الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          3578 حدثنا محمود بن غيلان حدثنا عثمان بن عمر حدثنا شعبة عن أبي جعفر عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادع الله أن يعافيني قال إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك قال فادعه قال فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي اللهم فشفعه في قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر وهو الخطمي وعثمان بن حنيف هو أخو سهل بن حنيف

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن عمارة ) بضم أوله وتخفيف الميم ( بن خزيمة بن ثابت ) الأنصاري الأوسي المدني ثقة من الثالثة ( عن عثمان بن حنيف ) بالمهملة والنون مصغرا ابن واهب الأنصاري الأوسي المدني صحابي شهير استعمله عمر على مساحة أرض الكوفة وعلي على البصرة قبل الجمل مات في خلافة معاوية .

                                                                                                          قوله : ( أن رجلا ضرير البصر ) أي : ضعيف النظر أو أعمى ( ادع الله أن يعافيني ) أي : من [ ص: 24 ] ضرري في نظري " قال إن شئت " أي : اخترت الدعاء " دعوت " أي : لك " إن شئت " أي : أردت الصبر والرضا " فهو " أي : الصبر " خير لك " فإن الله تعالى قال : إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ثم صبر عوضته منهما الجنة ( قال ) أي : الرجل ( فادعه ) بالضمير أي : ادعه الله واسأل العافية ، ويحتمل أن تكون الهاء للسكت . قال الطيبي أسند النبي -صلى الله عليه وسلم- الدعاء إلى نفسه وكذا طلب الرجل أن يدعو هو -صلى الله عليه وسلم- ثم أمره -صلى الله عليه وسلم- أن يدعو هو أي : الرجل كأنه -صلى الله عليه وسلم- لم يرض منه اختياره الدعاء لما قال : الصبر خير لك لكن في جعله شفيعا له ووسيلة في استجابة الدعاء ما يفهم أنه -صلى الله عليه وسلم- شريك فيه ( فيحسن وضوءه ) أي : يأتي بكمالاته من سننه وآدابه ، وزاد في رواية ابن ماجه ويصلي ركعتين " اللهم إني أسألك " أي : أطلبك مقصودي فالمفعول مقدر " وأتوجه إليك بنبيك " الباء للتعدية " محمد نبي الرحمة " أي : المبعوث رحمة للعالمين " إني توجهت بك " أي : استشفعت بك والخطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم- ففي رواية ابن ماجه يا محمد إني قد توجهت بك لتقضى لي بصيغة المجهول أي : لتقضى لي حاجتي بشفاعتك " فشفعه " بتشديد الفاء أي : اقبل شفاعته " في " أي : في حقي قوله : ( هذا حديث حسن صحيح غريب ) وأخرجه النسائي وزاد في آخره : فرجع وقد كشف الله عن بصره ، وأخرجه أيضا ابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه والحاكم ، وقال صحيح على شرط الشيخين وزاد فيه : فدعا بهذا الدعاء فقام وقد أبصر ، وأخرجه الطبراني وذكر في أوله قصة ، وهي أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان -رضي الله عنه- في حاجة له وكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته فلقي عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه فقال له عثمان بن حنيف ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم : قل اللهم إني أسألك ، وأتوجه إليك بنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي حاجتي ، وتذكر حاجتك ورح إلي حتى أروح معك ، فانطلق الرجل فصنع ما قال له ثم أتى باب عثمان فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة ، وقال : ما حاجتك ؟ فذكر حاجته فقضاها له ثم قال ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة ، وقال ما كانت لك من حاجة فأتنا ، ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له : جزاك الله خيرا ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلي حتى كلمته في ، فقال عثمان بن حنيف : والله ما كلمته ، ولكن شهدت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأتاه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- " أو تصبر ؟ " فقال يا رسول الله إنه ليس لي قائد ، وقد شق علي فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- : " ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ثم ادع [ ص: 25 ] بهذه الدعوات " فقال عثمان بن حنيف فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط . قال الطبراني بعد ذكر طرقه : والحديث صحيح كذا في الترغيب ، وقال الإمام ابن تيمية في رسالته ( التوسل والوسيلة ) بعد ذكر حديث عثمان بن حنيف هذا ما لفظه : وهذا الحديث حديث الأعمى قد رواه المصنفون في دلائل النبوة كالبيهقي وغيره ثم أطال الكلام في بيان طرقه وألفاظها ( من حديث أبي جعفر وهو غير الخطمي ) قال الإمام ابن تيمية : هكذا وقع في الترمذي ، وسائر العلماء قالوا هو أبو جعفر وهو الصواب . انتهى . قلت : أبو جعفر عن عمارة بن خزيمة رجلان أحدهما أبو جعفر الخطمي بفتح المعجمة وسكون المهملة اسمه : عمير بن يزيد بن عمير بن حبيب الأنصاري المدني نزيل البصرة صدوق من السادسة والثاني غير الخطمي . قال في التقريب أبو جعفر عن عمارة بن خزيمة قال الترمذي : ليس هو الخطمي ، فلعله الذي بعده . قلت : والذي بعده هو أبو جعفر الرازي التميمي مولاهم ، واسمه عيسى بن أبي عيسى عبد الله بن ماهان ، وأصله من مرو وكان يتجر إلى الري صدوق سيئ الحفظ خصوصا عن مغيرة من كبار السابعة .

                                                                                                          تنبيه : قال الشيخ عبد الغني في إنجاح الحاجة : ذكر شيخنا عابد السندي في رسالته والحديث يدل على جواز التوسل والاستشفاع بذاته المكرم في حياته . وأما بعد مماته فقد روى الطبراني في الكبير عن عثمان بن حنيف أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له فذكر الحديث قال : وقد كتب شيخنا المذكور رسالة مستقلة فيها التفصيل من أراد فليرجع إليها . انتهى ، وقال الشوكاني في تحفة الذاكرين : وفي الحديث دليل على جواز التوسل برسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الله -عز وجل- مع اعتقاد أن الفاعل هو الله سبحانه وتعالى وأنه المعطي المانع ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن . انتهى ، وقال فيها في شرح قول صاحب العمدة : ويتوسل إلى الله بأنبيائه والصالحين ما لفظه ، ومن التوسل بالأنبياء ما أخرجه الترمذي من حديث عثمان بن حنيف -رضي الله عنه- أن أعمى أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر الحديث ثم قال : وأما التوسل بالصالحين فمنه ما ثبت في الصحيح أن الصحابة استسقوا بالعباس -رضي الله عنه- عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال عمر -رضي الله عنه- اللهم إنا نتوسل إليك بعم نبينا إلخ . انتهى ، وقال في رسالته ( الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد ) : وأما التوسل إلى الله سبحانه بأحد من خلقه في مطلب يطلبه العبد من ربه فقد قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : إنه لا يجوز التوسل إلى الله تعالى إلا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- إن صح الحديث فيه . ولعله يشير إلى الحديث الذي أخرجه النسائي في سننه والترمذي وصححه ابن ماجه وغيرهم أن أعمى أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر الحديث ، قال وللناس في معنى هذا قولان : أحدهما أن التوسل هو الذي ذكره عمر بن الخطاب لما قال كنا إذا أجدبنا نتوسل بنبينا إليك فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا وهو في صحيح البخاري [ ص: 26 ] وغيره فقد ذكر عمر -رضي الله عنه- أنهم كانوا يتوسلون بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في حياته في الاستسقاء ثم توسل بعمه العباس بعد موته ، وتوسلهم هو استسقاؤهم بحيث يدعو ويدعون معه فيكون هو وسيلتهم إلى الله تعالى ، والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان في مثل هذا شافعا وداعيا لهم ، والقول الثاني أن التوسل به -صلى الله عليه وسلم- يكون في حياته وبعد موته وفي حضرته ومغيبه ولا يخفاك أنه قد ثبت التوسل به -صلى الله عليه وسلم- في حياته وثبت التوسل بغيره بعد موته بإجماع الصحابة إجماعا سكوتيا لعدم إنكار أحد منهم على عمر -رضي الله عنه- في توسله بالعباس -رضي الله عنه- ، وعندي أنه لا وجه لتخصيص جواز التوسل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- كما زعمه الشيخ عز الدين بن عبد السلام لأمرين : الأول ما عرفناك به من إجماع الصحابة -رضي الله عنهم- ، والثاني أن التوسل إلى الله بأهل الفضل والعلم هو في التحقيق توسل بأعمالهم الصالحة ومزاياهم الفاضلة إذ لا يكون الفاضل فاضلا إلا بأعماله ، فإذا قال القائل : اللهم إني أتوسل إليك بالعالم الفلاني فهو باعتبار ما قام به من العلم ، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حكى عن الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة أن كل واحد منهم توسل إلى الله بأعظم عمل عمله فارتفعت الصخرة ، فلو كان التوسل بالأعمال الفاضلة غير جائز أو كان شركا كما يزعمه المتشددون في هذا الباب كابن عبد السلام ومن قال بقوله من أتباعه لم تحصل الإجابة لهم ولا سكت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن إنكار ما فعلوه بعد حكايته عنهم . وبهذا تعلم أن ما يورده المانعون من التوسل بالأنبياء والصلحاء من نحو قوله تعالى ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ونحو قوله تعالى فلا تدعوا مع الله أحدا ونحو قوله تعالى له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء ليس بوارد بل هو من الاستدلال على محل النزاع بما هو أجنبي عنه ، فإن قولهم ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى مصرح بأنهم عبدوهم لذلك والمتوسل بالعالم مثلا لم يعبده بل علم أن له مزية عند الله بحمله العلم فتوسل به لذلك ، وكذلك قوله ولا تدعوا مع الله أحدا فإنه نهي عن أن يدعى مع الله غيره كأن يقول بالله وبفلان ، والمتوسل بالعالم مثلا لم يدع إلا الله فإنما وقع منه التوسل عليه بعمل صالح عمله بعض عباده كما توسل الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة بصالح أعمالهم وكذلك قوله : والذين يدعون من دونه الآية فإن هؤلاء دعوا من لا يستجيب لهم ولم يدعوا ربهم الذي يستجيب لهم والمتوسل بالعالم مثلا لم يدع إلا الله ولم يدع غيره دونه ولا دعا غيره معه . وإذا عرفت هذا لم يخف عليك دفع ما يورده المانعون للتوسل من الأدلة الخارجة عن محل النزاع خروجا زائدا على ما ذكرناه كاستدلالهم بقوله تعالى وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله فإن هذه الآية الشريفة ليس فيها إلا أنه تعالى المنفرد بالأمر في يوم الدين وأنه ليس لغيره من الأمر شيء ، والمتوسل بنبي من الأنبياء أو عالم من العلماء هو لا يعتقد أن لمن توسل به مشاركة لله جل جلاله في أمر يوم الدين ومن [ ص: 27 ] اعتقد هذا العبد من العباد ، سواء كان نبيا أو غير نبي فهو في ضلال مبين ، وهكذا الاستدلال على منع التوسل بقوله ليس لك من الأمر شيء قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا فإن هاتين الآيتين مصرحتان بأنه ليس لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أمر الله شيء ، وأنه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فكيف يملك لغيره ؟ وليس فيهما منع التوسل به أو بغيره من الأنبياء أو الأولياء أو العلماء ، وقد جعل الله لرسوله -صلى الله عليه وسلم- المقام المحمود لمقام الشفاعة العظمى وأرشد الخلق إلى أن يسألوه ذلك ويطلبوه منه ، وقال له : سل تعطه واشفع تشفع ، وقيل ذلك في كتابه العزيز بأن الشفاعة لا تكون إلا بإذنه ولا تكون إلا لمن ارتضى ، وهكذا الاستدلال على منع التوسل بقوله -صلى الله عليه وسلم- لما نزل قوله تعالى وأنذر عشيرتك الأقربين يا فلان بن فلان لا أملك لك من الله شيئا ، يا فلانة بنت فلان لا أملك لك من الله شيئا ، فإن هذا ليس فيها إلا التصريح بأنه -صلى الله عليه وسلم- لا يستطيع نفع من أراد الله ضره ولا ضر من أراد الله تعالى نفعه ، وأنه لا يملك لأحد من قرابته فضلا عن غيرهم شيئا من الله ، وهذا معلوم لكل مسلم وليس فيه أنه لا يتوسل به إلى الله فإن ذلك هو طلب الأمر ممن له الأمر والنهي وإنما أراد الطالب أن يقدم بين يدي طلبه ما يكون سببا للإجابة ممن هو المنفرد بالعطاء والمنع وهو مالك يوم الدين . انتهى كلام الشوكاني .

                                                                                                          قلت : الحق عندي أن التوسل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في حياته بمعنى التوسل بدعائه وشفاعته جائز وكذا التوسل بغيره من أهل الخير والصلاح في حياتهم بمعنى التوسل بدعائهم وشفاعتهم أيضا جائز ، وأما التوسل به -صلى الله عليه وسلم- بعد مماته وكذا التوسل بغيره من أهل الخير والصلاح بعد مماتهم فلا يجوز ، واختاره الإمام ابن تيمية في رسالته التوسل والوسيلة ، وقد أشبع الكلام في تحقيقه وأجاد فيه فعليك أن تراجعها ، ومن جملة كلامه فيها : وإذا كان كذلك فمعلوم أنه إذا ثبت عن عثمان بن حنيف أو غيره أنه جعل من المشروع المستحب أن يتوسل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد موته من غير أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- داعيا له ولا شافعا فيه فقد علمنا أن عمر وأكابر الصحابة لم يروا هذا مشروعا بعد مماته كما كان يشرع في حياته بل كانوا في الاستسقاء في حياته يتوسلون به فلما مات لم يتوسلوا به بل قال عمر في دعائه الصحيح المشهور الثابت باتفاق أهل العلم بمحضر من المهاجرين والأنصار في عام الرمادة المشهور لما اشتد بهم الجدب حتى حلف عمر لا يأكل سمنا حتى يخصب الناس ، ثم لما استسقى بالناس قال : اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون ، وهذا دعاء أقره عليه جميع الصحابة لم ينكره أحد مع شهرته وهو من أظهر الإجماعات الإقرارية ودعا بمثله معاوية بن أبي سفيان في خلافته لما استسقى بالناس ، فلو كان توسلهم بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد مماته كتوسلهم في حياته لقالوا كيف نتوسل بمثل العباس ويزيد بن الأسود ونحوهما ونعدل عن التوسل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- الذي هو أفضل الخلائق وهو أفضل الوسائل وأعظمها عند [ ص: 28 ] الله ، فلما لم يقل ذلك أحد منهم وقد علم أنهم في حياته إنما توسلوا بدعائه وشفاعته وبعد مماته توسلوا بدعاء غيره وشفاعة غيره علم أن المشروع عندهم التوسل بدعاء المتوسل به لا بذاته ، وحديث الأعمى حجة لعمر وعامة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فإنه إنما أمر الأعمى أن يتوسل إلى الله بشفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- ودعائه لا بذاته ، وقال له في الدعاء " قل اللهم فشفعه في " ، وإذا قدر أن بعض الصحابة أمر غيره أن يتوسل بذاته لا بشفاعته ولم يأمر بالدعاء المشروع بل ببعضه وترك سائره المتضمن للتوسل بشفاعته كان ما فعله عمر بن الخطاب هو الموافق لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان المخالف لعمر محجوجا بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان الحديث الذي رواه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حجة عليه لا له ، وقال فيها : فأما التوسل بذاته في حضوره أو مغيبه أو بعد موته مثل الإقسام بذاته أو بغيره من الأنبياء أو السؤال بنفس ذواتهم لا بدعائهم فليس هذا مشروعا عند الصحابة والتابعين بل عمر بن الخطاب ومعاوية بن أبي سفيان ومن بحضرتهما من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والتابعين لهم بإحسان لما أجدبوا استسقوا وتوسلوا أو استشفعوا بمن كان حيا كالعباس ويزيد بن الأسود ولم يتوسلوا ولم يستشفعوا ولم يستسقوا في هذه الحال بالنبي -صلى الله عليه وسلم- لا عند قبره ولا غير قبره بل عدلوا إلى البدل كالعباس وكيزيد بل كانوا يصلون عليه في دعائهم ، وقد قال عمر : اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ، فجعلوا هذا بدلا عن ذاك لما تعذر أن يتوسلوا به على الوجه المشروع الذي كانوا يفعلونه ، وقد كان من الممكن أن يأتوا إلى قبره ويتوسلوا هناك ويقولوا في دعائهم بالجاه ونحو ذلك من الألفاظ التي تتضمن القسم بمخلوق على الله عز وجل أو السؤال به فيقولون نسألك أو نقسم عليك بنبيك أو بجاه نبيك ونحو ذلك مما يفعله بعض الناس . انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية