الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين

                                                                                                                                                                                                والنسيء: تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر; وذلك أنهم كانوا أصحاب حروب وغارات، فإذا جاء الشهر الحرام وهم محاربون، شق عليهم ترك المحاربة، فيحلونه ويحرمون مكانه شهرا آخر، حتى رفضوا تخصيص الأشهر الحرم بالتحريم، فكانوا يحرمون من شق شهور العام أربعة أشهر; وذلك قوله تعالى: ليواطئوا عدة ما حرم الله أي: ليوافقوا العدة التي هي الأربعة، ولا يخالفوها، وقد خالفوا التخصيص الذي هو أحد الواجبين، وربما زادوا في عدد الشهور فيجعلونها ثلاثة عشر أو أربعة عشر; ليتسع لهم الوقت; ولذلك قال عز وعلا: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا يعني: من غير زيادة زادوها، والضمير في "يحلونه"، و"يحرمونه" للنسيء، أي: إذا أحلوا شهرا من الأشهر الحرم عاما، رجعوا فحرموه في العام القابل، وروي أنه حدث ذلك في كنانة ; لأنهم كانوا فقراء محاويج إلى الغارة، وكان جنادة بن عوف الكناني مطاعا في الجاهلية، وكان يقوم على جمل في الموسم فيقول بأعلى صوته: إن آلهتكم قد أحلت لكم المحرم فأحلوه، ثم يقوم في القابل فيقول: إن آلهتكم قد حرمت عليكم المحرم فحرموه، جعل النسيء زيادة في الكفر; لأن الكافر كلما أحدث معصية ازداد كفرا، " فزادتهم رجسا إلى رجسهم، كما أن المؤمن إذا أحدث الطاعة ازداد إيمانا، فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون [التوبة: 124]. وقرئ: "يضل": على البناء للمفعول، و "يضل": بفتح الياء والضاد، و "يضل": على أن الفعل لله -عز وجل- . وقرأ الزهري : "ليوطئوا" بالتشديد. والنسيء: مصدر نسأه إذا أخره، يقال: نسأه، نسأ، ونساء، ونسيئا، كقولك: مسه، مسا، ومساسا، ومسيسا. وقرئ بهن جميعا. وقرئ: "النسى"، بوزن الندى . و "النسي" بوزن النهي، وهما تخفيف النسيء والنسء.

                                                                                                                                                                                                فإن قلت: ما معنى قوله: فيحلوا ما حرم الله ؟

                                                                                                                                                                                                قلت: معناه: فيحلوا بمواطأة العدة وحدها من غير تخصيص ما حرم الله من القتال، أو من ترك الاختصاص للأشهر بعينها ، زين لهم سوء أعمالهم : خذلهم الله فحسبوا أعمالهم القبيحة حسنة، والله لا يهدي أي: لا يلطف بهم بل يخذلهم، وقرئ: [ ص: 44 ] "زين لهم سوء أعمالهم" على البناء للفاعل، وهو الله عز وجل.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية