الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما حولان الحول فليس من شرائط جواز أداء الزكاة عند عامة العلماء ، وعند مالك من شرائط الجواز فيجوز تعجيل الزكاة عند عامة العلماء خلافا لمالك والكلام في التعجيل في مواضع في بيان أصل الجواز وفي بيان [ ص: 51 ] شرائطه وفي بيان حكم المعجل إذا لم يقع زكاة .

                                                                                                                                أما الأول فهو على الاختلاف الذي ذكرنا وجه قول مالك أن أداء الزكاة أداء الواجب ، وأداء الواجب ولا وجوب لا يتحقق ، ولا وجوب قبل الحول ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم { لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول } ، ولنا ما روي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف من العباس زكاة سنتين } وأدنى درجات فعل النبي صلى الله عليه وسلم الجواز .

                                                                                                                                وأما قوله إن أداء الزكاة أداء الواجب ولا وجوب قبل حولان الحول فالجواب عنه من وجهين أحدهما ممنوع أنه لا وجوب قبل حولان الحول بل الوجوب ثابت قبله لوجود سبب الوجوب وهو ملك نصاب كامل نام أو فاضل عن الحاجة الأصلية لحصول الغنى به ولوجوب شكر نعمة المال على ما بينا فيما تقدم .

                                                                                                                                ثم من المشايخ من قال بالوجوب توسعا وتأخير الأداء إلى مدة الحول ترفيها وتيسيرا على أرباب الأموال كالدين المؤجل فإذا عجل فلم يترفه فيسقط الواجب كما في الدين المؤجل فمنهم من قال بالوجوب لكن لا على سبيل التأكيد وإنما يتأكد الوجوب بآخر الحول ومنهم من قال بالوجوب في أول الحول لكن بطريق الاستناد وهو أن يجب أولا في آخر الحول ثم يستند الوجوب إلى أوله لاستناد سببه وهو كون النصاب حوليا فيكون التعجيل أداء بعد الوجوب لكن بالطريق الذي قلنا فيقع زكاة الثاني إن سلمنا أنه لا وجوب قبل الحول لكن سبب الوجوب موجود وهو ملك النصاب ويجوز أداء العبادة قبل الوجوب بعد وجود سبب الوجوب كأداء الكفارة بعد الجرح قبل الموت ، وسواء عجل عن نصاب واحد ، أو اثنين ، أو أكثر من ذلك مما يستفيده في السنة عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر لا يجوز إلا عند النصاب الموجود حتى لو كان له مائتا درهم فعجل زكاة الألف وذلك خمسة وعشرون ثم استفاد مالا ، أو ربح في ذلك المال حتى صار ألف درهم فتم الحول وعنده ألفا درهم جاز عن الكل عندنا ، وعند زفر لا يجوز إلا عن المائتين .

                                                                                                                                وجه قوله إن التعجيل عما سوى المائتين تعجيل قبل وجود السبب فلا يجوز كما لو عجل قبل ملك المائتين ، ولنا أن ملك النصاب موجود في أول الحول والمستفاد على ملك النصاب في الحول كالموجود من ابتداء الحول بدليل وجوب الزكاة فيه عند حولان الحول فلو لم يجعل كالموجود في أول الحول لما وجبت الزكاة فيه ; لقوله صلى الله عليه وسلم { لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول } وإذا كان كذلك جعلت الألف كأنها كانت موجودة في ابتداء الحول ليصير مؤديا بعد وجود الألف تقديرا فجاز والله أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية