الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          769 - مسألة : والأسير في دار الحرب إن عرف رمضان لزمه صيامه إن كان مقيما ; لأنه مخاطب بصومه في القرآن ; فإن سوفر به أفطر ولا بد لأنه على سفر وعليه قضاؤه لما ذكر قبل ; فإن لم يعرف الشهر وأشكل عليه سقط عنه صيامه ولزمته أيام أخر إن كان مسافرا وإلا فلا . وقال قوم : يتحرى شهرا ويجزئه . وقال آخرون : إن وافق شهرا قبل رمضان لم يجزه ، وإن وافق شهرا بعد رمضان أجزأه ، لأنه يكون قضاء عن رمضان .

                                                                                                                                                                                          قال علي : أما تحري شهر فيجزئه أو يجعله قضاء فحكم لم يأت به قرآن ، ولا سنة صحيحة ، ولا رواية سقيمة ، ولا إجماع ، ولا قول صاحب ، وما كان هكذا فهو دعوى فاسدة لا برهان على صحتها . فإن قالوا : قسناه على من جهل القبلة . قلنا : هذا باطل ; لأن الله تعالى لم يوجب التحري على من جهل القبلة ; بل من جهلها فقد سقط عنه فرضها ، فيصلي كيف شاء .

                                                                                                                                                                                          فإن قالوا : قسناه على من خفي عليه وقت الصلاة . قلنا : وهذا باطل ، أيضا ، لأنه لا يجزئه صلاة إلا حتى يوقن بدخول وقتها . [ ص: 410 ]

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وبرهان صحة قولنا - : قول الله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } فلم يوجب الله تعالى صيامه إلا على من شهده ، وبالضرورة ندري أن من جهل وقته فلم يشهده قال الله عز وجل : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وقال تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } فمن لم يكن في وسعه معرفة دخول رمضان فلم يكلفه الله تعالى صيامه بنص القرآن ، ومن سقط عنه صوم الشهر فلا قضاء عليه ; لأنه صوم غير ما أمر الله تعالى به . فإن صح عنده بعد ذلك أنه كان فيه مريضا أو مسافرا فعليه ما افترض الله تعالى على المريض فيه والمسافر فيه وهو عدة من أيام أخر ، فيقضي الأيام التي سافر ، والتي مرض فقط ولا بد ; وإن لم يوقن بأنه مرض فيه أو سافر فلا شيء عليه - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية