الوثنية وادعاء البنوة لله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=101بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=102ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير
بعد أن بين سبحانه وتعالى آياته في خلق الأشياء وتوالده وإثبات قدرته القاهرة، وإرادته العلية، وأنها تقتضي الإيمان بالله تعالى منشئ هذا الكون وما فيه ومن فيه، وأنه الحي القيوم القائم عليه يمسكه، ويمسك السماوات والأرض أن تزولا. ولئن زالتا لا يمسكهما أحد من بعده.
[ ص: 2610 ] مع هذه البينات ظهر أولئك الذين يشركون بالله تعالى وذكر سبحانه وتعالى أنهم يشركون الجن، فقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم
ومعنى قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وجعلوا لله شركاء الجن أي: أن الشركاء هم الجن، أي: أنهم عبدوا الجن بجوار عبادة الله تعالى، وقد يسأل سائل: إن المشركين قد عبدوا الأصنام، ولم يعبدوا الجن، فكيف يقال: إن الشركاء لله الجن، وقد قال في محكم آياته: إنهم اتخذوا الأنداد، والأنداد التي حسبوها أندادا لله هي الأصنام.
وقد اتجه المفسرون في إجابة هذا السؤال اتجاهين: أولهما: أن الشياطين، وهم من أتباع إبليس وهو رأس الجن هم الذين سولوا لهم عبادة الأوثان، وزينوها لهم، وقد جاءت بذلك النصوص القرآنية الكثيرة، من ذلك قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=60ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=61وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم
ويقول الله تعالى على لسان الملائكة:
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=41سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون
ويقول تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=117إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=118لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=119ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا وإنه ما من شرك إلا والشيطان وراءه، والشيطان من الجن; إذ هو تابع لإبليس، وهو من الجن، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=50إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه هذا هو قول الأكثرين.
الاتجاه الثاني: روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=15097والكلبي أنهما قالا: إن الذين كانوا يعبدون الجن هم الثنوية من المجوس الذين كانوا يقولون: إن الوجود يحكمه إلاهان إله الخير، واسمه يزدان وإله الشر واسمه أهرمن،
[ ص: 2611 ] ولقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: إن موضوع الآية الزنادقة، وقد رجح
فخر الدين الرازي ذلك الرأي، ولنترك الكلمة له، فقد قال: (هذا مذهب المجوس، وإنما قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: هذا قول الزنادقة؛ لأن المجوس يلقبون بالزنادقة؛ لأن الكتاب الذي زعم زرادشت أنه نزل عليه من عند الله سمي بالزند والمنسوب إليه يسمى زندي، ثم عرب فقيل: زنديق، ثم جمع فقيل: زنادقة، واعلم أن المجوس قالوا: كل ما في هذا العالم من الخيرات، فهو من يزدان، وكل ما فيه من الشرور فهو من أهرمن، وأهرمن، هو إبليس بلغة القرآن، والقرآن قال: إنه من الجن، فمن قال بهذا المذهب، فهو يعتبر إبليس وذريته من الجن شركاء لله تعالى في معنى الألوهية، وبذلك تتحقق شركة الجن).
وفي الحق: إن الآية تشمل بعمومها عباد الأوثان والزنادقة؛ لأن كليهما عبدا الشيطان،
وإبراهيم -عليه السلام- عندما نهى أباه عن عبادة الأوثان قال له:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=44يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا وعلى ذلك يكون المشركون والمجوس قد أشركوا الجن في عبادة الله تعالى، سواء أكان ذلك بأن سولوا لهم عبادة الأحجار، فتكون عبادة الأحجار عبادة للجن، أم عبدوا الجن مباشرة كالثنوية.
ولقد قال تعالى بعد أن ذكر هذه الشركة الوثنية قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وخلقهم أي: أن الله تعالى خلقهم، فهم مخلوقون، حادثون ولا يصلحون أن يكونوا معبودين؛ لأن المعبود بحق هو القديم الذي لا أول له، والباقي الذي لا آخر له، ولأنه ليس من العقل في شيء أن يشترك الخالق مع المخلوق.
ثم ذكر سبحانه وتعالى افتراءات المشركين ومن لف لفهم، فقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وخرقوا له بنين وبنات بغير علم وخرقوا معناها اختلقوا القول، وافتعلوا، كان الرجل إذا كذب في النادي، قالوا: خرق ورب
الكعبة؛ أي اختلق، فالمعنى: اختلقوا أن يكون لله بنون أو بنات، ومن الناس من قال: الملائكة بنات الله، وقد تردد ذلك على ألسنة المشركين وعلى ألسنة اليهود.
[ ص: 2612 ] ومن الذين خرقوا القول بأن لله تعالى بنين الهنود والبوذيون، وأخذ عنهم النصارى بنوة
عيسى، واليهود قالوا: عزير ابن الله، فادعاء البنوة لله تعالى قد أخذ به اليهود، ثم سار وراءهم اليهود والنصارى، وكل من افترى على الله تعالى ذلك الافتراء.
ولقد قال تعالى إن ذلك قول ليس له أصل قام عليه، ولكنه جهالة، فقال تعالت كلماته:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100بغير علم أي: أنه ادعاء ليس له أساس، من أين أوتوه. بل عن أوهام توهموها، وجهل مبين بمعاني الألوهية، ويدل على فساد فكر وضلال فهم، واستهواء نفس ممن سيطر على نفوسهم. والله تعالى منزه عن ذلك.
وختم الله تعالى الآية بما يدل على التنزيه، وعلو المقام الإلهي عن ذلك فقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100سبحانه وهي مصدر يدل على التسبيح وتنزيه الله العلي الكريم عن ذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وتعالى أي: تسامى سبحانه وتعالى عما يشركون.
ولقد بين سبحانه وتعالى استحالة أن يكون له ولد، فقال تباركت آياته:
الْوَثَنِيَّةُ وَادِّعَاءُ الْبُنُوَّةِ لِلَّهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=101بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=102ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ
بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى آيَاتِهِ فِي خَلْقِ الْأَشْيَاءِ وَتَوَالُدِهِ وَإِثْبَاتِ قُدْرَتِهِ الْقَاهِرَةِ، وَإِرَادَتِهِ الْعَلِيَّةِ، وَأَنَّهَا تَقْتَضِي الْإِيمَانَ بِاللَّهِ تَعَالَى مُنْشِئِ هَذَا الْكَوْنِ وَمَا فِيهِ وَمَنْ فِيهِ، وَأَنَّهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ الْقَائِمُ عَلَيْهِ يُمْسِكُهُ، وَيُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا. وَلَئِنْ زَالَتَا لَا يُمْسِكُهُمَا أَحَدٌ مِنْ بَعْدِهِ.
[ ص: 2610 ] مَعَ هَذِهِ الْبَيِّنَاتِ ظَهَرَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ تَعَالَى وَذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّهُمْ يُشْرِكُونَ الْجِنَّ، فَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ
وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ أَيْ: أَنَّ الشُّرَكَاءَ هُمُ الْجِنُّ، أَيْ: أَنَّهُمْ عَبَدُوا الْجِنَّ بِجِوَارِ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ يَسْأَلُ سَائِلٌ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَبَدُوا الْأَصْنَامَ، وَلَمْ يَعْبُدُوا الْجِنَّ، فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّ الشُّرَكَاءَ لِلَّهِ الْجِنُّ، وَقَدْ قَالَ فِي مُحْكَمِ آيَاتِهِ: إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الْأَنْدَادَ، وَالْأَنْدَادُ الَّتِي حَسِبُوهَا أَنْدَادًا لِلَّهِ هِيَ الْأَصْنَامُ.
وَقَدِ اتَّجَهَ الْمُفَسِّرُونَ فِي إِجَابَةِ هَذَا السُّؤَالِ اتِّجَاهَيْنِ: أَوَّلُهُمَا: أَنَّ الشَّيَاطِينَ، وَهُمْ مِنْ أَتْبَاعِ إِبْلِيسَ وَهُوَ رَأْسُ الْجِنِّ هُمُ الَّذِينَ سَوَّلُوا لَهُمْ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ، وَزَيَّنُوهَا لَهُمْ، وَقَدْ جَاءَتْ بِذَلِكَ النُّصُوصُ الْقُرْآنِيَّةُ الْكَثِيرَةُ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=60أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=61وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ
وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ الْمَلَائِكَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=41سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ
وَيَقُولُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=117إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=118لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=119وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا وَإِنَّهُ مَا مِنْ شِرْكٍ إِلَّا وَالشَّيْطَانُ وَرَاءَهُ، وَالشَّيْطَانُ مِنَ الْجِنِّ; إِذْ هُوَ تَابِعٌ لِإِبْلِيسَ، وَهُوَ مِنَ الْجِنِّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=50إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ هَذَا هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ.
الِاتِّجَاهُ الثَّانِي: رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=15097وَالْكَلْبِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا: إِنَّ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ هُمُ الثَّنَوِيَّةُ مِنَ الْمَجُوسِ الَّذِينَ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ الْوُجُودَ يَحْكُمُهُ إِلَاهَانِ إِلَهُ الْخَيْرِ، وَاسْمُهُ يَزْدَانُ وَإِلَهُ الشَّرِّ وَاسْمُهُ أَهْرِمَنْ،
[ ص: 2611 ] وَلَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ مَوْضُوعَ الْآيَةِ الزَّنَادِقَةُ، وَقَدْ رَجَحَ
فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ ذَلِكَ الرَّأْيَ، وَلْنَتْرُكِ الْكَلِمَةَ لَهُ، فَقَدْ قَالَ: (هَذَا مَذْهَبُ الْمَجُوسِ، وَإِنَّمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا قَوْلُ الزَّنَادِقَةِ؛ لِأَنَّ الْمَجُوسَ يُلَقَّبُونَ بِالزَّنَادِقَةِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ الَّذِي زَعَمَ زَرَادِشْتُ أَنَّهُ نَزَلَ عَلَيْهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ سُمِّيَ بِالزَّنْدِ وَالْمَنْسُوبُ إِلَيْهِ يُسَمَّى زَنْدِيٌّ، ثُمَّ عُرِّبَ فَقِيلَ: زِنْدِيقٌ، ثُمَّ جُمِعَ فَقِيلَ: زَنَادِقَةٌ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَجُوسَ قَالُوا: كُلُّ مَا فِي هَذَا الْعَالَمِ مِنَ الْخَيْرَاتِ، فَهُوَ مِنْ يَزْدَانَ، وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنَ الشُّرُورِ فَهُوَ مِنْ أَهْرِمَنَ، وَأَهْرِمَنُ، هُوَ إِبْلِيسُ بِلُغَةِ الْقُرْآنِ، وَالْقُرْآنُ قَالَ: إِنَّهُ مِنَ الْجِنِّ، فَمَنْ قَالَ بِهَذَا الْمَذْهَبِ، فَهُوَ يَعْتَبِرُ إِبْلِيسَ وَذُرِّيَّتَهُ مِنَ الْجِنِّ شُرَكَاءَ لِلَّهِ تَعَالَى فِي مَعْنَى الْأُلُوهِيَّةِ، وَبِذَلِكَ تَتَحَقَّقُ شَرِكَةُ الْجِنِّ).
وَفِي الْحَقِّ: إِنَّ الْآيَةَ تَشْمَلُ بِعُمُومِهَا عُبَّادَ الْأَوْثَانِ وَالزَّنَادِقَةَ؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا عَبْدَا الشَّيْطَانِ،
وَإِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- عِنْدَمَا نَهَى أَبَاهُ عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ قَالَ لَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=44يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا وَعَلَى ذَلِكَ يَكُونُ الْمُشْرِكُونَ وَالْمَجُوسُ قَدْ أَشْرَكُوا الْجِنَّ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ بِأَنْ سَوَّلُوا لَهُمْ عِبَادَةَ الْأَحْجَارِ، فَتَكُونُ عِبَادَةُ الْأَحْجَارِ عِبَادَةً لِلْجِنِّ، أَمْ عَبَدُوا الْجِنَّ مُبَاشَرَةً كَالثَّنَوِيَّةِ.
وَلَقَدْ قَالَ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الشَّرِكَةَ الْوَثَنِيَّةَ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وَخَلَقَهُمْ أَيْ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَهُمْ، فَهُمْ مَخْلُوقُونَ، حَادَثُونِ وَلَا يَصْلُحُونَ أَنْ يَكُونُوا مَعْبُودِينَ؛ لِأَنَّ الْمَعْبُودَ بِحَقٍّ هُوَ الْقَدِيمُ الَّذِي لَا أَوَّلَ لَهُ، وَالْبَاقِي الَّذِي لَا آخِرَ لَهُ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْعَقْلِ فِي شَيْءٍ أَنْ يَشْتَرِكَ الْخَالِقُ مَعَ الْمَخْلُوقِ.
ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى افْتِرَاءَاتِ الْمُشْرِكِينَ وَمَنْ لَفَّ لَفَّهُمْ، فَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَخَرَقُوا مَعْنَاهَا اخْتَلَقُوا الْقَوْلَ، وَافْتَعَلُوا، كَانَ الرَّجُلُ إِذَا كَذَبَ فِي النَّادِي، قَالُوا: خَرَقَ وَرَبِّ
الْكَعْبَةِ؛ أَيِ اخْتَلَقَ، فَالْمَعْنَى: اخْتَلَقُوا أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ بَنُونَ أَوْ بَنَاتٌ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، وَقَدْ تَرَدَّدَ ذَلِكَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمُشْرِكِينَ وَعَلَى أَلْسِنَةِ الْيَهُودِ.
[ ص: 2612 ] وَمِنَ الَّذِينَ خَرَقُوا الْقَوْلَ بِأَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى بَنِينَ الْهُنُودُ وَالْبُوذِيُّونَ، وَأَخَذَ عَنْهُمُ النَّصَارَى بُنُوَّةَ
عِيسَى، وَالْيَهُودُ قَالُوا: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، فَادِّعَاءُ الْبُنُوَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى قَدْ أَخَذَ بِهِ الْيَهُودُ، ثُمَّ سَارَ وَرَاءَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَكُلُّ مَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ذَلِكَ الِافْتِرَاءَ.
وَلَقَدْ قَالَ تَعَالَى إِنَّ ذَلِكَ قَوْلٌ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ قَامَ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ جَهَالَةٌ، فَقَالَ تَعَالَتْ كَلِمَاتُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100بِغَيْرِ عِلْمٍ أَيْ: أَنَّهُ ادِّعَاءٌ لَيْسَ لَهُ أَسَاسٌ، مِنْ أَيْنَ أُوتُوهُ. بَلْ عَنْ أَوْهَامٍ تَوَهَّمُوهَا، وَجَهْلٍ مُبِينٍ بِمَعَانِي الْأُلُوهِيَّةِ، وَيَدُلُّ عَلَى فَسَادٍ فِكْرٍ وَضَلَالِ فَهْمٍ، وَاسْتِهْوَاءِ نَفْسٍ مِمَّنْ سَيْطَرَ عَلَى نُفُوسِهِمْ. وَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ.
وَخَتَمَ اللَّهُ تَعَالَى الْآيَةَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى التَّنْزِيهِ، وَعُلُوِّ الْمَقَامِ الْإِلَهِيِّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100سُبْحَانَهُ وَهِيَ مَصْدَرٌ يَدُلُّ عَلَى التَّسْبِيحِ وَتَنْزِيهِ اللَّهِ الْعَلِيِّ الْكَرِيمِ عَنْ ذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وَتَعَالَى أَيْ: تَسَامَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ.
وَلَقَدْ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اسْتِحَالَةَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ، فَقَالَ تَبَارَكَتْ آيَاتُهُ: