الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4091 4348 - حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن عمرو بن ميمون أن معاذا - رضي الله عنه - لما قدم اليمن صلى بهم الصبح فقرأ: واتخذ الله إبراهيم خليلا فقال رجل من القوم: لقد قرت عين أم إبراهيم.

                                                                                                                                                                                                                              زاد معاذ، عن شعبة، عن حبيب، عن سعيد، عن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذا إلى اليمن، فقرأ معاذ في صلاة الصبح سورة النساء، فلما قال: واتخذ الله إبراهيم خليلا [النساء::125] قال رجل خلفه: قرت عين أم إبراهيم. [فتح: 8 \ 165]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه أحاديث:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              حديث أبي بردة قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا موسى ومعاذ بن جبل وبعث كل واحد منهما على مخلاف قال: واليمن مخلافان، ثم قال: "يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا" فانطلق كل واحد منهما. إلى عمله .. الحديث بطوله.

                                                                                                                                                                                                                              والكلام عليه من وجوه:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              المراد هنا بالمخلاف: الكورة من الإقليم. وقيل: المخلاف في لغة أهل اليمن- كالرستاق من الرساتق. وعبارة الخليل: إنه الكورة بلغة أهل اليمن ، وعبارة غيره إنه الإقليم، والجمع: مخاليف.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 507 ] ثانيها:

                                                                                                                                                                                                                              فيه أن العالم والواعظ والمقبول من قوله مأمور بألا يقنط الناس، وأن ييسر على المبتدئ في الإسلام ولا يفاجئه بالشدة.

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها:

                                                                                                                                                                                                                              قول معاذ: (يا عبد الله بن قيس، أيم هذا؟) أصله: (أي)، أدخل عليها (ما) فأسقط الألف منها كما أسقط في قوله: لم هذا؟ وعم تسأل؟

                                                                                                                                                                                                                              وقال الخطابي: إنما سقطت كما قيل: إيش هذا: بإسقاط الياء، وأصله: أي شيء هذا؟

                                                                                                                                                                                                                              رابعها:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: (هذا رجل كفر بعد إسلامه. قال: لا أنزل حتى يقتل. قال: إنما جيء به لذلك فانزل. فقال: لا أنزل حتى يقتل. فأمر به فقتل ثم نزل) ظاهره أنه لم يستتب، ومذهبنا وجوبها في الحال، ومذهب مالك استتابته ثلاثا، فإن تاب وإلا قتل. وتقتل المرتدة عندنا وعند مالك خلافا لأبي حنيفة ، قال - صلى الله عليه وسلم -: "من بدل دينه فاقتلوه" .

                                                                                                                                                                                                                              خامسها:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: (كيف تقرأ القرآن؟ قال: أتفوقه تفوقا) أي: أقرؤه حينا بعد حين. مأخوذ من فواق الناقة وهو ما بين الحلبتين، ومنه قوله تعالى: ما لها من فواق [ص: 15] أي: مهل. وذكر الهروي عن أبي موسى

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 508 ] أنه قال: أما أنا فأتفوقه تفوق اللقوح. أي: لما أقرأ جزئي مرة، ولكن أقرؤه شيئا بعد شيء . وكذا ذكره الجوهري بعد أن قال: فوقت الفصيل. أي: سقيته اللبن فواقا، وتفوق الفصيل إذا شرب اللبن كذلك .

                                                                                                                                                                                                                              سادسها:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: (فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟ قال: أنام أول الليل فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم، فأقرأ ما كتب الله لي فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي) كذا هو في الأصول (جزئي) بضم الجيم، وبخط الدمياطي لعله أربي وهو الوجه ولا يتعين ما ذكره .

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثاني:

                                                                                                                                                                                                                              حديث خالد، عن الشيباني عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه إلى اليمن، فسأله عن أشربة تصنع بها، فقال: "وما هي؟ ". قال البتع والمزر فقلت لأبي بردة: ما البتع؟ قال: نبيذ العسل، والمزر: نبيذ الشعير -فقال: "كل مسكر حرام". رواه جرير وعبد الواحد، عن الشيباني، عن أبي بردة.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 509 ] الحديث الثالث:

                                                                                                                                                                                                                              حدثنا مسلم، ثنا شعبة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه قال بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جده أبا موسى ومعاذا إلى اليمن، فقال: "يسرا ولا تعسرا .. " الحديث، فقال أبو موسى: يا نبي الله إن أرضنا بها شراب من الشعير المزر، وشراب من العسل البتع، فقال: "كل مسكر حرام" ثم ذكر باقيه كما في الأول.

                                                                                                                                                                                                                              تابعه العقدي ووهب، عن شعبة.

                                                                                                                                                                                                                              وقال وكيع والنضر وأبو داود، عن شعبة، عن سعيد، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

                                                                                                                                                                                                                              فيه وما قبله حجة على أبي حنيفة في تجويزه ما لا يبلغ بشاربه السكر مما عدا الخمر ، وبين في حديث جابر - رضي الله عنه -: "ما أسكر كثيره فقليله حرام" . وهو إجماع الصحابة كما نقله القاضي عبد الوهاب ، وفي النسائي عن أبي موسى: أن المزر نبيذ الذرة .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: نهي النبي - صلى الله عليه وسلم -[عن] الجعة، والجعة نبيذ يتخذ من الشعير .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 510 ] الحديث الرابع:

                                                                                                                                                                                                                              حدثنا عباس بن الوليد، فذكره إلى أبي موسى - رضي الله عنه - قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أرض قومي باليمن، فجئت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - منيخ بالأبطح .. الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              سلف ذكره في الحج: عن شيخه محمد بن يوسف، إلى أبي موسى فراجعه . قال الجياني: كذا رويناه عن ابن السكن عباس بن الوليد يعني: النرسي. وفي رواية أبي أحمد: ثنا عباس. غير منسوب، وكذلك كان في كتاب أبي زيد إلا أنه قرأه عليهم: عياش -بالشين المعجمة- وليس بشيء، وإنما هو عباس بن الوليد. وليس في "الجامع" إلا هذا، وحديث في: علامات النبوة . وكذا قال صاحب "المطالع": عباس هذا بالسين المهملة وهو النرسي، وذكر بعضهم فيه عن أبي أحمد أنه كان يقوله بالمعجمة، ولم يحك الأصيلي عنه، وعن أبي زيد أنه بالمهملة . وأما الدمياطي فضبطه بالشين المعجمة ثم قال: هو أبو الوليد عياش بن الوليد الرقام البصري، مات سنة [ست و] عشرين ومائتين، روى عنه البخاري في مواضع، وروى أبو داود عن

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 511 ] رجل عنه. وقال في آخر علامات النبوة بعد أن ضبطه بالإهمال: أبو الفضل عباس، مات سنة ثمان وثلاثين ، وابن عمه عبد الأعلى مات قبله سنة سبع وثلاثين ومائتين. ولما ذكره في: البيوع، في باب: النهي عن تلقي الركبان ; ضبطه خطأ بالمعجمة .

                                                                                                                                                                                                                              إذا عرفت ذلك، فأبو موسى - رضي الله عنه - أهل بإهلال كإهلال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يعين شيئا، فأمره بالطواف والسعي، ثم حل، و [عن] عائشة رضي الله عنها أنهم خرجوا لا يرون إلا الحج، وكان ينتظر الوحي، فلما دنوا من مكة أمر من لم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة، وأقام من معه هدي على إحرامه حتى فرغ من الحج، وقال: "عمرتكم للأبد" .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 512 ] وأما الفسخ فإن كان محفوظا فهو خاص، وكذلك نهى عنه عمر وضرب عليه، وكان يستحب ترك القران; ليأتي بعملين فيكون أعظم لأجره، فحمل عليه قوم أنه كان ينهى عن التمتع، وليس كذلك، ويدل على صحة ذلك قوله: إن نأخذ بكتاب الله فقد أمر بالتمام، وإن نأخذ بفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يحل حتى نحر الهدي . فإنما نهى أن يفسخ الحج في العمرة.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الخامس:

                                                                                                                                                                                                                              حديث أبي معبد مولى ابن عباس -واسمه نافذ، مات سنة أربع ومائة- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن .. الحديث، وفيه: "فإن هم أطاعوك بذلك .. " إلى آخره.

                                                                                                                                                                                                                              سلف في الزكاة في موضعين .

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال: (قال أبو عبد الله: طوعت: طاعت، وأطاعت لغة، طعت وطعت وأطعت).

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: "أطاعوا" ذكره ابن التين بلفظ "طاعوا بذلك" أي: انقادوا لك بذلك، يقال: هو طوعه إذا انقاد له، فإذا مضى لأمره فقد أطاعه، وإذا وافقه فقد طاوعه.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: أن الإمام يتولى أخذ الزكاة وأن من وجبت عليه الزكاة

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 513 ] لا يأخذها، وأن لا تنقل، وتفرق في الموضع الذي جمعت فيه، وأنها إذا فرقت في جنس واحد من الثمانية أجزأ.


                                                                                                                                                                                                                              وقوله: "وإياك وكرائم أموالهم". هي جمع: كريمة، وهي: النفيسة.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث السادس:

                                                                                                                                                                                                                              حديث عمرو بن ميمون أن معاذا لما قدم اليمن صلى بهم الصبح فقرأ: واتخذ الله إبراهيم خليلا فقال رجل من القوم: لقد قرت عين أم إبراهيم.

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال: زاد معاذ عن شعبة، عن حبيب، عن سعيد، عن عمرو: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذا إلى اليمن، فقرأ معاذ في صلاة الصبح [سورة النساء] ، فلما قال: واتخذ الله إبراهيم خليلا [النساء: 125] قال رجل خلفه: قرت عين أم إبراهيم.

                                                                                                                                                                                                                              معنى (قرت): بردت دمعها; لأن دمعة السرور باردة، بخلاف دمعة الحزن فإنها حارة; ولذلك يقال للمدعو له: أقر الله عينه، وللمدعو عليه: أسخن الله عينه.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ثعلب وغيره: معناه: بلغ أمنيته، فلا تطمع نفسه إلى من هو فوقه.

                                                                                                                                                                                                                              قال الداودي: وقائل هذا الكلام متكلم يعيد وجوبا، والشارع لم يعلم بهذا حتى يوجبها; لقوله: "صلاتنا لا يصلح فيها شيء من كلام الناس" .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 514 ] وروي أنه قرأ سورة الإخلاص، فقال المأموم كذلك فلم يأمره بالإعادة .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر الشيخ أبو محمد، عن بعضهم أنه إذا قال: فعل الله بك يا فلان. فسدت صلاته، ولا يكون على هذا إعادة مثل قوله (كذلك) : الله. ثم استغربه، وفي الرواية: لا بأس أن يقول: اللهم افعل بفلان.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية