الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          3920 حدثنا الأنصاري حدثنا معن حدثنا مالك بن أنس ح وحدثنا قتيبة عن مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر عن جابر أن أعرابيا بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام فأصابه وعك بالمدينة فجاء الأعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أقلني بيعتي فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج الأعرابي ثم جاءه فقال أقلني بيعتي فأبى فخرج الأعرابي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وتنصع طيبها وفي الباب عن أبي هريرة قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله ( أن أعرابيا بايع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الإسلام ) من المبايعة ، وهي عبارة عن المعاقدة على الإسلام ، والمعاهدة ، كأن كل واحد منهما باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خلاصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره ( فأصابه وعك ) بفتح الواو وسكون العين المهملة ، وقد تفتح بعدها كاف ، الحمى وقيل : ألمها وقيل : إرعادها ( أقلني بيعتي ) استعارة من إقالة البيع وهو إبطاله ( فأبى رسول الله -صلى الله عليه وسلم ) قال [ ص: 289 ] النووي في شرح مسلم : قال العلماء : إنما لم يقله النبي -صلى الله عليه وسلم- بيعته ؛ لأنه لا يجوز لمن أسلم أن يترك الإسلام ، ولا لمن هاجر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- للمقام عنده أن يترك الهجرة ، ويذهب إلى وطنه ، أو غيره . قالوا : وهذا الأعرابي كان ممن هاجر وبايع النبي -صلى الله عليه وسلم- على المقام معه قال القاضي : ويحتمل أن بيعة هذا الأعرابي كانت بعد فتح مكة وسقوط الهجرة عليه -صلى الله عليه وسلم- وإنما بايع على الإسلام وطلب الإقالة منه فلم يقله ، والصحيح الأول . انتهى . ( فخرج الأعرابي ) أي : من عند النبي -صلى الله عليه وسلم- ( ثم جاءه ) أي : ثانيا ( فخرج الأعرابي ) أي : من المدينة راجعا إلى البدو ( إنما المدينة كالكير ) قال في النهاية : الكير بالكسر : كير الحداد ، وهو المبني من الطين وقيل : الزق الذي ينفخ به النار ، والمبني الكور . انتهى . ( تنفي خبثها ) بفتح المعجمة ، والموحدة هو ما تلقيه من وسخ الفضة والنحاس وغيرهما إذا أذيبا ، والمعنى تطرد المدينة من لا خير فيه وتخرجه ( وتنصع ) من باب التفعيل ، والإفعال أي : تخلص ( طيبها ) بالنصب على المفعولية ، وهو بفتح الطاء وتشديد التحتية جعل مثل المدينة وما يصيب ساكنيها من الجهد ، والبلاء كمثل الكير وما يوقد عليه في النار فيميز به الخبيث من الطيب ، فيذهب الخبيث ويبقى الطيب فيه أذكى ما كان وأخلص ، قال النووي في شرح مسلم : قال القاضي : الأظهر أن هذا مختص بزمن النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنه لم يكن يصبر على الهجرة ، والمقام معه إلا من ثبت إيمانا ، وأما المنافقون وجهلة الأعراب فلا يصبرون على شدة المدينة ، ولا يحتسبون الأجر في ذلك كما قال ذلك الأعرابي الذي أصابه الوعك : أقلني بيعتي ، هذا كلام القاضي ، وهذا الذي ادعى أنه الأظهر ليس بالأظهر ؛ لأن في هذا الحديث الأول في صحيح مسلم أنه -صلى الله عليه وسلم- قال : " لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد " وهذا والله أعلم في زمن الدجال كما جاء في الحديث الصحيح الذي ذكره مسلم في أواخر الكتاب في أحاديث الدجال : أنه يقصد المدينة فترجف المدينة ثلاث رجفات يخرج الله منها كل كافر منافق : فيحتمل أنه مختص بزمن الدجال ، ويحتمل أنه في أزمان متفرقة . انتهى ، وقال ابن المنير : ظاهر هذا الحديث ذم من خرج من المدينة ، وهو مشكل فقد خرج منها جمع كثير من الصحابة وسكنوا غيرها من البلاد وكذا من بعدهم من الفضلاء ، والجواب أن المذموم من خرج عنها كراهة فيها ورغبة عنها كما فعل الأعرابي المذكور ، وأما المشار إليهم فإنما خرجوا لمقاصد صحيحة كنشر العلم وفتح بلاد الشرك ، والمرابطة في الثغور وجهاد الأعداء وهم مع ذلك على اعتقاد فضل المدينة وفضل سكناها . [ ص: 290 ] قوله : ( وفي الباب عن أبي هريرة ) أخرجه الشيخان والنسائي . قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان والنسائي .




                                                                                                          الخدمات العلمية