الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثالث

3532 - عن رافع بن خديج قال : أصبح رجل من الأنصار مقتولا بخيبر ، فانطلق أولياؤه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له ، فقال : ألكم شاهدان يشهدان على قاتل صاحبكم ، قالوا : يا رسول الله لم يكن ثم أحد من المسلمين ، وإنما هم يهود وقد يجترؤن على أعظم من هذا قال : فاختاروا منهم خمسين فاستحلفوهم ، فأبوا ، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده . رواه أبو داود .

التالي السابق


الفصل الثالث

3532 - ( عن رافع بن خديج قال : أصبح رجل من الأنصار ) وهو عبد الله بن سهل ( مقتولا بخيبر فانطلق أولياؤه ) أي ولده وابنا عمه ( إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له ) أي للنبي صلى الله عليه وسلم ( فقال : ألكم شاهدان ) أي عدلان ( يشهدان على قتل صاحبكم ، قالوا : يا رسول الله لم يكن ثمة ) بفتح المثلثة أي هناك وهو موضع القتل ( أحد من المسلمين وإنما هم يهود ) قال الطيبي : تعريف المبتدأ والخبر وإتيان إنما المفيد للحصر مع من يعرفهم حق المعرفة إيذان بأن المراد به الوصف الذي اشتهر وتعورف منهم من المكر والخديعة والنفاق على نحو قول الشاعر :


أنا أبو النجم وشعري شعري

يعني ليس لنا شاهدان وهم أدهى وأنكر من أن يباشروا قتل المسلمين بما يؤخذون به ( وقد يجترؤن على أعظم من هذا ) أي من النفاق ومخادعة الله ورسوله وقتل الأنبياء بغير حق وتحريف الكلام عن مواضعه ( قال ) أي النبي صلى الله عليه وسلم ( فاختاروا منهم خمسين فاستحلفوهم ) بكسر اللام وهو ما قبله أمران ( فأبوا ) أي أولياء المقتول عن استحلاف اليهود ( فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده . رواه أبو داود ) أقول : ظاهر هذا الحديث صريح في مأخذ مذهبنا قال علماؤنا : القسامة في ميت به جرح أو أثر ضرب أو خنق أو خروج دم من أذنه أو عينه قيد الميت بذلك ; لأن الخالي منه لا قسامة فيه عندنا ولا دية وهو قول أحمد وفي رواية حماد والثوري ، وقال مالك والشافعي وأحمد : ليس الأثر بشرط بل الشرط اللوث وهو ما يوقع في القلب صدق المدعي من أثر دم على ثيابه أو عداوة ظاهرة أو شهادة عدل أو جماعة غير عدول أن أهل المحلة قتلوه لأنه عليه الصلاة والسلام لم يسأل الاقتصار هل كان بقتيلهم أثر أم لا ولأن القتل يحصل بما لا أثر له كعصر الخصيتين وضرب الفؤاد ناشبة من به أثر ، ولنا أن القسامة في الدية لتعظيم الدم وصيانته عن الهدر وذلك في القتل دون الموت حتف الأنف ، والقتل يعرف بالأثر ولا يلزم من عدم ذكره في الحديث عدم ذكره مطلقا ثم شرط أنه وجد في محلة لا يعلم قاله فحينئذ حلف خمسون رجلا حرا مكافئا منهم يختارهم الولي بالله ما قتلنا ولا علمنا له قاتلا وهذا حكاية قول الجمع ; لأن الواحد منهم إذا حلف يقول ما قتلت ولا علمت قاتله ، ولا يحلف الولي ثم قضى على أهلها الدية وهذا قول عمر رضي الله عنه والشافعي والنخعي والثوري وقال مالك والشافعي وأحمد : يبدأ بالمدعين في الأيمان فإن حلفوا استحقوا ، وإن نكلوا حلف المدعى عليهم خمسين يمينا ، فإن حلفوا برئوا وهو مذهب يحيى بن سعيد وربيعة وأبي الزناد والليث بن سعد لقوله عليه الصلاة والسلام لأولياء عبد الله بن سهل ابتداء : وتحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم ، وقوله فيما رواه البيهقي : أفتبريكم يهود بخمسين رجلا . ولنا ما في الكتب الستة من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اليمين على [ ص: 2309 ] المدعى عليه وما روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث بن الأزمع قال : وجد قتيل باليمن بين وادعة وأرحب ، فكتب عامل عمر بن الخطاب إليه فكتب إليه عمر أن قس ما بين الحيين فإلى أيهما كان أقرب فخذهم به قال : فقاسوه فوجده أقرب إلى وداعة فأخذنا وأغرمنا وأحلفنا قلنا : يا أمير المؤمنين أتحلفنا وتغرمنا قال : نعم ، فأحلف خمسين رجلا بالله ما قتلت ولا علمت قاتلا له ، وبه أخذ علماؤنا أن في قتيل وجد على دابة بين قريتين تجب القسامة والدية على أقربهما ، ولما روى أبو داود الطيالسي وإسحاق بن راهويه والبزار في مسانيدهم والبيهقي في سننه عن أبي سعيد الخدري أن قتيلا وجد بين حيين فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقاس إلى أيهما أقرب فوجد أقرب إلى الحيين بشبر قال الخدري : كأني أنظر إلى شبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فألقى ديته عليهم ثم القسامة والدية على أهل الخطة ولو بقي منهم واحد وهم الذين خط لهم الإمام وقسم الأراضي بخطة حين فتحها دون السكان أي وليست القسامة على السكان والمشترين وهذا عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف : الكل مشتركون وهو قول مالك والشافعي وأحمد وابن أبي ليلى ، وأهل السجن بمنزلة السكان فيتفرع عليه خلافهم والله تعالى أعلم .




الخدمات العلمية