الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                [ ص: 32 ] قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون

                                                                                                                                                                                                من الذين أوتوا الكتاب : بيان للذين مع ما في حيزه، نفي عنهم الإيمان بالله; لأن اليهود مثنية والنصارى مثلثة، وإيمانهم باليوم الآخر; لأنهم فيه على خلاف ما يجب، وتحريم ما حرم الله ورسوله; لأنهم لا يحرمون ما حرم في الكتاب والسنة، وعن أبي روق: لا يعملون بما في التوراة والإنجيل; وأن يدينوا دين الحق، وأن يعتقدوا دين الإسلام الذي هو الحق وما سواه الباطل. وقيل: دين الله، يقال: فلان يدين بكذا، إذا اتخذه دينه ومعتقده، سميت جزية; لأنها طائفة مما على أهل الذمة أن يجزوه، أي: يقضوه، أو لأنهم يجزون بها من من عليهم بالإعفاء عن القتل، عن يد : إما أن يراد يد المعطي أو الآخذ، فمعناه: على إرادة يد المعطي حتى يعطوها عن يد، أي: عن يد مؤاتية غير ممتنعة; لأن من أبى وامتنع لم يعط يده، بخلاف المطيع المنقاد; ولذلك قالوا: أعطى بيده; إذا انقاد وأصحب; ألا ترى إلى قولهم: نزع يده عن الطاعة، كما يقال: خلع ربقة الطاعة عن عنقه، أو حتى يعطوها عن يد إلى يد نقدا غير نسيئة، لا مبعوثا على يد أحد، ولكن عن يد المعطي إلى يد الأخذ، وأما على إرادة يد الآخذ; فمعناه: حتى يعطوها عن يد قاهرة مستولية، أو عن إنعام عليهم; لأن قبول الجزية منهم وترك أرواحهم لهم نعمة عظيمة عليهم، وهم صاغرون : أي: تؤخذ منهم على الصغار والذل، وهو أن يأتي بها بنفسه ماشيا غير راكب، ويسلمها وهو قائم، والمتسلم جالس، وأن يتلتل تلتلة، ويؤخذ بتلبيبه، ويقال له: أد الجزية، وإن كان يؤديها ويزخ في قفاه، وتسقط بالإسلام عند أبي حنيفة ، ولا يسقط به خراج الأرض. واختلف فيمن تضرب عليه; فعند أبي حنيفة : تضرب على كل كافر من ذمي، ومجوسي، وصابئ، وحربي، إلا على مشركي العرب وحدهم. روى الزهري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صالح عبدة [ ص: 33 ] الأوثان على الجزية، إلا من كان من العرب، وقال لأهل مكة: "هل لكم في كلمة إذا قلتموها دانت لكم بها العرب وأدت إليكم العجم الجزية"، وعند الشافعي : لا تؤخذ من مشركي العجم، والمأخوذ عند أبي حنيفة في أول سنة من الفقير الذي له كسب: اثنا عشر درهما، ومن المتوسط في الغني: ضعفها، ومن المكثر: ضعف الضعف ثمانية وأربعون، ولا تؤخذ من فقير لا كسب له، وعند الشافعي : يؤخذ في آخر السنة من كل واحد دينار، فقيرا كان أو غنيا، كان له كسب أو لم يكن .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية