الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب ما جاء في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                            780 - ( عن أبي مسعود قال : { أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة ، فقال له بشير بن سعد : أمرنا الله أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك ؟ قال : فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم } . رواه أحمد ومسلم والنسائي والترمذي وصححه ، ولأحمد في لفظ آخر نحوه وفيه : " فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا ؟ " )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            . الحديث أخرجه أيضا أبو داود وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني وحسنه والحاكم وصححه والبيهقي وصححه وزادوا " النبي الأمي " بعد قوله : قولوا : اللهم صل على محمد .

                                                                                                                                            وزاد أبو داود بعد قوله : كما باركت على آل إبراهيم . بلفظ : في العالمين .

                                                                                                                                            وفي الباب عن كعب بن عجرة عند الجماعة وسيأتي . وعن علي عليه السلام عند النسائي في مسند علي بلفظ حديث أبي هريرة الآتي . وعن أبي هريرة وسيأتي أيضا .

                                                                                                                                            وعن طلحة بن عبيد الله عند النسائي بلفظ " اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد " وفي رواية " وآل محمد " في الموضعين ولم يقل فيهما وآل إبراهيم وعن أبي سعيد عند البخاري والنسائي وابن ماجه بلفظ { قولوا : اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم } .

                                                                                                                                            وعن بريدة عند أحمد بلفظ { اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد وآل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم إنك حميد مجيد } وفيه أبو داود الأعمى اسمه نفيع وهو ضعيف جدا ومتهم بالوضع .

                                                                                                                                            وعن زيد بن خارجة عند أحمد والنسائي بلفظ قولوا { اللهم صل على محمد وعلى آل محمد } وعن أبي حميد وسيأتي .

                                                                                                                                            وعن رويفع بن ثابت وجابر وابن عباس عند المستغفري في الدعوات قال النووي في شرح المذهب : ينبغي أن تجمع ما [ ص: 330 ] في الأحاديث الصحيحة فتقول : { اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد } . قال . العراقي : بقي عليه مما في الأحاديث الصحيحة ألفاظ أخر وهي خمسة يجمعها قولك : { اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد } انتهى وهذه الزيادات التي ذكرها العراقي ثابتة في أحاديث الباب التي ذكرها المصنف وذكرناها . وقد وردت زيادات غير هذه في أحاديث أخر عن علي وابن مسعود وغيرهما ولكن فيها مقال . قوله : ( في الحديث قولوا ) استدل بذلك على وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بعد التشهد ، وإلى ذلك ذهب عمر وابنه عبد الله وابن مسعود وجابر بن زيد والشعبي ومحمد بن كعب القرظي وأبو جعفر الباقر والهادي والقاسم والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وابن المواز ، واختاره القاضي أبو بكر بن العربي وذهب الجمهور إلى عدم الوجوب منهم مالك وأبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي والناصر من أهل البيت وآخرون قال الطبري والطحاوي : إنه أجمع المتقدمون والمتأخرون على عدم الوجوب

                                                                                                                                            وقال بعضهم : إنه لم يقل بالوجوب إلا الشافعي وهو مسبوق بالإجماع . وقد طول القاضي عياض في الشفا الكلام على ذلك ، ودعوى الإجماع من الدعاوى الباطلة لما عرفت من نسبة القول بالوجوب إلى جماعة من الصحابة والتابعين وأهل البيت والفقهاء ، ولكنه لا يتم الاستدلال على وجوب الصلاة بعد التشهد بما في حديث الباب من الأمر بها وبما في سائر أحاديث الباب لأن غايتها الأمر بمطلق الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وهو يقتضي الوجوب في الجملة فيحصل الامتثال بإيقاع فرد منها خارج الصلاة فليس فيها زيادة على ما في قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } ولكنه يمكن الاستدلال لوجوب الصلاة في الصلاة بما أخرجه ابن حبان والحاكم والبيهقي وصححوه وابن خزيمة في صحيحه والدارقطني من حديث ابن مسعود بزيادة { كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا } ؟ وفي رواية " كيف نصلي عليك في صلاتنا ؟ " وغاية هذه الزيادة أن يتعين بها محل الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وهو مطلق الصلاة وليس فيها ما يعين محل النزاع وهو إيقاعها بعد التشهد الأخير

                                                                                                                                            ويمكن الاعتذار عن القول بالوجوب بأن الأوامر المذكورة في الأحاديث تعين كيفيته ، وهي لا تفيد الوجوب فإنه لا يشك من له ذوق أن من قال لغيره إذا أعطيتك درهما فكيف أعطيك إياه ، أسرا أم جهرا ؟ فقال له : أعطنيه سرا ، [ ص: 331 ] كان ذلك أمرا بالكيفية التي هي السرية لا أمرا بالإعطاء ، وتبادر هذا المعنى لغة وشرعا وعرفا لا يدفع . وقد تكرر في السنة وكثر فمنه { إذا قام أحدكم الليل فليفتتح الصلاة بركعتين خفيفتين } الحديث . وكذا { قوله صلى الله عليه وسلم في صلاة الاستخارة : فليركع ركعتين ثم ليقل } الحديث

                                                                                                                                            وكذا { قوله في صلاة التسبيح : فقم وصل أربع ركعات } { وقوله في الوتر : فإذا خفت الصبح فأوتر بركعة } والقول بأن هذه الكيفية المسئول عنها هي كيفية الصلاة المأمور بها في القرآن فتعليمها بيان للواجب المجمل ، فتكون واجبة لا يتم إلا بعد تسليم أن الأمر القرآني بالصلاة مجمل وهو ممنوع لاتضاح معنى الصلاة والسلام المأمور بهما ، على أنه قد حكى الطبري الإجماع على أن محمل الآية على الندب فهو بيان لمجمل مندوب لا واجب ، ولو سلم انتهاض الأدلة على الوجوب لكان غايتها أن الواجب فعلها مرة واحدة ، فأين دليل التكرار في كل صلاة ولو سلم وجود ما يدل على التكرار لكان تركها في تعليم المسيء دالا على عدم وجوبه

                                                                                                                                            ومن جملة ما استدل به القائلون بوجوب الصلاة بعد التشهد الأخير ما أخرجه الترمذي وقال : حسن صحيح من حديث علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي } قالوا : وقد ذكر النبي في التشهد وهذا أحسن ما يستدل به على المطلوب ، لكن بعد تسليم تخصيص البخل بترك الواجبات وهو ممنوع ، فإن أهل اللغة والشرع والعرف يطلقون اسم البخيل على من يشح بما ليس بواجب فلا يستفاد من الحديث الوجوب . واستدلوا أيضا بحديث عائشة عند الدارقطني والبيهقي بلفظ : { لا صلاة إلا بطهور والصلاة علي } وهو مع كونه في إسناده عمرو بن شمر وهو متروك وجابر الجعفي وهو ضعيف لا يدل على المطلوب ، لأن غايته إيجاب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم من دون تقييد بالصلاة ، فأين دليل التقيد بها . سلمنا فأين دليل تعيين وقتها بعد التشهد ؟

                                                                                                                                            ومثله حديث سهل بن سعد عند الدارقطني والبيهقي والحاكم بلفظ : { لا صلاة لمن لم يصل على نبيه } وهو مع كونه غير مفيد للمطلوب كما عرفت ضعيف الإسناد كما قال الحافظ في التلخيص

                                                                                                                                            ومن جملة أدلتهم ما أخرجه الدارقطني من حديث أبي مسعود بلفظ : { من صلى صلاة لم يصل فيها علي وعلى أهل بيتي لم تقبل منه } وهو لا يدل على المطلوب وغايته إيجاب الصلاة في مطلق الصلاة فأين دليل التقييد بعد التشهد على أنه لا يصلح للاستدلال به ، فإن الدارقطني قال بعد إخراجه : الصواب أنه من قول أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين استدلوا أيضا بحديث فضالة بن عبيد الآتي ، وغايته إيجاب الصلاة في مطلق الصلاة عند إرادة الدعاء ، فما الدليل على الوجوب بعد التشهد على أنه حجة عليهم لا لهم كما سيأتي للمصنف

                                                                                                                                            ومن جملة أدلتهم ما قاله المهدي في البحر : إنه لا حتم في غير الصلاة إجماعا فتعين فيها للأمر ، والإجماع ممنوع فقد قال [ ص: 332 ] مالك : إنها تجب في العمر مرة وإليه ذهب أهل الظاهر

                                                                                                                                            وقال الطحاوي : إنها تجب كلما ذكر واختاره الحليمي من الشافعية قال ابن دقيق العيد : وقد كثر الاستدلال على الوجوب في الصلاة بين المتفقهة بأن الصلاة عليه واجبة بالإجماع ، ولا تجب في الصلاة بالإجماع ، فتعين أن تجب في الصلاة وهو ضعيف جدا ; لأن قوله لا تجب في غير الصلاة بالإجماع إن أراد لا تجب في غير الصلاة عينا فهو صحيح لكنه لا يلزم منه أن تجب في الصلاة عينا لجواز أن يكون الواجب مطلق الصلاة فلا يجب واحد من المعينين : أعني خارج الصلاة وداخل الصلاة وإن أراد أعم من ذلك وهو الوجوب المطلق فممنوع ا هـ .

                                                                                                                                            ومن جملة أدلتهم ما أخرجه البزار في مسنده من رواية إسماعيل بن أبان عن قيس عن سماك عن جابر بن سمرة قال : { صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فقال : آمين ، آمين ، آمين ، فلما نزل سئل عن ذلك فقال : أتاني جبريل } الحديث وفيه : { ورغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل علي } وإسماعيل بن أبان هو الغنوي كذبه يحيى بن معين وغيره ، نعم حديث كعب بن عجرة عند الطبراني { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوما إلى المنبر فقال حين ارتقى درجة : آمين ثم رقي أخرى فقال : آمين } الحديث ، وفيه أن جبريل قال له عند الدرجة الثالثة : بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك . فقلت : " آمين " ، ورجاله ثقات كما قال العراقي . وحديث جابر عند الطبراني بلفظ : { شقي من ذكرت عنده فلم يصل علي } يفيد أن الوجوب عند الذكر من غير فرق بين داخل الصلاة وخارجها والقائلون بالوجوب في الصلاة لا يقولون بالوجوب خارجها ، فما هو جوابهم عن الوجوب خارجها فهو جوابنا عن الوجوب داخلها على أن التقييد بقوله عنده مشعر بوقوع الذكر من غير من أضيف إليه ، والذكر الواقع حال الصلاة ليس من غير الذاكر ، وإلحاق ذكر الشخص بذكر غيره يمنع منه وجود الفارق وهو ما يشعر به السكوت عند سماع ذكره صلى الله عليه وسلم من الغفلة وفرط القسوة بخلاف ما إذا جرى ذكره صلى الله عليه وسلم من الشخص نفسه ، فكفى به عنوانا على الالتفات والرقة

                                                                                                                                            ويؤيد هذا الحديث الصحيح { أن في الصلاة لشغلا } . ومن أنهض ما يستدل به على الوجوب في الصلاة مقيدا بالمحل المخصوص : أعني بعد التشهد ما أخرجه الحاكم والبيهقي من طريق يحيى بن السباق عن رجل من آل الحارث عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ { إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل } الحديث لولا أن في إسناده رجلا مجهولا وهو هذا الحارثي

                                                                                                                                            والحاصل أنه لم يثبت عندي من الأدلة ما يدل على مطلوب القائلين بالوجوب ، وعلى فرض ثبوته فترك تعليم المسيء للصلاة لا سيما مع قوله صلى الله عليه وسلم : { فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك } قرينة صالحة لحمله على الندب . ويؤيد ذلك قوله لابن مسعود وبعد تعليمه التشهد : { إذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك ، [ ص: 333 ] إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد } أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والدارقطني وفيه كلام يأتي إن شاء الله في باب كون السلام فرضا . وبعد هذا فنحن لا ننكر أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم من أجل الطاعات التي يقترب بها الخلق إلى الخالق وإنما نازعنا في إثبات واجب من واجبات الصلاة بغير دليل يقتضيه مخافة من المتقول على الله بما لم يقل ولكن تخصيص التشهد الأخير مما لم يدل عليه دليل صحيح ولا ضعيف وجميع هذه الأدلة التي استدل بها القائلون بالوجوب لا تختص بالأخير

                                                                                                                                            وغاية ما استدلوا به على تخصيص الأخير بها حديث : { إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس في التشهد الأوسط كما يجلس على الرضف } . أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وليس فيه إلا مشروعية التخفيف وهو يحصل بجعله أخف من مقابله : أعني التشهد الأخير . وأما إنه يستلزم ترك ما دل الدليل على مشروعيته فيه فلا ، ولا شك أن المصلي إذا اقتصر على أحد التشهدات وعلى أخصر ألفاظ الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كان مسارعا غاية المسارعة باعتبار ما يقع من تطويل الأخير بالتعوذ من الأربع والأدعية المأمور بمطلقها ومقيدها فيه

                                                                                                                                            إذا تقرر لك الكلام في وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فاعلم أنه قد اختلف في وجوبها على الآل بعد التشهد ، فذهب الهادي والقاسم والمؤيد بالله وأحمد بن حنبل وبعض أصحاب الشافعي إلى الوجوب ، واستدلوا بالأوامر المذكورة في الأحاديث المشتملة على الآل . وذهب الشافعي في أحد قوليه وأبو حنيفة وأصحابه والناصر إلى أنها سنة فقط ، وقد تقدم ذكر الأدلة من الجانبين

                                                                                                                                            ومن جملة ما احتج به الآخرون هنا الإجماع الذي حكاه النووي على عدم الوجوب ، قالوا : فيكون قرينة لحمل الأوامر على الندب ، قالوا : ويؤيد ذلك عدم الأمر بالصلاة على الآل في القرآن والخلاف في تعيين الآل من هم وسيأتي في الباب الثاني . وشرح بقية ألفاظ حديث ابن مسعود يأتي في شرح ما بعده من أحاديث الباب .

                                                                                                                                            781 - ( وعن كعب بن عجرة قال { : قلنا يا رسول الله قد علمنا أو عرفنا كيف السلام عليك فكيف الصلاة ؟ قال : قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد } . رواه الجماعة إلا أن الترمذي قال في على إبراهيم في الموضعين ولم يذكر آله ) . قوله : ( قد علمنا . . . إلخ ) يعني بما تقدم في أحاديث التشهد وهو : { السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته } وهو يدل على تأخر مشروعية الصلاة عن التشهد

                                                                                                                                            قوله : [ ص: 334 ] فكيف الصلاة ) فيه أنه يندب لمن أشكل عليه كيفية ما فهم جملته أن يسأل عنه من له به علم . قوله : ( قولوا ) استدل به القائلون بوجوب الصلاة في الصلاة ، وقد تقدم البحث عن ذلك . قوله : ( وعلى آل محمد ) في رواية لأبي داود " وآل محمد " بحذف على وسائر الروايات في هذا الحديث وغيره بإثباتها ، وقد ذهب البعض إلى وجوب زيادتها . قوله : ( كما صليت على آل إبراهيم ) هم إسماعيل وإسحاق وأولادهما وقد جمع الله لهم الرحمة والبركة بقوله : { رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد } ولم يجمعا لغيرهم فسأل النبي صلى الله عليه وسلم إعطاء ما تضمنته الآية واستشكل جماعة من العلماء التشبيه للصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بالصلاة على إبراهيم كما في بعض الروايات ، أو على آل إبراهيم كما في البعض الآخر مع أن المشبه دون المشبه به في الغالب ، وهو صلى الله عليه وسلم أفضل من إبراهيم وآله

                                                                                                                                            وأجيب عن ذلك بأجوبة : منها أن المشبه مجموع الصلاة على محمد وآله بمجموع الصلاة على إبراهيم وآله وفي آل إبراهيم معظم الأنبياء فالمشبه به أقوى من هذه الحيثية . ومنها أن التشبيه وقع لأصل الصلاة بأصل الصلاة لا للقدر بالقدر ومنها أن التشبيه وقع في الصلاة على الآل لا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو خلاف الظاهر . ومنها أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم باعتبار تكررها من كل فرد تصير باعتبار مجموع الأفراد أعظم وأوفر وإن كانت باعتبار الفرد متساوية أو ناقصة ، وفيه أن التشبيه حاصل في صلاة كل فرد ، فالصلاة من المجموع مأخوذ فيها ذلك فلا يتحقق كونها أعظم وأوفر

                                                                                                                                            ومنها أن الصلاة عليه كانت ثابتة له ، والسؤال إنما هو باعتبار الزائد على القدر الثابت ، وبانضمام ذلك الزائد المساوي أو الناقص إلى ما قد ثبت تصير أعظم قدرا . ومنها أن التشبيه غير منظور فيه إلى جانب زيادة أو نقص ، وإنما المقصود أن لهذه الصلاة نوع تعظيم وإجلال كما فعل في حق إبراهيم وتقرر واشتهر من تعظيمه وتشريفه ، وهو خلاف الظاهر ، ومنها أن الغرض من التشبيه قد يكون لبيان حال المشبه من غير نظر إلى قوة المشبه به وهو قليل لا يحمل عليه إلا لقرينة

                                                                                                                                            ومنها أن التشبيه لا يقتضي أن يكون المشبه دون المشبه به على جهة اللزوم كما صرح بذلك جماعة من علماء البيان .

                                                                                                                                            وفيه أنه وإن لم يقتض ذلك نادرا فلا شك أنه غالب . ومنها أنه كان ذلك منه صلى الله عليه وسلم قبل أن يعلمه أنه أفضل من إبراهيم . ومنها أن مراده صلى الله عليه وسلم أن يتم النعمة عليه كما أتمها على إبراهيم وآله . ومنها أن مراده صلى الله عليه وسلم أن يبقى له لسان صدق في الآخرين . ومنها أنه سأل أن يتخذه الله خليلا كإبراهيم . ومنها أنه صلى الله عليه وسلم من جملة آل إبراهيم . وكذلك آله فالمشبه هو الصلاة عليه وعلى آله بالصلاة على إبراهيم وآله الذي هو من جملتهم فلا ضير في ذلك . قوله : ( إنك حميد ) أي محمود الأفعال مستحق لجميع المحامد لما في الصيغة من المبالغة وهو تعليل لطلب الصلاة منه ، والمجيد : المتصف بالمجد وهو كمال الشرف والكرم [ ص: 335 ] والصفات المحمودة

                                                                                                                                            قوله : ( اللهم بارك ) البركة : هي الثبوت والدوام من قولهم برك البعير : إذا ثبت ودام : أي أدم شرفه وكرامته وتعظيمه .

                                                                                                                                            782 - ( وعن فضالة بن عبيد قال : { سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته فلم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : عجل هذا ، ثم دعاه . فقال له أو لغيره : إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه ، ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليدع بعد ما شاء } . رواه الترمذي وصححه ) . الحديث أخرجه أيضا أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم . قوله : ( عجل هذا ) أي بدعائه قبل تقديم الصلاة ، وفيه دليل على مشروعية تقديم الصلاة قبل الدعاء ليكون وسيلة للإجابة ، لأن من حق السائل أن يتلطف في نيل ما أراده

                                                                                                                                            وقد روى الحديث غير المصنف بلفظ : { سمع رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله ولم يصل على النبي } . قوله : ( والثناء عليه ) هو من عطف العام على الخاص . قوله : ( ما شاء ) في أكثر الروايات بما شاء يعني من خير الدنيا والآخرة ، وفيه الإذن في الصلاة بمطلق الدعاء من غير تقييد بمحل مخصوص ، قيل : هذا الحديث موافق في المعنى لحديث ابن مسعود وغيره في التشهد ، فإن ذلك متضمن للتمجيد والثناء وهذا مجمل وذلك مبين للمراد وهو لا يتم إلا بعد تسليم أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع الرجل يدعو في قعدة التشهد . وقد استدل بالحديث القائلون بوجوب الصلاة في الصلاة ، وقد تقدم الجواب عن ذلك . قال المصنف رحمه الله تعالى: وفيه حجة لمن لا يرى الصلاة عليه فرضا حيث لم يأمر تاركها بالإعادة . ويعضده قوله في خبر ابن مسعود بعد ذكر التشهد : " ثم يتخير من المسألة ما شاء " ا هـ .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية