nindex.php?page=treesubj&link=19995_27962_28739_28803_32416_34089_34180_28976nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44إنا أنزلنا التوراة كلام مستأنف سيق لتقرير مزيد فظاعة حال أولئك اليهود ببيان علو شأن التوراة على أتم وجه
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44فيها هدى أي إرشاد للناس إلى الحق
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44ونور أي ضياء يكشف به ما تشابه عليهم وأظلم، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنه.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : ( فيها هدى ) أي بيان للحكم الذي جاءوا يستفتون فيه النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - ( ونور ) أي بيان أن أمر النبي - عليه الصلاة والسلام – حق، ولعل تعميم المهدى إليه - كما في كلام
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس – أولى، ويندرج فيه اندراجا أوليا ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج من الحكم.
وإطلاق النور على ما في التوراة مجاز، ولعل إطلاقه على ذلك دون إطلاقه على القرآن بناء على أن النور مقول بالتشكيك، وقد يقال: إن إطلاقه على ما به بيان أمر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم - بناء على ما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج - باعتبار كون الأمر المبين متعلقا بأول الأنوار الذي لولاه ما خلق الفلك الدوار - صلى الله تعالى عليه وسلم - وحينئذ يكون الفرق بين الإطلاقين مثل الصبح ظاهرا، والظرف خبر مقدم، و( هدى ) مبتدأ، والجملة حال من التوراة، أي كائنا فيها ذلك، وكذا جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44يحكم بها النبيون في قول، إلا أنها حال مقدرة، والأكثرون على أنها مستأنفة مبينة لرفعة رتبة التوراة، وسمو طبقتها، والمراد من النبيين من كان منهم من لدن
موسى إلى
عيسى - عليهما السلام - على ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17131مقاتل، وكان بين النبيين - عليهما السلام - ألف نبي.
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة ، أن المراد بهم نبينا - صلى الله تعالى عليه وسلم - ومن قبله من أنبياء بني إسرائيل - عليهم السلام - وعلى هذا بنى الاستدلال بالآية من قال: إن
nindex.php?page=treesubj&link=22129شرع من قبلنا شرع لنا ما لم ينسخ، وتقديم الجار والمجرور على الفاعل لما مر غير مرة، والمراد: يحكم بأحكامها النبيون.
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44الذين أسلموا صفة أجريت على ( النبيين ) - كما قيل - على سبيل المدح، والظاهر لهم، ونظر فيه
ابن المنير بأن المدح إنما يكون غالبا بالصفات الخاصة التي يتميز بها الممدوح عمن دونه، والإسلام أمر عام يتناول أمم الأنبياء ومتبعيهم كما يتناولهم، ألا ترى أنه لا يحسن في مدح النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - أن يقتصر على كونه رجلا مسلما، فإن أقل متبعيه كذلك، ثم قال: فالوجه - والله تعالى أعلم -
[ ص: 143 ] أن الصفة قد تذكر لتعظم في نفسها، ولينوه بها إذا وصف بها عظيم القدر، كما تذكر تنويها بقدر موصوفها، وعلى هذا الأسلوب جرى وصف الأنبياء - عليهم السلام - بالصلاح في غيرما آية؛ تنويها بمقدار الصلاح، إذ جعل صفة للأنبياء عليهم السلام، وبعثا لآحاد الناس على الدأب في تحصيل صفته، وكذلك قيل في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا فأخبر سبحانه عن الملائكة المقربين بالإيمان تعظيما لقدره، وبعثا للبشر على الدخول فيه، ليساووا الملائكة المقربين في هذه الصفة، وإلا فمن المعلوم أن الملائكة مؤمنون ليس إلا، كيف لا؟! وهم ( عند ربهم ) كما في الخبر.
ثم قال جل وعلا:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7ويستغفرون للذين آمنوا يعني من البشر لثبوت حق الأخوة في الإيمان بين القبيلتين، فلذلك - والله تعالى أعلم - جرى وصف الأنبياء في هذه الآية بالإسلام؛ تنويها به، ولقد أحسن القائل: أوصاف الأشراف أشراف الأوصاف،
وحسان الناظم في مدحه عليه الصلاة والسلام بقوله:
ما إن مدحت محمدا بمقالتي لكن مدحت مقالتي بمحمد
والإسلام - وإن كان من أشرف الأوصاف، إذ حاصله معرفة الله تعالى بما يجب له ويستحيل عليه، ويجوز في حكمه - إلا أن النبوة أشرف وأجل لاشتمالها على عموم الإسلام مع خواص المواهب التي لا تسعها العبارة، فلو لم نذهب إلى الفائدة المذكورة في ذكر الإسلام بعد النبوة لخرجنا عن قانون البلاغة المألوف في الكتاب العزيز، وفي كلام
العرب الفصيح، وهو الترقي من الأدنى إلى الأعلى لا النزول على العكس، ألا ترى أن
أبا الطيب كيف تزحزح عن هذا المهيع في قوله:
شمس ضحاها هلال ليلتها در مقاصيرها زبرجدها
فنزل عن الشمس إلى الهلال، وعن الدر إلى الزبرجد، فمضغت الألسن عرض بلاغته، ومزقت أديم صنعته، فعلينا أن نتدبر الآيات المعجزات حتى يتعلق فهمنا بأهداب علوها في البلاغة المعهودة لها، والله تعالى الموفق للصواب، انتهى.
وفي المفتاح والتخليص إشارة إلى ما ذكره، وإيراد
الطيبي عليه ما أورده غير طيب، نعم، قد يقال: إن القائل بكونها مادحة لمن جرت عليه نفسه قد يدعي أن ذلك مما لا بأس به إذا قصد مع المدح فوائد أخر كالتنويه بعلو مرتبة المسلمين هنا، والتعريض باليهود بأنهم بمعزل عن الإسلام، على أنه قد ورد في الفصيح - بل في الأفصح - ذكر غير الأبلغ بعد الأبلغ من الصفات، ومن ذلك ( الرحمن الرحيم ) حيث كان متضمنا نكتة.
وقال
عصام الملة : إن الإسلام للنبي كمال المدح؛ لأن الانقياد من المقتدي للخلائق التي لا تحصى وصف لا وصف فوقه، ويمكن أن يكون الوصف به هنا إشعارا بمنشأ الحكم؛ ليحافظ عليه الأمة، ولا يخرم ولا يتوهم أن الحكم للنبوة، فغير النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - خارج عن هذا المسلك، انتهى، وفيه تأمل، إذ الترقي من الأدنى إلى الأعلى لم يظهر بعد، ونهاية الأمر الرجوع إلى نحو ما تقدم، فافهم.
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44للذين هادوا أي تابوا من الكفر، كما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - والمراد بهم اليهود، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ، والجار إما متعلق بـ( يحكم ) أي يحكمون فيما بينهم، واللام إما لبيان اختصاص الحكم بهم أعم من أن يكون لهم أو عليهم، كأنه قيل: لأجل الذين هادوا، وإما للإيذان بنفعه للمحكوم عليه أيضا بإسقاط التبعة عنه، وإما للإشعار بكمال رضاهم به وانقيادهم له، كأنه أمر نافع لكلا الفريقين، ففيه تعريض بالمحرفين، وقيل: من باب
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81سرابيل [ ص: 144 ] تقيكم الحر وإما متعلق بـ( أنزلنا ) ولعل الفاصل ليس بالأجنبي ليضر، وقيل: بـ( أنزل ) على صيغة المبني للمفعول، وحذف لدلالة الكلام عليه، وتكون الجملة حينئذ معترضة، وعلى هذا تكون الآية نصا في تخصيص النبيين بأنبياء بني إسرائيل؛ لأنه لا يلزم من إنزالها لهم اختصاصها بهم، وقيل: الجار متعلق بـ( هدى ونور ) وفيه فصل بين المصدر ومعموله، وقيل: متعلق بمحذوف وقع صفة لهما، أي هدى ونور كائنان لهما، وكلام
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج يحتمل هذا وما قبله.
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44والربانيون والأحبار أي العباد والعلماء، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد: ( الربانيون ) العلماء الفقهاء وهم فوق الأحبار، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16327ابن زيد : ( الربانيون ) الولاة، ( والأحبار ) العلماء، والواحد حبر بالفتح والكسر، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء : وأكثر ما سمعت فيه الكسر، وهو مأخوذ من التحبير والتحسين، فإن العلماء يحبرون العلم ويزينونه ويبيونه، ومن ذلك الحبر - بكسر الحاء لا غير - لما يكتب به، وهذا عطف على ( النبيون ) أي هم أيضا يحكمون بأحكامها، وتوسيط المحكوم لهم - كما قال شيخ الإسلام - بين المتعاطفين للإيذان بأن الأصل في الحكم بها وحمل الناس على ما فيها هم النبيون، وإنما الربانيون والأحبار خلفاء ونواب لهم في ذلك، كما ينبئ عنه قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44بما استحفظوا أي بالذي استحفظوه من جهة النبيين، وهو التوراة، حيث سألوهم أن يحفظوها من التغيير والتبديل على الإطلاق، ولا ريب في أن ذلك منهم - عليهم السلام - مشعر باستخلافهم في إجراء أحكامها من غير إخلال بشيء منها، والجار متعلق بـ( يحكم ) و( ما ) موصولة، وضمير الجمع عائد إلى الربانيين والأحبار.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44من كتاب الله بيان لـ( ما ) وفي الإبهام والبيان بذلك ما لا يخفى من تفخيم أمر التوراة ذاتا وإضافة، وفيه أيضا تأكيد إيجاب حفظها والعمل بما فيها، والباء الداخلة على الموصول سببية، فلا يلزم تعلق حرفي جر متحدي المعنى بفعل واحد، أي: ويحكم الربانيون والأحبار أيضا بالتوراة بسبب ما حفظوه من كتاب الله حسبما وصاهم به أنبياؤهم، وسألوهم أن يحفظوه، وليس المراد بسببيته لحكمهم ذلك سببيته من حيث الذات، بل من حيث كونه محفوظا، فإن تعليق حكمهم بالموصول مشعر بسببية الحفظ المترتب - لا محالة – على ما في حيز الصلة من الاستحفاظ له، وتوهم بعضهم أن ( ما ) بمعنى أمر، و( من ) لتبيين مفعول محذوف لـ( استحفظوا ) والتقدير: بسبب أمر ( استحفظوا ) به شيئا ( من كتاب الله ) وهو مما لا ينبغي أن يخرج عليه كتاب الله تعالى.
وقيل: الأولى أن تجعل ( ما ) مصدرية؛ ليستغنى عن تقدير العائد، وحينئذ لا يتأتى القول بأن ( من ) بيان لها، ومن الناس من جوز كون ( بما ) بدلا من ( بها ) وأعيد الجار لطول الفصل، وهو جائز أيضا وإن لم يطل، ومنهم من أرجع الضمير المرفوع للنبيين ومن عطف عليهم، فالمستحفظ حينئذ هو الله تعالى، وحديث الأنباء لا يتأتى إذ ذاك، وقيل: إن ( الربانيون ) فاعل بفعل محذوف، والباء صلة له، والجملة معطوفة على ما قبلها، أي: ويحكم الربانيون والأحبار بحكم كتاب الله تعالى الذي سألهم أنبياؤهم أن يحفظوه من التغيير.
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44وكانوا عليه شهداء عطف على ( استحفظوا ) ومعنى ( شهداء ) رقباء، يحمونه من أن يحوم حول حماه التغيير والتبديل بوجه من الوجوه، أو ( شهداء ) عليه أنه حق.
ورجح - على الأول - بأنه يلزم عليه أن يكون ( الربانيون والأحبار ) رقباء على أنفسهم لا يتركونها أن تغير وتحرف التوراة؛ لأن المحرف لا يكون إلا منهم لا من العامة، وهو - كما ترى - ليس فيه مزيد معنى، وإرجاع ضمير ( كانوا ) للنبيين مما لا يكاد يجوز، وقيل: عطف على ( يحكم ) المحذوف المراد منه حكاية الحال الماضية، أي: حكم الربانيون والأحبار بكتاب الله تعالى،
[ ص: 145 ] وكانوا شهداء عليه، ويجوز على هذا - بلا خفاء - أن تكون الشهادة مستعارة للبيان، أي مبينين ما يخفى منه، وأمر التعدي بـ( على ) سهل، ولعل المراد به شيء وراء الحكم، وقيل: الضمير المرفوع هنا كسابقه عائد على النبيين وما عطف عليه، والعطف إما على ( استحفظوا ) أو على ( يحكم ).
وتوهم عبارة البعض - حيث قال: وبسبب كونهم شهداء - أن العطف على ( ما ) الموصولة فيؤول ( كانوا ) بالمصدر، وكأن المقصود منه تلخيص المعنى لكون ما ذكر ضعيفا فيما لا يكون المعطوف عليه حدثا، وأما العطف على كتاب الله بتقدير حرف مصدري ليكون المعطوف داخلا تحت الطلب، فكما ترى.
وإرجاع ضمير ( عليه ) إلى حكم النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - بالرجم كما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - مما تأباه العربية في بعض الاحتمالات، وهو - وإن جاز عربية في البعض الآخر - لكنه خلاف الظاهر، ولا قرينة عليه، ولعل مراد الحبر بيان بعض ما تضمنه الكتاب الذي هم شهداء عليه، وبالجملة احتمالات هذه الآية كثيرة.
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44فلا تخشوا الناس خطاب لرؤساء اليهود وعلمائهم بطريق الالتفات، كما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله تعالى عنه -
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي nindex.php?page=showalam&ids=15097والكلبي ، ويتناول النهي غير أولئك المخاطبين بطريق الدلالة، والفاء لجواب شرط محذوف، أي: إذا كان الشأن كما ذكر يا أيها الأحبار فلا تخشوا الناس كائنا من كان، واقتدوا في مراعاة أحكام التوراة وحفظها بمن قبلكم من النبيين والربانيين والأحبار، ولا تعدلوا عن ذلك، ولا تحرفوا خشية من أحد
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44واخشون في ترك أمري؛ فإن النفع والضر بيدي، أو في الإخلال بحقوق مراعاتها، فضلا عن التعرض لها بسوء.
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44ولا تشتروا بآياتي أي لا تستبدلوا بآياتي التي فيها بأن تخرجوها منها، أو تتركوا العمل بها، وتأخذوا لأنفسكم
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44ثمنا قليلا من الرشوة والجاه وسائر الحظوظ الدنيوية، فإنها - وإن جلت - قليلة مسترذلة في نفسها، لاسيما بالنسبة إلى ما يفوتهم بمخالفة الأمر، وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري إلى أن الخطاب للمسلمين، وهو الذي ينبئ عنه كلام
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود - وهو الوجه كما في الكشف - أنه عام، والفاء على الوجهين فصيحة، أي: وحين عرفتم ما كان عليه النبيون والأحبار، وما تواطأ عليه الخلوف من أمر التحريف والتبديل للرشوة والخشية، فلا تخشوا الناس، ولا تكونوا أمثال هؤلاء الخالفين، والذي يقتضيه كلام بعض أئمة العربية أنها على الوجه فصيحة أيضا، وقد تقدم الكلام على مثل هذا التركيب، فتذكر.
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44ومن لم يحكم بما أنزل الله من الأحكام
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44فأولئك إشارة إلى ( من ) والجمع باعتبار معناها، كما أن الإفراد في سابقه باعتبار لفظها، وهو مبتدأ خبره جملة قوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44هم الكافرون .
ويجوز أن يكون ( هم ) ضمير فصل، و( الكافرون ) هو الخبر، والجملة تذييل مقرر لمضمون ما قبلها أبلغ تقرير، وتحذير عن الإخلال به أشد تحذير، واحتجت
الخوارج بهذه الآية على أن الفاسق كافر غير مؤمن، ووجه الاستدلال بها أن كلمة ( من ) فيها عامة شاملة لكل من لم يحكم بما أنزل الله تعالى، فيدخل الفاسد المصدق أيضا؛ لأنه غير حاكم وعامل بما أنزل الله تعالى، وأجيب بأن الآية متروكة الظاهر؛ فإن الحكم - وإن كان شاملا لفعل القلب والجوارح - لكن المراد به هنا عمل القلب، وهو التصديق، ولا نزاع في كفر من لم يصدق بما أنزل الله تعالى، وأيضا إن المراد عموم النفي بحمل ( ما ) على الجنس، ولا شك أن من لم يحكم بشيء مما أنزل الله تعالى لا يكون إلا غير مصدق، ولا نزاع في كفره.
وأيضا أخرج
ابن منصور ،
nindex.php?page=showalam&ids=11868وأبو الشيخ ،
[ ص: 146 ] nindex.php?page=showalam&ids=13508وابن مردويه، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: «إنما أنزل الله تعالى ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون والظالمون والفاسقون ) في اليهود خاصة».
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، عن
أبي صالح قال: «الثلاث الآيات التي في المائدة ( ومن لم يحكم بما أنزل ) إلخ، ليس في أهل الإسلام منها شيء، هي في الكفار».
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك نحو ذلك.
ولعل وصفهم بالأوصاف الثلاث باعتبارات مختلفة؛ فلإنكارهم ذلك وصفوا بالكافرين، ولوضعهم الحكم في غير موضعه وصفوا بالظالمين، ولخروجهم عن الحق وصفوا بالفاسقين، أو أنهم وصفوا بها باعتبار أطوارهم وأحوالهم المنضمة إلى الامتناع عن الحكم، فتارة كانوا على حال تقتضي الكفر، وتارة على أخرى تقتضي الظلم أو الفسق.
وأخرج
أبو حميد وغيره، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي ، أنه قال: «الثلاث الآيات التي في المائدة أولها لهذه الأمة، والثانية في اليهود ، والثالثة في النصارى »ويلزم على هذا أن يكون المؤمنون أسوأ حالا من اليهود والنصارى ، إلا أنه قيل: إن الكفر إذا نسب إلى المؤمنين حمل على التشديد والتغليظ، والكافر إذا وصف بالفسق والظلم أشعر بعتوه وتمرده فيه.
ويؤيد ذلك ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم وصححه،
nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في سننه، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أنه قال في الكفر الواقع في أولى الثلاث: «إنه ليس بالكفر الذي تذهبون إليه، إنه ليس كفرا ينقل عن الملة، كفر دون كفر» والوجه أن هذا كالخطاب عام لليهود وغيرهم، وهو مخرج مخرج التغليظ، أو يلتزم أحد الجوابين، واختلاف الأوصاف لاختلاف الاعتبارات، والمراد من الأخيرين منها الكفر أيضا عند بعض المحققين، وذلك بحملهما على الفسق والظلم الكاملين.
وما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم وصححه،
وعبد الرزاق ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة - رضي الله تعالى عنه - «أن الآيات الثلاث ذكرت عنده فقال رجل: إن هذا في بني إسرائيل، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة: نعم الأخوة لكم بنو إسرائيل، إن كان لكم كل حلوة ولهم كل مرة، كلا والله، لتسلكن طريقهم قد الشراك» يحتمل أن يكون ذلك ميلا منه إلى القول بالعموم، ويحتمل أن يكون -كما قيل: - ميلا إلى القول بأن ذلك في المسلمين، وروي الأول عن
nindex.php?page=showalam&ids=16600علي بن الحسين - رضي الله تعالى عنهما - إلا أنه قال: كفر ليس ككفر الشرك، وفسق ليس كفسق الشرك، وظلم ليس كظلم الشرك.
هذا، وقد تكلم بعض العارفين على ما في بعض هذه الآيات من الإشارة فقال: (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=35يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ) أي اتقوه سبحانه بتزكية نفوسكم من الأخلاق الذميمة (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=35وابتغوا إليه الوسيلة ) أي: واطلبوا إليه تعالى الزلفى بتحليتها بالأخلاق المرضية (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=35وجاهدوا في سبيله ) بمحو الصفات والفناء في الذات ( لعلكم تفلحون ) أي لكي تفوزوا بالمطلوب، وقيل: ابتغاء الوسيلة التقرب إليه بما سبق من إحسانه وعظيم رحمته، وهو على حد قوله:
أيا جود معن ناج معنا بحاجتي فليس إلى معن سواه شفيع
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=36إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض ) أي ما في الجهة السفلية (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=36جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ) الكبرى (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=36ما تقبل منهم ) لأنه سبب زيادة الحجاب والبعد، ولا ينجع ثمة إلا ما في الجهة العلوية من المعارف والحقائق النورية.
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=38والسارق والسارقة ) أي المتناول من الأنفس والمتناولة من القوى النفسانية للشهوات التي حرمت عليها (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=38فاقطعوا أيديهما ) أي: امنعوهما بحسم قدرتهما بسيف المجاهدة وسكين الرياضة ( جزاء بما كسبا ) من تناول ما لا يحل تناوله لها (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=38نكالا ) أي عقوبة من الله - عز وجل – (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=41سماعون للكذب ) ووساوس شيطان النفس (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=41سماعون لقوم آخرين ) وهم القوى النفسانية (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=41لم يأتوك ) أي: ينقادوا لكم،
[ ص: 147 ] أو: سماعون لقوم يسنون السنن السيئة (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=41يحرفون الكلم ) وهي التعينات الإلهية (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=41من بعد مواضعه ) فيزيلونها عما هي من الدلالة على الوجود الحقاني، أو يغيرون قوانين الشريعة بتمويهات الطبيعة، كمن يؤول القرآن والأحاديث على وفق هواه، وليس ما نحن فيه من هذا القبيل كما يزعمه المحجوبون؛ لأن ذلك إنما يكون بإنكار أن يكون الظاهر مرادا لله تعالى، وقصر مراده سبحانه على هذه التأويلات، ونحن نبرأ إلى الله - عز وجل - من ذلك، فإنه كفر صريح، وإنما نقول: المراد هو الظاهر، وبه تعبد الله تعالى خلقه، لكن فيه إشارة إلى أشياء أخر لا يكاد يحيط بها نطاق الحصر، يوشك أن يكون ما ذكر بعضا منها.
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=41ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا ) قال
ابن عطاء: من يحجبه الله تعالى عن فوائد أوقاته لم يقدر أحد إيصاله إليه ( أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم ) أي: بالمراقبة والمراعاة، وقال
أبو بكر الوراق: طهارة القلب في شيئين: إخراج الحسد والغش، وحسن الظن بجماعة المسلمين (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42أكالون للسحت ) وهو ما يأكلونه بدينهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42فإن جاءوك فاحكم بينهم ) مداويا لدائهم، إن رأيت التداوي سببا لشفائهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42أو أعرض عنهم ) إن تيقنت إعواز الشفاء لشقائهم ( وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط ) أي داوهم على ما يستحقون ويقتضيه داؤهم، والكلام في باقي الآيات ظاهر، والله تعالى الموفق.
nindex.php?page=treesubj&link=19995_27962_28739_28803_32416_34089_34180_28976nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ سِيقَ لِتَقْرِيرِ مَزِيدِ فَظَاعَةِ حَالِ أُولَئِكَ الْيَهُودِ بِبَيَانِ عُلُوِّ شَأْنِ التَّوْرَاةِ عَلَى أَتَمِّ وَجْهٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44فِيهَا هُدًى أَيْ إِرْشَادٌ لِلنَّاسِ إِلَى الْحَقِّ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44وَنُورٌ أَيْ ضِيَاءٌ يُكْشَفُ بِهِ مَا تَشَابَهَ عَلَيْهِمْ وَأَظْلَمَ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ.
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ : ( فِيهَا هُدًى ) أَيْ بَيَانٌ لِلْحُكْمِ الَّذِي جَاءُوا يَسْتَفْتُونَ فِيهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( وَنُورٌ ) أَيْ بَيَانٌ أَنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – حَقٌّ، وَلَعَلَّ تَعْمِيمُ الْمُهْدَى إِلَيْهِ - كَمَا فِي كَلَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ – أَوْلَى، وَيَنْدَرِجُ فِيهِ انْدِرَاجًا أَوَّلِيًّا مَا ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ مِنَ الْحُكْمِ.
وَإِطْلَاقُ النُّورِ عَلَى مَا فِي التَّوْرَاةِ مَجَازٌ، وَلَعَلَّ إِطْلَاقَهُ عَلَى ذَلِكَ دُونَ إِطْلَاقِهِ عَلَى الْقُرْآنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النُّورَ مَقُولٌ بِالتَّشْكِيكِ، وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ إِطْلَاقَهُ عَلَى مَا بِهِ بَيَانُ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَاءً عَلَى مَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ - بِاعْتِبَارِ كَوْنِ الْأَمْرِ الْمُبَيَّنِ مُتَعَلِّقًا بِأَوَّلِ الْأَنْوَارِ الَّذِي لَوْلَاهُ مَا خُلِقَ الْفَلَكُ الدَّوَّارُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِطْلَاقَيْنِ مِثْلَ الصُّبْحِ ظَاهِرًا، وَالظَّرْفُ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَ( هُدًى ) مُبْتَدَأٌ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنَ التَّوْرَاةِ، أَيْ كَائِنًا فِيهَا ذَلِكَ، وَكَذَا جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ فِي قَوْلٍ، إِلَّا أَنَّهَا حَالٌ مُقَدَّرَةٌ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهَا مُسْتَأْنَفَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِرِفْعَةِ رُتْبَةِ التَّوْرَاةِ، وَسُمُوِّ طَبَقَتِهَا، وَالْمُرَادُ مِنَ النَّبِيِّينَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ لَدُنْ
مُوسَى إِلَى
عِيسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - عَلَى مَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17131مُقَاتِلٍ، وَكَانَ بَيْنَ النَّبِيَّيْنِ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - أَلْفُ نَبِيٍّ.
وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16584عِكْرِمَةَ ، أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ قَبْلَهُ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - وَعَلَى هَذَا بَنَى الِاسْتِدْلَالَ بِالْآيَةِ مَنْ قَالَ: إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=22129شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يُنْسَخْ، وَتَقْدِيمُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ عَلَى الْفَاعِلِ لِمَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَالْمُرَادُ: يَحْكُمُ بِأَحْكَامِهَا النَّبِيُّونَ.
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44الَّذِينَ أَسْلَمُوا صِفَةٌ أُجْرِيَتْ عَلَى ( النَّبِيِّينَ ) - كَمَا قِيلَ - عَلَى سَبِيلِ الْمَدْحِ، وَالظَّاهِرِ لَهُمْ، وَنَظَرَ فِيهِ
ابْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّ الْمَدْحَ إِنَّمَا يَكُونُ غَالِبًا بِالصِّفَاتِ الْخَاصَّةِ الَّتِي يَتَمَيَّزُ بِهَا الْمَمْدُوحُ عَمَّنْ دُونَهُ، وَالْإِسْلَامُ أَمْرٌ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ أُمَمَ الْأَنْبِيَاءِ وَمُتَّبِعِيهِمْ كَمَا يَتَنَاوَلُهُمْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَحْسُنُ فِي مَدْحِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقْتَصَرَ عَلَى كَوْنِهِ رَجُلًا مُسْلِمًا، فَإِنَّ أَقَلَّ مُتَّبِعِيهِ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: فَالْوَجْهُ - وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ -
[ ص: 143 ] أَنَّ الصِّفَةَ قَدْ تُذْكَرُ لِتُعَظَّمَ فِي نَفْسِهَا، وَلِيُنَوَّهَ بِهَا إِذَا وُصِفَ بِهَا عَظِيمُ الْقَدْرِ، كَمَا تُذْكَرُ تَنْوِيهًا بِقَدْرِ مَوْصُوفِهَا، وَعَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ جَرَى وَصْفُ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - بِالصَّلَاحِ فِي غَيْرِمَا آيَةٍ؛ تَنْوِيهًا بِمِقْدَارِ الصَّلَاحِ، إِذْ جُعِلَ صِفَةً لِلْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَبَعْثًا لِآحَادِ النَّاسِ عَلَى الدَّأْبِ فِي تَحْصِيلِ صِفَتِهِ، وَكَذَلِكَ قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنِ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ بِالْإِيمَانِ تَعْظِيمًا لِقَدْرِهِ، وَبَعْثًا لِلْبَشَرِ عَلَى الدُّخُولِ فِيهِ، لِيُسَاوُوا الْمَلَائِكَةَ الْمُقَرَّبِينَ فِي هَذِهِ الصِّفَةِ، وَإِلَّا فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ مُؤْمِنُونَ لَيْسَ إِلَّا، كَيْفَ لَا؟! وَهُمْ ( عِنْدَ رَبِّهِمْ ) كَمَا فِي الْخَبَرِ.
ثُمَّ قَالَ جَلَّ وَعَلَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَعْنِي مِنَ الْبَشَرِ لِثُبُوتِ حَقِّ الْأُخُوَّةِ فِي الْإِيمَانِ بَيْنَ الْقَبِيلَتَيْنِ، فَلِذَلِكَ - وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - جَرَى وَصْفُ الْأَنْبِيَاءِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالْإِسْلَامِ؛ تَنْوِيهًا بِهِ، وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ: أَوْصَافُ الْأَشْرَافِ أَشْرَافُ الْأَوْصَافِ،
وَحَسَّانُ النَّاظِمُ فِي مَدْحِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِقَوْلِهِ:
مَا إِنْ مَدَحْتُ مُحَمَّدًا بِمَقَالَتِي لَكِنْ مَدَحْتُ مَقَالَتِي بِمُحَمَّدِ
وَالْإِسْلَامُ - وَإِنْ كَانَ مِنْ أَشْرَفِ الْأَوْصَافِ، إِذْ حَاصِلُهُ مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا يَجِبُ لَهُ وَيَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ فِي حُكْمِهِ - إِلَّا أَنَّ النُّبُوَّةَ أَشْرَفُ وَأَجَلُّ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى عُمُومِ الْإِسْلَامِ مَعَ خَوَاصِّ الْمَوَاهِبِ الَّتِي لَا تَسَعُهَا الْعِبَارَةُ، فَلَوْ لَمْ نَذْهَبْ إِلَى الْفَائِدَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي ذِكْرِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ لَخَرَجْنَا عَنْ قَانُونِ الْبَلَاغَةِ الْمَأْلُوفِ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، وَفِي كَلَامِ
الْعَرَبِ الْفَصِيحِ، وَهُوَ التَّرَقِّي مِنَ الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى لَا النُّزُولُ عَلَى الْعَكْسِ، أَلَا تَرَى أَنَّ
أَبَا الطَّيِّبِ كَيْفَ تَزَحْزَحَ عَنْ هَذَا الْمَهْيَعِ فِي قَوْلِهِ:
شَمْسٌ ضُحَاهَا هِلَالٌ لَيْلَتُهَا دُرٌّ مَقَاصِيرُهَا زَبَرْجَدُهَا
فَنَزَلَ عَنِ الشَّمْسِ إِلَى الْهِلَالِ، وَعَنِ الدُّرِّ إِلَى الزَّبَرْجَدِ، فَمَضَغَتِ الْأَلْسُنُ عِرْضَ بَلَاغَتِهِ، وَمَزَّقَتْ أَدِيمَ صَنْعَتِهِ، فَعَلَيْنَا أَنْ نَتَدَبَّرَ الْآيَاتِ الْمُعْجِزَاتِ حَتَّى يَتَعَلَّقَ فَهْمُنَا بِأَهْدَابِ عُلُوِّهَا فِي الْبَلَاغَةِ الْمَعْهُودَةِ لَهَا، وَاللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ، انْتَهَى.
وَفِي الْمِفْتَاحِ وَالتَّخْلِيصِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا ذَكَرَهُ، وَإِيرَادُ
الطِّيبِيِّ عَلَيْهِ مَا أَوْرَدَهُ غَيْرُ طَيِّبٍ، نَعَمْ، قَدْ يُقَالُ: إِنَّ الْقَائِلَ بِكَوْنِهَا مَادِحَةً لِمَنْ جَرَّتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ قَدْ يَدَّعِي أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا قُصِدَ مَعَ الْمَدْحِ فَوَائِدُ أُخَرُ كَالتَّنْوِيهِ بِعُلُوِّ مَرْتَبَةِ الْمُسْلِمِينَ هُنَا، وَالتَّعْرِيضِ بِالْيَهُودِ بِأَنَّهُمْ بِمَعْزِلٍ عَنِ الْإِسْلَامِ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الْفَصِيحِ - بَلْ فِي الْأَفْصَحِ - ذِكْرُ غَيْرِ الْأَبْلَغِ بَعْدَ الْأَبْلَغِ مِنَ الصِّفَاتِ، وَمِنْ ذَلِكَ ( الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ) حَيْثُ كَانَ مُتَضَمِّنًا نُكْتَةً.
وَقَالَ
عِصَامُ الْمِلَّةِ : إِنَّ الْإِسْلَامَ لِلنَّبِيِّ كَمَالُ الْمَدْحِ؛ لِأَنَّ الِانْقِيَادَ مِنَ الْمُقْتَدِي لِلْخَلَائِقِ الَّتِي لَا تُحْصَى وَصْفٌ لَا وَصْفَ فَوْقَهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ بِهِ هُنَا إِشْعَارًا بِمَنْشَأِ الْحُكْمِ؛ لِيُحَافِظَ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ، وَلَا يُخْرَمَ وَلَا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْحُكْمَ لِلنُّبُوَّةِ، فَغَيْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَارِجٌ عَنْ هَذَا الْمَسْلَكِ، انْتَهَى، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ، إِذِ التَّرَقِّي مِنَ الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى لَمْ يَظْهَرْ بَعْدُ، وَنِهَايَةُ الْأَمْرِ الرُّجُوعُ إِلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمْ، فَافْهَمْ.
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44لِلَّذِينَ هَادُوا أَيْ تَابُوا مِنَ الْكُفْرِ، كَمَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْمُرَادُ بِهِمُ الْيَهُودُ، كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ ، وَالْجَارُّ إِمَّا مُتَعَلِّقٌ بِـ( يَحْكُمُ ) أَيْ يَحْكُمُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَاللَّامُ إِمَّا لِبَيَانِ اخْتِصَاصِ الْحُكْمِ بِهِمْ أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ أَوْ عَلَيْهِمْ، كَأَنَّهُ قِيلَ: لِأَجْلِ الَّذِينَ هَادُوا، وَإِمَّا لِلْإِيذَانِ بِنَفْعِهِ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ أَيْضًا بِإِسْقَاطِ التَّبِعَةِ عَنْهُ، وَإِمَّا لِلْإِشْعَارِ بِكَمَالِ رِضَاهُمْ بِهِ وَانْقِيَادِهِمْ لَهُ، كَأَنَّهُ أَمْرُ نَافِعٌ لِكِلَا الْفَرِيقَيْنِ، فَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِالْمُحَرِّفِينَ، وَقِيلَ: مِنْ بَابِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81سَرَابِيلَ [ ص: 144 ] تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَإِمَّا مُتَعَلِّقٌ بِـ( أَنْزَلْنَا ) وَلَعَلَّ الْفَاصِلَ لَيْسَ بِالْأَجْنَبِيِّ لِيَضُرَّ، وَقِيلَ: بِـ( أُنْزِلَ ) عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ، وَحُذِفَ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَتَكُونُ الْجُمْلَةُ حِينَئِذٍ مُعْتَرِضَةً، وَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْآيَةُ نَصًّا فِي تَخْصِيصِ النَّبِيِّينَ بِأَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إِنْزَالِهَا لَهُمُ اخْتِصَاصُهَا بِهِمْ، وَقِيلَ: الْجَارُّ مُتَعَلِّقٌ بِـ( هُدًى وَنُورٌ ) وَفِيهِ فَصْلٌ بَيْنَ الْمَصْدَرِ وَمَعْمُولِهِ، وَقِيلَ: مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَقَعَ صِفَةً لَهُمَا، أَيْ هُدًى وَنُورٌ كَائِنَانِ لَهُمَا، وَكَلَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجِ يَحْتَمِلُ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ.
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ أَيِ الْعُبَّادُ وَالْعُلَمَاءُ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةُ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ: ( الرَّبَّانِيُّونَ ) الْعُلَمَاءُ الْفُقَهَاءُ وَهُمْ فَوْقَ الْأَحْبَارِ، وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=16327ابْنِ زَيْدٍ : ( الرَّبَّانِيُّونَ ) الْوُلَاةُ، ( وَالْأَحْبَارُ ) الْعُلَمَاءُ، وَالْوَاحِدُ حَبْرٌ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14888الْفَرَّاءُ : وَأَكْثَرُ مَا سَمِعْتُ فِيهِ الْكَسْرُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ التَّحْبِيرِ وَالتَّحْسِينِ، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ يُحَبِّرُونَ الْعِلْمَ وَيُزَيِّنُونَهُ وَيُبَيُّونَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ الْحِبْرِ - بِكَسْرِ الْحَاءِ لَا غَيْرُ - لِمَا يُكْتَبُ بِهِ، وَهَذَا عَطْفٌ عَلَى ( النَّبِيُّونَ ) أَيْ هُمْ أَيْضًا يَحْكُمُونَ بِأَحْكَامِهَا، وَتَوْسِيطُ الْمَحْكُومِ لَهُمْ - كَمَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَيْنِ لِلْإِيذَانِ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْحُكْمِ بِهَا وَحَمْلَ النَّاسِ عَلَى مَا فِيهَا هُمُ النَّبِيُّونَ، وَإِنَّمَا الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ خُلَفَاءُ وَنُوَّابٌ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، كَمَا يُنْبِئُ عَنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44بِمَا اسْتُحْفِظُوا أَيْ بِالَّذِي اسْتُحْفِظُوهُ مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّينَ، وَهُوَ التَّوْرَاةُ، حَيْثُ سَأَلُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوهَا مِنَ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - مُشْعِرٌ بِاسْتِخْلَافِهِمْ فِي إِجْرَاءِ أَحْكَامِهَا مِنْ غَيْرِ إِخْلَالٍ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَالْجَارُّ مُتَعَلِّقٌ بِـ( يَحْكُمُ ) وَ( مَا ) مَوْصُولَةٌ، وَضَمِيرُ الْجَمْعِ عَائِدٌ إِلَى الرَّبَّانِيِّينَ وَالْأَحْبَارِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44مِنْ كِتَابِ اللَّهِ بَيَانٌ لِـ( مَا ) وَفِي الْإِبْهَامِ وَالْبَيَانِ بِذَلِكَ مَا لَا يَخْفَى مِنْ تَفْخِيمِ أَمْرِ التَّوْرَاةِ ذَاتًا وَإِضَافَةً، وَفِيهِ أَيْضًا تَأْكِيدُ إِيجَابِ حِفْظِهَا وَالْعَمَلِ بِمَا فِيهَا، وَالْبَاءُ الدَّاخِلَةُ عَلَى الْمَوْصُولِ سَبَبِيَّةٌ، فَلَا يَلْزَمُ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جَرٍّ مُتَّحَدِي الْمَعْنَى بِفِعْلٍ وَاحِدٍ، أَيْ: وَيَحْكُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ أَيْضًا بِالتَّوْرَاةِ بِسَبَبِ مَا حَفِظُوهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ حَسْبَمَا وَصَّاهُمْ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُمْ، وَسَأَلُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِسَبَبِيَّتِهِ لِحُكْمِهِمْ ذَلِكَ سَبَبِيَّتَهُ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ، بَلْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَحْفُوظًا، فَإِنَّ تَعْلِيقَ حُكْمِهِمْ بِالْمَوْصُولِ مُشْعِرٌ بِسَبَبِيَّةِ الْحِفْظِ الْمُتَرَتِّبِ - لَا مَحَالَةَ – عَلَى مَا فِي حَيِّزِ الصِّلَةِ مِنَ الِاسْتِحْفَاظِ لَهُ، وَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ( مَا ) بِمَعْنَى أَمْرٍ، وَ( مِنْ ) لِتَبْيِينِ مَفْعُولٍ مَحْذُوفٍ لِـ( اسْتُحْفِظُوا ) وَالتَّقْدِيرُ: بِسَبَبِ أَمْرٍ ( اسْتُحْفِظُوا ) بِهِ شَيْئًا ( مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ) وَهُوَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخَرَّجَ عَلَيْهِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقِيلَ: الْأَوْلَى أَنْ تُجْعَلَ ( مَا ) مَصْدَرِيَّةً؛ لِيُسْتَغْنَى عَنْ تَقْدِيرِ الْعَائِدِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَتَأَتَّى الْقَوْلُ بِأَنَّ ( مِنْ ) بَيَانٌ لَهَا، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ جَوَّزَ كَوْنَ ( بِمَا ) بَدَلًا مِنْ ( بِهَا ) وَأُعِيدَ الْجَارُّ لِطُولِ الْفَصْلِ، وَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَطُلْ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَرْجَعَ الضَّمِيرَ الْمَرْفُوعَ لِلنَّبِيِّينَ وَمَنْ عُطِفَ عَلَيْهِمْ، فَالْمُسْتَحْفِظُ حِينَئِذٍ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَحَدِيثُ الْأَنْبَاءِ لَا يَتَأَتَّى إِذْ ذَاكَ، وَقِيلَ: إِنَّ ( الرَّبَّانِيُّونَ ) فَاعِلٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، وَالْبَاءُ صِلَةٌ لَهُ، وَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا، أَيْ: وَيَحْكُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِحُكْمِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي سَأَلَهُمْ أَنْبِيَاؤُهُمْ أَنْ يَحْفَظُوهُ مِنَ التَّغْيِيرِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ عَطْفٌ عَلَى ( اسْتُحْفِظُوا ) وَمَعْنَى ( شُهَدَاءَ ) رُقَبَاءَ، يَحْمُونَهُ مِنْ أَنْ يَحُومَ حَوْلَ حِمَاهُ التَّغْيِيرُ وَالتَّبْدِيلُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، أَوْ ( شُهَدَاءَ ) عَلَيْهِ أَنَّهُ حَقٌّ.
وَرُجِّحَ - عَلَى الْأَوَّلِ - بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ ( الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ ) رُقَبَاءَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا يَتْرُكُونَهَا أَنْ تُغَيِّرَ وَتُحَرِّفَ التَّوْرَاةَ؛ لِأَنَّ الْمُحَرِّفَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْهُمْ لَا مِنَ الْعَامَّةِ، وَهُوَ - كَمَا تَرَى - لَيْسَ فِيهِ مَزِيدُ مَعْنًى، وَإِرْجَاعُ ضَمِيرِ ( كَانُوا ) لِلنَّبِيِّينَ مِمَّا لَا يَكَادُ يَجُوزُ، وَقِيلَ: عَطْفٌ عَلَى ( يَحْكُمُ ) الْمَحْذُوفِ الْمُرَادِ مِنْهُ حِكَايَةُ الْحَالِ الْمَاضِيَةِ، أَيْ: حَكَمَ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى،
[ ص: 145 ] وَكَانُوا شُهَدَاءَ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ عَلَى هَذَا - بِلَا خَفَاءٍ - أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ مُسْتَعَارَةً لِلْبَيَانِ، أَيْ مُبَيِّنِينَ مَا يَخْفَى مِنْهُ، وَأَمْرُ التَّعَدِّي بِـ( عَلَى ) سَهْلٌ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ شَيْءٌ وَرَاءَ الْحُكْمِ، وَقِيلَ: الضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ هُنَا كَسَابِقِهِ عَائِدٌ عَلَى النَّبِيِّينَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، وَالْعَطْفُ إِمَّا عَلَى ( اسْتُحْفِظُوا ) أَوْ عَلَى ( يَحْكُمُ ).
وَتَوَهُّمُ عِبَارَةِ الْبَعْضِ - حَيْثُ قَالَ: وَبِسَبَبِ كَوْنِهِمْ شُهَدَاءَ - أَنَّ الْعَطْفَ عَلَى ( مَا ) الْمَوْصُولَةِ فَيُؤَوَّلُ ( كَانُوا ) بِالْمَصْدَرِ، وَكَأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ تَلْخِيصُ الْمَعْنَى لِكَوْنِ مَا ذُكِرَ ضَعِيفًا فِيمَا لَا يَكُونُ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ حَدَثًا، وَأَمَّا الْعَطْفُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ بِتَقْدِيرِ حَرْفٍ مَصْدَرِيٍّ لِيَكُونَ الْمَعْطُوفُ دَاخِلًا تَحْتَ الطَّلَبِ، فَكَمَا تَرَى.
وَإِرْجَاعُ ضَمِيرِ ( عَلَيْهِ ) إِلَى حُكْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرَّجْمِ كَمَا رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِمَّا تَأْبَاهُ الْعَرَبِيَّةُ فِي بَعْضِ الِاحْتِمَالَاتِ، وَهُوَ - وَإِنْ جَازَ عَرَبِيَّةً فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ - لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَلَا قَرِينَةَ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّ مُرَادَ الْحَبْرِ بَيَانُ بَعْضِ مَا تَضَمَّنَهُ الْكِتَابُ الَّذِي هُمْ شُهَدَاءُ عَلَيْهِ، وَبِالْجُمْلَةِ احْتِمَالَاتُ هَذِهِ الْآيَةِ كَثِيرَةٌ.
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ خِطَابٌ لِرُؤَسَاءِ الْيَهُودِ وَعُلَمَائِهِمْ بِطَرِيقِ الِالْتِفَاتِ، كَمَا رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -
nindex.php?page=showalam&ids=14468وَالسُّدِّيِّ nindex.php?page=showalam&ids=15097وَالْكَلْبِيِّ ، وَيَتَنَاوَلُ النَّهْيُ غَيْرَ أُولَئِكَ الْمُخَاطَبِينَ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ، وَالْفَاءُ لِجَوَابِ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: إِذَا كَانَ الشَّأْنُ كَمَا ذُكِرَ يَا أَيُّهَا الْأَحْبَارُ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَاقْتَدُوا فِي مُرَاعَاةِ أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ وَحِفْظِهَا بِمَنْ قَبْلَكُمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالرَّبَّانِيِّينَ وَالْأَحْبَارِ، وَلَا تَعْدِلُوا عَنْ ذَلِكَ، وَلَا تُحَرِّفُوا خَشْيَةً مِنْ أَحَدٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44وَاخْشَوْنِ فِي تَرْكِ أَمْرِي؛ فَإِنَّ النَّفْعَ وَالضُّرَّ بِيَدِي، أَوْ فِي الْإِخْلَالِ بِحُقُوقِ مُرَاعَاتِهَا، فَضْلًا عَنِ التَّعَرُّضِ لَهَا بِسُوءٍ.
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي أَيْ لَا تَسْتَبْدِلُوا بَآيَاتِي الَّتِي فِيهَا بِأَنْ تُخْرِجُوهَا مِنْهَا، أَوْ تَتْرُكُوا الْعَمَلَ بِهَا، وَتَأْخُذُوا لِأَنْفُسِكُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44ثَمَنًا قَلِيلا مِنَ الرِّشْوَةِ وَالْجَاهِ وَسَائِرِ الْحُظُوظِ الدُّنْيَوِيَّةِ، فَإِنَّهَا - وَإِنْ جَلَّتْ - قَلِيلَةٌ مُسْتَرْذَلَةٌ فِي نَفْسِهَا، لَاسِيَّمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يَفُوتُهُمْ بِمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ، وَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إِلَى أَنَّ الْخِطَابَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ الَّذِي يُنْبِئُ عَنْهُ كَلَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشَّعْبِيِّ .
وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ - وَهُوَ الْوَجْهُ كَمَا فِي الْكَشْفِ - أَنَّهُ عَامٌّ، وَالْفَاءُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فَصِيحَةٌ، أَيْ: وَحِينَ عَرَفْتُمْ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ، وَمَا تَوَاطَأَ عَلَيْهِ الْخُلُوفُ مِنْ أَمْرِ التَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ لِلرِّشْوَةِ وَالْخَشْيَةِ، فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ، وَلَا تَكُونُوا أَمْثَالَ هَؤُلَاءِ الْخَالِفِينَ، وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ بَعْضِ أَئِمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّهَا عَلَى الْوَجْهِ فَصِيحَةٌ أَيْضًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ، فَتَذَكَّرْ.
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْأَحْكَامِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44فَأُولَئِكَ إِشَارَةٌ إِلَى ( مَنْ ) وَالْجَمْعُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهَا، كَمَا أَنَّ الْإِفْرَادَ فِي سَابِقِهِ بِاعْتِبَارِ لَفْظِهَا، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ جُمْلَةُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44هُمُ الْكَافِرُونَ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ( هُمْ ) ضَمِيرَ فَصْلٍ، وَ( الْكَافِرُونَ ) هُوَ الْخَبَرُ، وَالْجُمْلَةُ تَذْيِيلٌ مُقَرِّرٌ لِمَضْمُونِ مَا قَبْلَهَا أَبْلَغَ تَقْرِيرٍ، وَتَحْذِيرٌ عَنِ الْإِخْلَالِ بِهِ أَشَدَّ تَحْذِيرٍ، وَاحْتَجَّتِ
الْخَوَارِجُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْفَاسِقَ كَافِرٌ غَيْرُ مُؤْمِنٍ، وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا أَنَّ كَلِمَةَ ( مَنْ ) فِيهَا عَامَّةٌ شَامِلَةٌ لِكُلِّ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى، فَيَدْخُلُ الْفَاسِدُ الْمُصَدِّقُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ حَاكِمٍ وَعَامِلٍ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْآيَةَ مَتْرُوكَةُ الظَّاهِرِ؛ فَإِنَّ الْحُكْمَ - وَإِنْ كَانَ شَامِلًا لِفِعْلِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ - لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا عَمَلُ الْقَلْبِ، وَهُوَ التَّصْدِيقُ، وَلَا نِزَاعَ فِي كُفْرِ مَنْ لَمْ يُصَدِّقْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَيْضًا إِنَّ الْمُرَادَ عُمُومُ النَّفْيِ بِحَمْلِ ( مَا ) عَلَى الْجِنْسِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَكُونُ إِلَّا غَيْرَ مُصَدِّقٍ، وَلَا نِزَاعَ فِي كُفْرِهِ.
وَأَيْضًا أَخْرَجَ
ابْنُ مَنْصُورٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11868وَأَبُو الشَّيْخِ ،
[ ص: 146 ] nindex.php?page=showalam&ids=13508وَابْنُ مَرْدُويَهْ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ: «إِنَّمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ وَالظَّالِمُونَ وَالْفَاسِقُونَ ) فِي الْيَهُودِ خَاصَّةً».
وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ ، عَنْ
أَبِي صَالِحٍ قَالَ: «الثَّلَاثُ الْآيَاتُ الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ ) إِلَخْ، لَيْسَ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ مِنْهَا شَيْءٌ، هِيَ فِي الْكُفَّارِ».
وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16584عِكْرِمَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وَابْنُ جَرِيرٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضَّحَّاكِ نَحْوَ ذَلِكَ.
وَلَعَلَّ وَصْفَهُمْ بِالْأَوْصَافِ الثَّلَاثِ بِاعْتِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ؛ فَلِإِنْكَارِهِمْ ذَلِكَ وُصِفُوا بِالْكَافِرِينَ، وَلِوَضْعِهِمُ الْحُكْمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وُصِفُوا بِالظَّالِمِينَ، وَلِخُرُوجِهِمْ عَنِ الْحَقِّ وُصِفُوا بِالْفَاسِقِينَ، أَوْ أَنَّهُمْ وُصِفُوا بِهَا بِاعْتِبَارِ أَطْوَارِهِمْ وَأَحْوَالِهِمُ الْمُنْضَمَّةِ إِلَى الِامْتِنَاعِ عَنِ الْحُكْمِ، فَتَارَةً كَانُوا عَلَى حَالٍ تَقْتَضِي الْكُفْرَ، وَتَارَةً عَلَى أُخْرَى تَقْتَضِي الظُّلْمَ أَوِ الْفِسْقَ.
وَأَخْرَجَ
أَبُو حُمَيْدٍ وَغَيْرُهُ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشَّعْبِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ: «الثَّلَاثُ الْآيَاتُ الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ أَوَّلُهَا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، وَالثَّانِيَةُ فِي الْيَهُودِ ، وَالثَّالِثَةُ فِي النَّصَارَى »وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُونَ أَسْوَأَ حَالًا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، إِلَّا أَنَّهُ قِيلَ: إِنَّ الْكُفْرَ إِذَا نُسِبَ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ حُمِلَ عَلَى التَّشْدِيدِ وَالتَّغْلِيظِ، وَالْكَافِرُ إِذَا وُصِفَ بِالْفِسْقِ وَالظُّلْمِ أَشْعَرَ بِعُتُوِّهِ وَتَمَرُّدِهِ فِيهِ.
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12918ابْنُ الْمُنْذِرِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14070وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ،
nindex.php?page=showalam&ids=13933وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ فِي الْكُفْرِ الْوَاقِعِ فِي أُولَى الثَّلَاثِ: «إِنَّهُ لَيْسَ بِالْكُفْرِ الَّذِي تَذْهَبُونَ إِلَيْهِ، إِنَّهُ لَيْسَ كُفْرًا يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ، كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ» وَالْوَجْهُ أَنَّ هَذَا كَالْخِطَابِ عَامٌّ لِلْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مُخَرَّجٌ مَخْرَجَ التَّغْلِيظِ، أَوْ يَلْتَزِمُ أَحَدَ الْجَوَابَيْنِ، وَاخْتِلَافُ الْأَوْصَافِ لِاخْتِلَافِ الِاعْتِبَارَاتِ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْأَخِيرَيْنِ مِنْهَا الْكُفْرُ أَيْضًا عِنْدَ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ، وَذَلِكَ بِحَمْلِهِمَا عَلَى الْفِسْقِ وَالظُّلْمِ الْكَامِلَيْنِ.
وَمَا أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14070الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ،
وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وَابْنُ جَرِيرٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=21حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ الْآيَاتِ الثَّلَاثَ ذُكِرَتْ عِنْدَهُ فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذَا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=21حُذَيْفَةُ: نِعْمَ الْأُخُوَّةُ لَكُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ، إِنْ كَانَ لَكُمْ كُلُّ حُلْوَةٍ وَلَهُمْ كُلُّ مُرَّةٍ، كَلَّا وَاللَّهِ، لَتَسْلُكُنَّ طَرِيقَهُمْ قَدَّ الشِّرَاكِ» يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَيْلًا مِنْهُ إِلَى الْقَوْلِ بِالْعُمُومِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ -كَمَا قِيلَ: - مَيْلًا إِلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَرُوِيَ الْأَوَّلُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16600عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: كُفْرٌ لَيْسَ كَكُفْرِ الشِّرْكِ، وَفِسْقٌ لَيْسَ كَفِسْقِ الشِّرْكِ، وَظُلْمٌ لَيْسَ كَظُلْمِ الشِّرْكِ.
هَذَا، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ عَلَى مَا فِي بَعْضِ هَذِهِ الْآيَاتِ مِنَ الْإِشَارَةِ فَقَالَ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=35يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ) أَيِ اتَّقُوهُ سُبْحَانَهُ بِتَزْكِيَةِ نُفُوسِكُمْ مِنَ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=35وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) أَيْ: وَاطْلُبُوا إِلَيْهِ تَعَالَى الزُّلْفَى بِتَحْلِيَتِهَا بِالْأَخْلَاقِ الْمَرْضِيَّةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=35وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ ) بِمَحْوِ الصِّفَاتِ وَالْفَنَاءِ فِي الذَّاتِ ( لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) أَيْ لِكَيْ تَفُوزُوا بِالْمَطْلُوبِ، وَقِيلَ: ابْتِغَاءُ الْوَسِيلَةِ التَّقَرُّبُ إِلَيْهِ بِمَا سَبَقَ مِنْ إِحْسَانِهِ وَعَظِيمِ رَحْمَتِهِ، وَهُوَ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ:
أَيَا جُودُ مَعْنٍ نَاجِ مَعْنًا بِحَاجَتِي فَلَيْسَ إِلَى مَعْنٍ سِوَاهُ شَفِيعُ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=36إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ ) أَيْ مَا فِي الْجِهَةِ السُّفْلِيَّةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=36جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) الْكُبْرَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=36مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ ) لِأَنَّهُ سَبَبُ زِيَادَةِ الْحِجَابِ وَالْبُعْدِ، وَلَا يَنْجَعُ ثَمَّةَ إِلَّا مَا فِي الْجِهَةِ الْعُلْوِيَّةِ مِنَ الْمَعَارِفِ وَالْحَقَائِقِ النُّورِيَّةِ.
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=38وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ ) أَيِ الْمُتَنَاوِلُ مِنَ الْأَنْفُسِ وَالْمُتَنَاوِلَةُ مِنَ الْقُوَى النَّفْسَانِيَّةِ لِلشَّهَوَاتِ الَّتِي حُرِّمَتْ عَلَيْهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=38فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ) أَيِ: امْنَعُوهُمَا بِحَسْمِ قُدْرَتِهِمَا بِسَيْفِ الْمُجَاهِدَةِ وَسِكِّينِ الرِّيَاضَةِ ( جَزَاءً بِمَا كَسَبَا ) مِنْ تَنَاوُلِ مَا لَا يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ لَهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=38نَكَالا ) أَيْ عُقُوبَةً مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ – (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=41سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ ) وَوَسَاوِسِ شَيْطَانِ النَّفْسِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=41سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ ) وَهُمُ الْقُوَى النَّفْسَانِيَّةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=41لَمْ يَأْتُوكَ ) أَيْ: يَنْقَادُوا لَكُمْ،
[ ص: 147 ] أَوْ: سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ يَسُنُّونَ السُّنَنَ السَّيِّئَةَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=41يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ ) وَهِيَ التَّعَيُّنَاتُ الْإِلَهِيَّةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=41مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ) فَيُزِيلُونَهَا عَمَّا هِيَ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى الْوُجُودِ الْحَقَّانِيِّ، أَوْ يُغَيِّرُونَ قَوَانِينَ الشَّرِيعَةِ بِتَمْوِيهَاتِ الطَّبِيعَةِ، كَمَنْ يُؤَوِّلُ الْقُرْآنَ وَالْأَحَادِيثَ عَلَى وَفْقِ هَوَاهُ، وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ كَمَا يَزْعُمُهُ الْمَحْجُوبُونَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ بِإِنْكَارِ أَنْ يَكُونَ الظَّاهِرُ مُرَادًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَقَصْرِ مُرَادِهِ سُبْحَانَهُ عَلَى هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ، وَنَحْنُ نَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ كُفْرٌ صَرِيحٌ، وَإِنَّمَا نَقُولُ: الْمُرَادُ هُوَ الظَّاهِرُ، وَبِهِ تَعَبَّدَ اللَّهُ تَعَالَى خَلْقَهُ، لَكِنْ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَشْيَاءَ أُخَرَ لَا يَكَادُ يُحِيطُ بِهَا نِطَاقُ الْحَصْرِ، يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ مَا ذُكِرَ بَعْضًا مِنْهَا.
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=41وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهُ شَيْئًا ) قَالَ
ابْنُ عَطَاءٍ: مَنْ يَحْجُبُهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ فَوَائِدِ أَوْقَاتِهِ لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ إِيصَالَهُ إِلَيْهِ ( أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ) أَيْ: بِالْمُرَاقَبَةِ وَالْمُرَاعَاةِ، وَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ: طَهَارَةُ الْقَلْبِ فِي شَيْئَيْنِ: إِخْرَاجُ الْحَسَدِ وَالْغِشِّ، وَحُسْنُ الظَّنِّ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ) وَهُوَ مَا يَأْكُلُونَهُ بِدِينِهِمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ ) مُدَاوِيًا لِدَائِهِمْ، إِنْ رَأَيْتَ التَّدَاوِيَ سَبَبًا لِشِفَائِهِمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ) إِنْ تَيَقَّنْتَ إِعْوَازَ الشِّفَاءِ لِشَقَائِهِمْ ( وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ) أَيْ دَاوِهِمْ عَلَى مَا يَسْتَحِقُّونَ وَيَقْتَضِيهِ دَاؤُهُمْ، وَالْكَلَامُ فِي بَاقِي الْآيَاتِ ظَاهِرٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.