[ ص: 560 ] nindex.php?page=treesubj&link=28979_29677_30772_34081_34106nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينـزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11إذ يغشيكم : بدل ثان من "إذ يعدكم" ، أو منصوب بالنصر ، أو بما في
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=10من عند الله ، من معنى الفعل ، أو بما جعله الله ، أو بإضمار اذكر ، وقرئ : "يغشيكم" بالتخفيف والتشديد ، ونصب "النعاس" ، والضمير لله - عز وجل - و “ أمنة" : مفعول له .
فإن قلت : أما وجب أن يكون فاعل الفعل المعلل والعلة واحدا؟
قلت : بلى ، ولكن لما كان معنى "يغشاكم النعاس" ، تنعسون ، انتصب أمنة على أن النعاس والأمنة لهم ، والمعنى : إذ تنعسون أمنة بمعنى أمنا ، أي : لأمنكم ، و “ منه" : صفة لها : أي : أمنة حاصلة لكم من الله ، عز وجل .
فإن قلت : فعلى غير هذه القراءة؟
قلت : يجوز أن تكون الأمنة بمعنى : الإيمان ، أي : ينعسكم إيمانا منه ، أو على يغشيكم النعاس فتنعسون أمنا .
فإن قلت : هل يجوز أن ينتصب على أن الأمنة للنعاس الذي هو فاعل يغشاكم؟
أي : يغشاكم النعاس لأمنه على أن إسناد الأمن إلى النعاس إسناد مجازي ، وهو لأصحاب النعاس على الحقيقة ، أو على أنه أنامكم في وقت كان من حق النعاس في مثل ذلك الوقت المخوف أن لا يقدم على غشيانكم ، وإنما غشيكم أمنة حاصلة من الله لولاها لم يغشكم على طريقة التمثيل والتخييل؟
[ ص: 561 ] قلت : لا تبعد فصاحة القرآن عن احتماله ، وله فيه نظائر ، وقد ألم به من قال : [من الوافر] :
يهاب النوم أن يغشى عيونا تهابك فهو نفار شرود
وقرئ " أمنة " : بسكون الميم ، ونظير : "أمن أمنة" "حيي حياة" ، ونحو : "أمن أمنة" "رحم رحمة" ، والمعنى : أن ما كان بهم من الخوف كان يمنعهم من النوم ، فلما طمأن الله قلوبهم وأمنهم رقدوا ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنه - : النعاس في القتال : أمنة من الله ، وفي الصلاة : وسوسة من الشيطان ، "وينزل" : قرئ بالتخفيف والتثقيل ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي : "ما ليطهركم به" : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني : "ما" موصولة وصلتها حرف الجر بما جره ; فكأنه قال : ما للطهور ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11رجز الشيطان : وسوسته إليهم ، وتخويفه إياهم من العطش ، وقيل : الجنابة ; لأنها من تخييله ، وقرئ : "رجس الشيطان" ; وذلك أن إبليس تمثل لهم ، وكان المشركين قد سبقوهم إلى الماء ; ونزل المسلمون في كثيب أعفر تسوخ فيه الأقدام على غير ماء ، وناموا فاحتلم أكثرهم ، فقال لهم : أنتم يا أصحاب
محمد تزعمون أنكم على الحق ، وأنكم تصلون على غير وضوء وعلى الجنابة ، وقد عطشتم ، ولو كنتم على حق ما غلبكم هؤلاء على الماء وما ينتظرون بكم إلا أن يجهدكم العطش ، فإذا قطع العطش أعناقكم مشوا إليكم فقتلوا من أحبوا ، وساقوا بقيتكم إلى
مكة ، فحزنوا حزنا شديدا وأشفقوا ; فأنزل الله - عز وجل المطر ; فمطروا ليلا حتى جرى الوادي ، واتخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الحياض على عدوة الوادي ، وسقوا الركاب ، واغتسلوا
[ ص: 562 ] وتوضؤوا ، وتلبد الرمل الذي كان بينهم وبين العدو حتى ثبتت عليه الأقدام ، وزالت وسوسة الشيطان ، وطابت النفوس ، والضمير في "به" : للماء ، ويجوز أن يكون للربط ; لأن القلب إذا تمكن فيه الصبر والجراءة ، ثبتت القدم في مواطن القتال .
[ ص: 560 ] nindex.php?page=treesubj&link=28979_29677_30772_34081_34106nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَـزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11إِذْ يُغَشِّيكُمُ : بَدَلٌ ثَانٍ مِنْ "إِذْ يَعِدُكُمُ" ، أَوْ مَنْصُوبٌ بِالنَّصْرِ ، أَوْ بِمَا فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=10مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، مِنْ مَعْنَى الْفِعْلِ ، أَوْ بِمَا جَعَلَهُ اللَّهُ ، أَوْ بِإِضْمَارِ اذْكُرْ ، وَقُرِئَ : "يُغْشِيكُمْ" بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ ، وَنَصْبِ "النُّعَاسِ" ، وَالضَّمِيرُ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَ “ أَمَنَةً" : مَفْعُولٌ لَهُ .
فَإِنْ قُلْتَ : أَمَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ الْفِعْلِ الْمُعَلَّلِ وَالْعِلَّةُ وَاحِدًا؟
قُلْتُ : بَلَى ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مَعْنَى "يَغْشَاكُمُ النُّعَاسُ" ، تَنْعَسُونَ ، انْتَصَبَ أَمَنَةٌ عَلَى أَنَّ النُّعَاسَ وَالْأَمَنَةَ لَهُمْ ، وَالْمَعْنَى : إِذْ تَنْعَسُونَ أَمَنَةً بِمَعْنَى أَمْنًا ، أَيْ : لِأَمْنِكُمْ ، وَ “ مِنْهُ" : صِفَةٌ لَهَا : أَيْ : أَمَنَةً حَاصِلَةً لَكُمْ مِنَ اللَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ .
فَإِنْ قُلْتَ : فَعَلَى غَيْرِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ؟
قُلْتُ : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْأَمَنَةُ بِمَعْنَى : الْإِيمَانِ ، أَيْ : يُنْعِسُكُمْ إِيمَانًا مِنْهُ ، أَوْ عَلَى يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسُ فَتَنْعَسُونَ أَمْنًا .
فَإِنْ قُلْتَ : هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ عَلَى أَنَّ الْأَمَنَةَ لِلنُّعَاسِ الَّذِي هُوَ فَاعِلُ يَغْشَاكُمْ؟
أَيْ : يَغْشَاكُمُ النُّعَاسُ لِأَمْنِهِ عَلَى أَنَّ إِسْنَادَ الْأَمْنِ إِلَى النُّعَاسِ إِسْنَادٌ مَجَازِيٌّ ، وَهُوَ لِأَصْحَابِ النُّعَاسِ عَلَى الْحَقِيقَةِ ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ أَنَامَكُمْ فِي وَقْتٍ كَانَ مِنْ حَقِّ النُّعَاسِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ الْمَخُوفِ أَنْ لا يُقَدَّمُ عَلَى غَشَيَانِكُمْ ، وَإِنَّمَا غَشِيَكُمْ أَمَنَةً حَاصِلَةً مِنَ اللَّهِ لَوْلاهَا لَمْ يَغْشَكُمْ عَلَى طَرِيقَةِ التَّمْثِيلِ وَالتَّخْيِيلِ؟
[ ص: 561 ] قُلْتُ : لا تَبْعُدُ فَصَاحَةُ الْقُرْآنِ عَنِ احْتِمَالِهِ ، وَلَهُ فِيهِ نَظَائِرُ ، وَقَدْ أَلَمَّ بِهِ مَنْ قَالَ : [مِنَ الْوَافِرِ] :
يَهَابُ النَّوْمُ أَنْ يَغْشَى عُيُونًا تَهَابُكَ فَهْوَ نَفَّارٌ شَرُودُ
وَقُرِئَ " أَمْنَةً " : بِسُكُونِ الْمِيمِ ، وَنَظِيرُ : "أَمِنَ أَمَنَةً" "حَيِيَ حَيَاةً" ، وَنَحْوُ : "أَمِنَ أَمْنَةً" "رَحِمَ رَحْمَةً" ، وَالْمَعْنَى : أَنَّ مَا كَانَ بِهِمْ مِنَ الْخَوْفِ كَانَ يَمْنَعُهُمْ مِنَ النَّوْمِ ، فَلَمَّا طَمْأَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَأَمِنَهُمْ رَقَدُوا ، وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : النُّعَاسُ فِي الْقِتَالِ : أَمَنَةٌ مِنَ اللَّهِ ، وَفِي الصَّلاةِ : وَسْوَسَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ ، "وَيُنَزِّلُ" : قُرِئَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّثْقِيلِ ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشَّعْبِيُّ : "مَا لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ" : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابْنُ جِنِّيٍّ : "مَا" مَوْصُولَةٌ وَصِلَتُهَا حَرْفُ الْجَرِّ بِمَا جَرَّهُ ; فَكَأَنَّهُ قَالَ : مَا لِلطَّهُورِ ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=11رِجْزَ الشَّيْطَانِ : وَسْوَسَتُهُ إِلَيْهِمْ ، وَتَخْوِيفُهُ إِيَّاهُمْ مِنَ الْعَطَشِ ، وَقِيلَ : الْجَنَابَةِ ; لِأَنَّهَا مِنْ تَخْيِيلِهِ ، وَقُرِئَ : "رِجْسَ الشَّيْطَانِ" ; وَذَلِكَ أَنَّ إِبْلِيسَ تَمَثَّلَ لَهُمْ ، وَكَانَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ سَبَقُوهُمْ إِلَى الْمَاءِ ; وَنَزَلَ الْمُسْلِمُونَ فِي كَثِيبٍ أَعْفَرَ تَسُوخُ فِيهِ الْأَقْدَامُ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ ، وَنَامُوا فَاحْتَلَمَ أَكْثَرُهُمْ ، فَقَالَ لَهُمْ : أَنْتُمْ يَا أَصْحَابَ
مُحَمَّدٍ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ عَلَى الْحَقِّ ، وَأَنَّكُمْ تُصَلُّونَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَعَلَى الْجَنَابَةِ ، وَقَدْ عَطِشْتُمْ ، وَلَوْ كُنْتُمْ عَلَى حَقٍّ مَا غَلَبَكُمْ هَؤُلاءِ عَلَى الْمَاءِ وَمَا يَنْتَظِرُونَ بِكُمْ إِلَّا أَنْ يُجْهِدَكُمُ الْعَطَشُ ، فَإِذَا قَطَعَ الْعَطَشُ أَعْنَاقَكُمْ مَشَوْا إِلَيْكُمْ فَقَتَلُوا مَنْ أَحَبُّوا ، وَسَاقُوا بَقِيَّتَكُمْ إِلَى
مَكَّةَ ، فَحَزِنُوا حُزْنًا شَدِيدًا وَأَشْفَقُوا ; فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ الْمَطَرَ ; فَمُطِرُوا لَيْلًا حَتَّى جَرَى الْوَادِي ، وَاتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ الْحِيَاضَ عَلَى عُدْوَةِ الْوَادِي ، وَسَقَوُا الرِّكَابَ ، وَاغْتَسَلُوا
[ ص: 562 ] وَتَوَضَّؤُوا ، وَتَلَبَّدَ الرَّمْلُ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ حَتَّى ثَبَتَتْ عَلَيْهِ الْأَقْدَامُ ، وَزَالَتْ وَسْوَسَةُ الشَّيْطَانِ ، وَطَابَتِ النُّفُوسُ ، وَالضَّمِيرُ فِي "بِهِ" : لِلْمَاءِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلرَّبْطِ ; لِأَنَّ الْقَلْبَ إِذَا تَمَكَّنَ فِيهِ الصَّبْرُ وَالْجَرَاءَةُ ، ثَبَتَتِ الْقَدَمُ فِي مَوَاطِنِ الْقِتَالِ .