأوليين صادقة بصورتين ما إذا قرأ في الأولى فقط أو في الثانية فقط وإحدى الأخريين صادقة بصورتين ما إذا قرأ في الثالثة فقط أو في الرابعة فقط ومسألة ما إذا قرأ في إحدى الأوليين لا غير صادقة بصورتين ما إذا قرأ في الأولى فقط أو في الثانية فقط فصار الحاصل أن مسائل ترك القراءة خمسة عشر كما قدمناه وقد ذكرناها في العناية مجملة وقال فعليك بتمييز المتداخلة بالتفتيش في الأقسام وقد يسر الله تعالى ذلك للعبد الضعيف مفصلة مميزة فلله الحمد والمنة

                                                                                        وفي البدائع ولو كان خلفه رجل اقتدى به فحكمه حكم إمامه يقضي ما يقضي إمامه لأن صلاة المقتدي متعلقة بصلاة الإمام صحة وفسادا ولو تكلم المقتدي وقد أتم الإمام الأربع فإن تكلم قبل قعود الإمام فعليه قضاء الأوليين فقط لأنه لم يلتزم الشفع الأخير وإن تكلم بعد قعوده قبل قيامه إلى الثالثة لا شيء عليه وأما إذا قام إلى الثالثة ثم تكلم المقتدي لم تذكر في الأصل وذكر عصام أن عليه قضاء أربع وخصه أبو المعين بقولهما أما عند محمد فيلزمه قضاء الأخير لا غير انتهى وفي المحيط ولو اقتدى به في الأخريين وصلاهما مع الإمام قضى الأوليين لأنه بالاقتداء التزم ما لزم الإمام .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله على رواية محمد ) قيد لقوله وهو قول أبي حنيفة [ ص: 65 ] قال في الهداية على قول أبي يوسف رحمه الله قضى الأربع وكذا عند أبي حنيفة ا هـ .

                                                                                        فقوله وكذا قال في العناية هو إشارة إلى أنه ليس قوله باتفاق بينهما بل إنما هو قوله على رواية محمد وهو فصل أصاب نحره كما ترى ( قوله بل تفريع صحيح إلخ ) قال في النهر أقول : في كونه تخريجا على أصل الإمام نظر يوضحه سلوك طريق الإسناد في الحكم وقول محمد بل حفظتها ونسي ودعوى أنه رواه بلا واسطة مناف لما ادعاه من الرواية عن الثاني نعم لو قيل إنما اعتمد المشايخ ذلك لا بناء على ما رواه عن الثاني بل بناء على ما سمعه منه من غير واسطة فإنه وإن بطلت روايته من هذا الوجه إلا أنه لا مانع من ثبوتها من طريق أخرى فقد ذكر في الأصل أن قول محمد فيه قياس واستحسان وأن ما ادعى أبو يوسف روايته قياس وما ذكره محمد استحسان ثم رأيت في شهادات فتح القدير لو سمع من غيره حديثا ثم نسي الأصل روايته للفرع ثم سمع الفرع يرويه عنه عندهما لا يعمل به وعند محمد يعمل به ومن ذلك المسائل التي رواها محمد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة ونسيها أبو يوسف وهي ستة فكان أبو يوسف لا يعتبر رواية محمد ومحمد لا يدع روايتها عنه كذا قالوا وفيه إشكال لأن المذكور أن أبا يوسف أنكر وقال ما رويت لك عن أبي حنيفة ذلك وهذه الصورة ليست من نسيان الأصل رواية الفرع بخلاف ما إذا نسي الأصل ولم يجزم بالإنكار فلا ينبغي اعتبار قول محمد إلا إذا صح اعتبار ما ذكره تخريجا على أصل أبي حنيفة ا هـ . ملخصا .

                                                                                        وأجاب العلامة المقدسي بقوله أقول : لعله حمله محمد على النسيان لطول العهد واشتغاله بالقضاء ا هـ .

                                                                                        ( قوله وبما ذكرناه إلخ ) فيه بحث لأن مسائل ظاهر الرواية هي ما وجد في بعض كتب محمد المبسوط والزيادات والجامع الصغير سميت بذلك لأنها ثابتة عنه إما متواترة أو مشهورة وهي الطبقة الأولى الثانية مسائل النوادر كالكيسانيات والهارونيات وتسمى غير ظاهر الرواية لأنها لم تثبت عن محمد ثبوتا ظاهرا كالأولى والطبقة الثالثة ما استنبطه المتأخرون مما لم يجدوا فيه رواية عن أصحاب المذهب كما بسطه الشيخ إسماعيل رحمه الله في صدر شرحه وحينئذ فقول قاضي خان ما رواه محمد هو ظاهر الرواية معناه أنه مذكور في كتب ظاهر الرواية وهو كذلك لأنه في الجامع الصغير وقول المؤلف كان لثبوتها بالسماع إلخ ربما يوهم أن ظاهر الرواية ما سمعه محمد من أبي حنيفة وهذا يقتضي أن لا يكون الجامع الصغير من كتب ظاهر الرواية لأنه بواسطة أبي يوسف كما يأتي مع أنه نفسه صرح في شرح قوله ودعا بما يشبه القرآن والسنة أنه من كتب ظاهر الرواية تأمل ثم رأيت العلامة المقدسي ذكر نحو ما بحثته في شرحه على نظم الكنز فاعترضه بأن ما ذكره من الجواب يتوقف على أن مراد قاضي خان بظاهر الرواية غير ما ذكر في الأصل ونحوه كالجامع الصغير من كتب ظاهر الرواية وزاد على ما قلته أن محصل كلامه هو ما يفهم من كلام الكمال من التفريع الصحيح على أصل أبي حنيفة رحمه الله وأن الإشكال في تصميم محمد على مخالفة من روى عنه لا ترتفع [ ص: 66 ] ( قوله وقد أتم الإمام الأربع ) أي أتمها بعد تكلم المقتدي كما هو ظاهر لكن العبارة موهمة .




                                                                                        الخدمات العلمية