الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
513 [ ص: 127 ] حديث ثان وعشرون لنافع عن ابن عمر

مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يتحرى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ، ولا عند غروبها .

التالي السابق


لم يختلف على مالك في هذا الحديث ، وكذلك رواه الشافعي وغيره ، عن مالك ، حدثني خلف بن القاسم ، حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين العسري ، حدثنا أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المازني ، حدثنا محمد بن إدريس الشافعي وأخبرنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يتحرى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها .



قال أبو عمر : قوله في هذا الحديث لا يتحرى ، دليل على أن المراد والمقصود به صلاة التطوع ، لا صلاة الفرض ; وقد يجوز [ ص: 128 ] أن يكون النهي ، عن ذلك قصد به إلى أن لا يترك المرء صلاة العصر إلى غروب الشمس ، ولا يترك صلاة الصبح إلى حين طلوعها ، ثم يقوم فيصلي في ذينك الوقتين ، أو أحدهما قاصدا لذلك ، عامدا مفرطا ; وليس ذلك لمن نام أو نسي فانتبه ، أو ذكر في ذلك الوقت ; لأن من عرض له مثل ذلك فليس بمتحر للصلاة في ذلك الوقت ، ولا قاصدا إليها ، وإنما هو رجل ذكرها بعد نسيان ، أو انتبه إليها ولم يتحر القصد بصلاته ذلك الوقت ، وإنما المتحري بصلاته ذلك الوقت المتطوع بالصلاة في ذلك الوقت ، أو التارك عامدا صلاته إلى ذلك الوقت ; وعن هذا جاء النهي مجردا ، وعليه اجتمع علماء المسلمين ; فأما الفرض في غير تفريط ، فليس بداخل في هذا الباب بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم : من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر . [ ص: 129 ] ومعلوم أن من أدرك ركعة من الصبح قبل الطلوع ، أو ركعة من العصر قبل الغروب ، فقد صلى صلاته عند طلوع الشمس ، وعند غروبها ، ودليل آخر قوله - صلى الله عليه وسلم : من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فذلك وقتها فإن الله يقول : ( وأقم الصلاة لذكري ) لم يخص وقتا من وقت ، وهذا كله يوضح أن قوله - صلى الله عليه وسلم : لا يتحر أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها إنما أراد به التطوع والنوافل ، والتعمد لترك الفرائض - فاعلمه وقد مضى القول مستوعبا في هذا المعنى بما للعلماء في ذلك من التنازع ووجوه أقوالهم في باب زيد بن أسلم في موضعين منه ، أحدهما ، عن بسر بن سعيد ، والأعرج ، وعطاء بن يسار ، عن أبي هريرة والآخر ، عن عطاء بن يسار ، عن الصنابحي ; ومضى القول في الصلاة بعد الصبح والعصر في باب محمد بن يحيى بن حبان ، فلا وجه لإعادة [ ص: 130 ] شيء في ذلك هاهنا ; ولا أعلم خلافا بين العلماء المتقدمين منهم والمتأخرين ، إن صلاة التطوع والنوافل كلها غير جائز شيء منها أن تصلى عند طلوع الشمس ، ولا عند غروبها ; وإنما اختلفوا في الصلوات المفروضات المتعينات ، والمفروضات على كفاية ، والصلوات المسنونات ; مما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يواظب عليه ويفعله ، ويندب أمته إليه ; هل يصلى شيء من ذلك عند طلوع الشمس وغروبها ، أو اصفرارها ; أو بعد الصبح والعصر ، أم لا ؟ وقد ذكرنا ذلك كله في المواضع التي سمينا من كتابنا هذا والحمد لله .




الخدمات العلمية