الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون

                                                                                                                                                                                                الذين كفروا فهم لا يؤمنون أي : أصروا على الكفر ولجوا فيه ، فلا يتوقع منهم إيمان وهو بنو قريظة ، عاهدهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا يمالئوا عليه فنكثوا بأن أعانوا مشركي مكة بالسلاح ، وقالوا : نسينا وأخطأنا ، ثم عاهدهم فنكثوا ومالوا معهم يوم الخندق ، وانطلق كعب بن الأشرف إلى مكة فحالفهم الذين عاهدت منهم : بدل من الذين كفروا ، أي : الذين عاهدتهم من الذين كفروا جعلهم شر الدواب ; لأن شر الناس : الكفار ، وشر الكفار : المصرون منهم ، وشر المصرين : الناكثون للعهود وهم لا يتقون : لا يخافون عاقبة الغدر ، ولا يبالون ما فيه من العار والنار فإما تثقفنهم في الحرب : فإما تصادفنهم وتظفرن بهم فشرد بهم من خلفهم : ففرق عن محاربتك ، ومناصبتك بقتلهم شر قتلة والنكاية فيهم ، من وراءهم من الكفرة ، حتى لا يجسر عليك بعدهم أحد ; اعتبارا بهم واتعاظا بحالهم ، وقرأ ابن مسعود - رضي الله عنه - : "فشرذ" ، بالذال المعجمة ، بمعنى : ففرق ، وكأنه مقلوب "شذر" من قولهم : "ذهبوا شذر مذر" ، ومنه : الشذر : المتلقط من المعدن لتفرقه ، وقرأ أبو حيوة : من خلفهم ، ومعناه : فافعل التشريد من ورائهم ; لأنه إذا شرد الذين وراءهم ، فقد فعل التشريد في الوراء وأوقعه فيه ; لأن الوراء جهة المشردين ، فإذا جعل الوراء ظرفا للتشريد ، فقد دل على تشريد من فيه ، فلم يبق فرق بين القراءتين لعلهم يذكرون : لعل المشردين من ورائهم يتعظون .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية