الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4767 5054 - حدثني إسحاق ، أخبرنا عبيد الله ، عن شيبان ، عن يحيى ، عن محمد بن عبد الرحمن -مولى بني زهرة - عن أبي سلمة -قال : وأحسبني قال : سمعت أنا من أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اقرإ القرآن في شهر " . قلت : إني أجد قوة ، حتى قال : " فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك " . [انظر : 1131 - مسلم: 1159 - فتح: 9 \ 95 ] .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              حدثنا علي ، ثنا سفيان قال : قال لي ابن شبرمة : نظرت كم يكفي الرجل من القرآن ، فلم أجد سورة أقل من ثلاث آيات ، فقلت : لا ينبغي لأحد أن يقرأ أقل من ثلاث آيات .

                                                                                                                                                                                                                              قال سفيان : ثنا منصور ، عن إبراهيم ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، أخبره علقمة ، عن أبي مسعود -هو الأنصاري عقبة بن عمر - : ولقيته وهو يطوف بالبيت ، فذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : "من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه " . وقد سلف تأويله .

                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو قال : أنكحني أبي امرأة ذات حسب ، وكان يتعاهد كنته فيسألها عن بعلها ، فتقول : نعم الرجل من رجل ، لم يطأ لنا فراشا ولم يفتش لنا كنفا منذ أتيناه . فلما طال ذلك عليه ذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك ، فقال : "القني به " . فلقيته بعد ، فقال : "كيف تصوم ؟ " . قال : كل يوم . قال : "وكيف تختم ؟ " . قال : كل ليلة . قال : "صم في كل شهر ثلاثا ، واقرإ القرآن في كل شهر " . قال : قلت : أطيق أكثر من ذلك . قال : "صم ثلاثة أيام في الجمعة " . قلت : أطيق أكثر من ذلك . قال : "أفطر يومين وصم يوما " . قال :

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 164 ] قلت : أطيق أكثر من ذلك . قال : "صم أفضل الصوم صوم داود ، صيام يوم وإفطار يوم ، واقرأ في كل سبع ليال مرة " . فليتني قبلت رخصة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; وذاك أني كبرت وضعفت فكان يقرأ على بعض أهله السبع من القرآن بالنهار والذي يعرضه يقرؤه من النهار ; ليكون أخف عليه بالليل ، وإذا أراد أن يتقوى أفطر أياما وأحصى وصام مثلهن ; كراهية أن يترك شيئا فارق عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
                                                                                                                                                                                                                              . قال أبو عبد الله : وقال بعضهم : في ثلاث وفي خمس ، وأكثرهم على سبع .

                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق عن سعد بن حفص ، ثنا شيبان ، عن يحيى ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن أبي سلمة ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - : "في كم تقرأ القرآن ؟ " .

                                                                                                                                                                                                                              وحدثني إسحاق ، أنا عبد الله بن شيبان ، عن يحيى ، عن محمد بن عبد الرحمن -مولى بني زهرة - عن أبي سلمة ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اقرأ القرآن في شهر " قلت : إنى أجد قوة . قال : "فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك " .

                                                                                                                                                                                                                              الشرح :

                                                                                                                                                                                                                              قول أبي شبرمة : (نظرت . . ) إلى آخره لعله يريد في قيام الليل أو في الصلاة . ونقل ابن بطال عن أهل التفسير أنهم ذكروا في تأويل هذه الآية ثلاث آيات فصاعدا ، ويقال : إنه أقصر سورة في القرآن كما قال ابن شبرمة ، وقد أسلفنا الخلاف في معنى : "كفتاه " .

                                                                                                                                                                                                                              ونقل ابن التين عن قول الجماعة أنه يريد فيما ندب من صلاة الليل . وقال ابن بطال : هو نص أن قارئ الآيتين داخل في : ما تيسر منه .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 165 ] وأغرب الحسن ومحمد بن سيرين حيث قالا : صلاة الليل فرض على كل مسلم ، ولو قدر حلب شاة . يتأولان هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                              والكنة : -بفتح الكاف - امرأة الابن .

                                                                                                                                                                                                                              وقولها : (ولم يفتش لنا كنفا ) أي لم يكشف لنا سترا . عبرت بذلك عن امتناعه عن الجماع . وبخط الدمياطي : لم يدخل يده معها كما يدخل الرجل يده مع زوجته في دواخل أمورها . قال : وأكثر ما يروى بفتح الكاف والنون في الكنف ، وهو الجانب . يعني أنه لم يقربها .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله - عليه السلام - : ("صم أفضل الصوم" ) فيه دلالة على أن هذا أفضل من صيام الدهر ، وإن أسقط منه ما لا يجوز صومه من الأيام .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("صم ثلاثة أيام " قلت : أطيق أكثر من ذلك ; قال : "أفطر يومين وصم يوما" ) . قال أبو عبد الملك والداودي : هذا وهم في الرواية . يريد أن ثلاثة أيام في الجمعة أكثر من صيام يوم بعد يومين . وهو إنما طلب من الشارع أن يزيده في العمل ، وهذا تدريج إلى النقص من العمل . قال الداودي : إلا أن يريد ثلاثة أيام من قوله : "أفطر يوما وصم يوما " وهذا خروج عن الظاهر . قال : واختلفت الرواية : كيف كان لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقيل : إنه - عليه السلام - أتاه ، وقيل : لقيه .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : (فلما طال عليه ، ذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - ) يحتمل أن يكون سكوته عن ذكر ذلك أول ما ذكرت له ذلك ; لأنه رآها راضية بذلك ، فلما كرر عليها السؤال تخوف أن تتعلق بولده ولها عليه حق فذكره .

                                                                                                                                                                                                                              وقول البخاري : (وقال بعضهم : في ثلاث ، وفي خمس ، وأكثرهم على سبع ) يشبه أن يكون أراد بالثلاث والسبع ما رواه الإسماعيلي عن البغوي ، ثنا جدي ، ثنا هشيم عن حصين ومغيرة ، عن مجاهد ، عن ابن

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 166 ] عمرو
                                                                                                                                                                                                                              والحسن ذكرها البزار . وفي "مسند أحمد " أنه - عليه السلام - نقله من أربعين ليلة إلى سبع زاد ابن داود ولم ينزل عن سبع . وعنده أيضا : "لا يفقه القرآن من قرأه في أقل من ثلاث " . وأمره - عليه السلام - أن يقرأه في سبع ليال ; أخذ به جماعة من السلف . روي ذلك عن عثمان بن عفان ، وابن مسعود وتميم الداري وعن إبراهيم النخعي مثله . وذكر أبو عبيد عن زيد بن ثابت أنه سئل عن قراءة القرآن في سبع ، فقال : حسن ، ولأن أقرأه في عشرين أو في النصف أحب إلي من أن أقرأه في سبع ، وسلني لم ذلك ؟ أردده وأقف عليه . وكان أبي بن كعب يختمه في ثمان ، وكان الأسود يختمه في ست ، وعلقمة في خمس .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطيب بن سلمان ، عن عمرة ، عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يختم القرآن في أقل من ثلاث .

                                                                                                                                                                                                                              وعن قتادة ، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث " .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 167 ] وروي عن معاذ بن جبل .

                                                                                                                                                                                                                              وكانت طائفة تقرأ القرآن كله في ليلة أو ركعة ، روي ذلك عن عثمان بن عفان وتميم الداري ، وعن علقمة وسعيد بن جبير أنهما قرءا القرآن في ليلة بمكة ، وكان ثابت البناني يختم القرآن كل يوم وليلة في شهر رمضان ، وكان سليم يختم القرآن في ليلة ثلاث مرات . ذكر ذلك أبو عبيد ، وقال : الذي أختار من ذلك ألا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث ; لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من الكراهة لذلك .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : وأكثر ما بلغنا قراءة ثمان ختمات في اليوم والليلة . قال السلمي : سمعت الشيخ أبا عثمان المغربي يقول : إن ابن المكاتب يختم بالنهار أربع ختمات ، وبالليل أربع ختمات .

                                                                                                                                                                                                                              فائدة :

                                                                                                                                                                                                                              سعد بن حفص شيخ البخاري هو أبو محمد الطلحي الكوفي ، يقال له : الضخم ، مولى آل طلحة ، مات سنة خمس عشرة ومائتين ، انفرد به عن الخمسة ، وليس في شيوخ الستة من اسمه سعد سواه .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : (وأحسبني سمعت أنا من أبي سلمة ) قائل ذلك هو يحيى بن أبي كثير .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية