nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون
الفاء لتفصيل ما كان منهم وبيان ما ترتب من عواقب قريبة وأخرى بعيدة، فإنهم إذا لم يتضرعوا بسبب قسوة قلوبهم وأنهم زينت لهم أعمالهم - كان لذلك
[ ص: 2500 ] عواقب. وكانوا بتلك القسوة وتزيين السوء ناسين لما ذكروا به. فقد ذكروا بالبأساء والضراء وبسبب قسوة قلوبهم تركوا ما ذكروا به والنسيان هنا ليس هو مجرد الترك، إنما هو نسيان آثار الضراء والبأساء؛ فإن الضراء والبأساء لكي تنتجا آثارهما الحقيقية من الضراعة يجب أن تتركا آثارا في القلوب تكون مذكرة بانتظام دائم لهما ولكن القسوة والغرور، والعجب والاستكبار محت تلك الآثار المذكرة فكان النسيان، وعاد الاغترار والاستكبار.
والله تعالى في هذه الحال التي أصابهم فيها النسيان يقول:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فتحنا عليهم أبواب كل شيء أي: أن الرزق وأسباب القوة والاغترار والاستكبار تأتيهم وتسهل لهم، فكانوا في سعة في كل شيء، وقوله هذا:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فتحنا عليهم أبواب كل شيء فيه استعارة تمثيلية لمعنى تسهيل كل شيء حتى يكونوا في بحبوحة وسعادة مادية وعدم خوف، واطمئنان إلى المستقبل، أو نقول: إن النص القرآني كناية عن هذا المعنى؛ لأن من يفتح له باب كل شيء، يكون لا محالة في سعة مادية واطمئنان مادي.
وهذا المعنى فيه اختبار للنفس غير المؤمنة بالنعمة بعد أن اختبرها بالنقمة.
كقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=94وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=95ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون
وإن هذا الذي ذكره النص القرآني بالنعمة بعد النقمة هو اختبار شديد; ولذا روى
nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=697518 "إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج. ثم تلا قوله تعالى: nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
"إذا أراد الله تعالى بقوم بقاء أو نماء رزقهم فتح باب القصد والعفاف، وإذا أراد بقوم اقتطاعا فتح باب الخيانة". [ ص: 2501 ] وإن هذا الفتح والرزق الواسع إلى حين ليذوقوا النعمة ثم الحرمان منها فجأة; ولذا قال سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون
إنهم إذ يكونون في فرح مما أعطاهم الله تعالى أخذهم الله تعالى بالحرمان أو أصابهم بالموت المفاجئ أو الخراب الجائح في وقت لم يتوقعوه، بل كانوا يتوقعون المزيد من النعم ويحسبون أنها حق مكتسب لا يمحى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فإذا هم مبلسون أي: في غم وكمد وحزن ويأس وحيرة بعد الفرحة.
وهنا تعبيران جليلان جديران بالالتفاف.
أولهما: أنه عبر عن إعطاء الله النعمة بما أوتوا - أي: بالبناء للمجهول; لأنهم يحسبون أن ذلك بعلمهم وقدرتهم وحدهم. كما جاء على لسان واحد من أمثالهم وهو
قارون: nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=76إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=77وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=78قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون
الثاني: أن الله أضاف الأخذ إلى ذاته العلية إذ قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44أخذناهم لأنهم لا ينكرون ذلك وينسبونه إلى ربهم.
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ
الْفَاءُ لِتَفْصِيلِ مَا كَانَ مِنْهُمْ وَبَيَانِ مَا تَرَتَّبَ مِنْ عَوَاقِبَ قَرِيبَةٍ وَأُخْرَى بَعِيدَةٍ، فَإِنَّهُمْ إِذَا لَمْ يَتَضَرَّعُوا بِسَبَبِ قَسْوَةِ قُلُوبِهِمْ وَأَنَّهُمْ زُيِّنَتْ لَهُمْ أَعْمَالُهُمْ - كَانَ لِذَلِكَ
[ ص: 2500 ] عَوَاقِبُ. وَكَانُوا بِتِلْكَ الْقَسْوَةِ وَتَزْيِينِ السُّوءِ نَاسِينَ لِمَا ذُكِّرُوا بِهِ. فَقَدْ ذُكِّرُوا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَبِسَبَبِ قَسْوَةِ قُلُوبِهِمْ تَرَكُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ وَالنِّسْيَانُ هُنَا لَيْسَ هُوَ مُجَرَّدَ التَّرْكِ، إِنَّمَا هُوَ نِسْيَانُ آثَارِ الضَّرَّاءِ وَالْبَأْسَاءِ؛ فَإِنَّ الضَّرَّاءَ وَالْبَأْسَاءَ لِكَيْ تُنْتِجَا آثَارَهُمَا الْحَقِيقِيَّةَ مِنَ الضَّرَاعَةِ يَجِبُ أَنْ تَتْرُكَا آثَارًا فِي الْقُلُوبِ تَكُونُ مُذَكِّرَةً بِانْتِظَامٍ دَائِمٍ لَهُمَا وَلَكِنَّ الْقَسْوَةَ وَالْغُرُورَ، وَالْعَجَبَ وَالِاسْتِكْبَارَ مَحَتْ تِلْكَ الْآثَارَ الْمُذَكِّرَةَ فَكَانَ النِّسْيَانُ، وَعَادَ الِاغْتِرَارُ وَالِاسْتِكْبَارُ.
وَاللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْحَالِ الَّتِي أَصَابَهُمْ فِيهَا النِّسْيَانُ يَقُولُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ أَيْ: أَنَّ الرِّزْقَ وَأَسْبَابَ الْقُوَّةِ وَالِاغْتِرَارَ وَالِاسْتِكْبَارَ تَأْتِيهِمْ وَتُسَهَّلُ لَهُمْ، فَكَانُوا فِي سِعَةٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَقَوْلُهُ هَذَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ فِيهِ اسْتِعَارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ لِمَعْنَى تَسْهِيلِ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَكُونُوا فِي بُحْبُوحَةٍ وَسَعَادَةٍ مَادِّيَّةٍ وَعَدَمِ خَوْفٍ، وَاطْمِئْنَانٍ إِلَى الْمُسْتَقْبَلِ، أَوْ نَقُولُ: إِنَّ النَّصَّ الْقُرْآنِيَّ كِنَايَةٌ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ مَنْ يُفْتَحُ لَهُ بَابُ كَلِّ شَيْءٍ، يَكُونُ لَا مَحَالَةَ فِي سِعَةٍ مَادِّيَّةٍ وَاطْمِئْنَانٍ مَادِّيٍّ.
وَهَذَا الْمَعْنَى فِيهِ اخْتِبَارٌ لِلنَّفْسِ غَيْرِ الْمُؤْمِنَةِ بِالنِّعْمَةِ بَعْدَ أَنِ اخْتَبَرَهَا بِالنِّقْمَةِ.
كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=94وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=95ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ
وَإِنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ النَّصُّ الْقُرْآنِيُّ بِالنِّعْمَةِ بَعْدَ النِّقْمَةِ هُوَ اخْتِبَارٌ شَدِيدٌ; وَلِذَا رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=27عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=697518 "إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ. ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى: nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ . وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=63عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
"إِذَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْمٍ بَقَاءَ أَوْ نَمَاءَ رِزْقِهِمْ فَتَحَ بَابَ الْقَصْدِ وَالْعَفَافِ، وَإِذَا أَرَادَ بِقَوْمٍ اقْتِطَاعًا فَتَحَ بَابَ الْخِيَانَةِ". [ ص: 2501 ] وَإِنَّ هَذَا الْفَتْحَ وَالرِّزْقَ الْوَاسِعَ إِلَى حِينٍ لِيَذُوقُوا النِّعْمَةَ ثُمَّ الْحِرْمَانَ مِنْهَا فَجْأَةً; وَلِذَا قَالَ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ
إِنَّهُمْ إِذْ يَكُونُونَ فِي فَرَحٍ مِمَّا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَخَذَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْحِرْمَانِ أَوْ أَصَابَهُمْ بِالْمَوْتِ الْمُفَاجِئِ أَوِ الْخَرَابِ الْجَائِحِ فِي وَقْتٍ لَمْ يَتَوَقَّعُوهُ، بَلْ كَانُوا يَتَوَقَّعُونَ الْمَزِيدَ مِنَ النِّعَمِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهَا حَقٌّ مُكْتَسَبٌ لَا يُمْحَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ أَيْ: فِي غَمٍّ وَكَمَدٍ وَحُزْنٍ وَيَأْسٍ وَحَيْرَةٍ بَعْدَ الْفَرْحَةِ.
وَهُنَا تَعْبِيرَانِ جَلِيلَانِ جَدِيرَانِ بِالِالْتِفَافِ.
أَوَّلُهُمَا: أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْ إِعْطَاءِ اللَّهِ النِّعْمَةَ بِمَا أُوتُوا - أَيْ: بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ; لِأَنَّهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّ ذَلِكَ بِعِلْمِهِمْ وَقُدْرَتِهِمْ وَحْدَهُمْ. كَمَا جَاءَ عَلَى لِسَانِ وَاحِدٍ مِنْ أَمْثَالِهِمْ وَهُوَ
قَارُونُ: nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=76إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=77وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=78قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ
الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ أَضَافَ الْأَخْذَ إِلَى ذَاتِهِ الْعَلِيَّةِ إِذْ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44أَخَذْنَاهُمْ لِأَنَّهُمْ لَا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَيَنْسُبُونَهُ إِلَى رَبِّهِمْ.